أحيت الفرقة التراثية الحلبية للإنشاد الديني والرقصة المولوية حفلاً فنياً تراثياً بمناسبة بدء أعمال الندوة العلمية الدولية: جلال الدين الرومي رائد الفكر الإنساني والتصوف.
وذلك بحضور الدكتور علي القيم معاون وزير الثقافة, والدكتور محمود عكام مفتي حلب, والأستاذ محمد قجة والمشاركين في أعمال هذه الندوة وجمع غفير من محبي هذا الفن الأصيل.
وقد ترأس هذه الفرقة الشيخ مسعود خياطة, فبدأت بالوصلات القصيرة والموشحات، ثم بدأت رقصة المولوية الشهيرة على المسرح وسط تصفيق المشاهدين وإعجابهم بروعة الحركات التي تؤديها هذه الفرقة من رقص متجانس مع أصوات الفرقة.
ورقصة المولوية ابتكرها الشيخ جلال الدين الرومي, وتحمل حركاتها وطريقة أدائها رموز ودلالات روحانية خاصة, و الذكر يكون بمصاحبة ضاربي الدف, وعازف الناي وبإشراف (العشي باشي) الذي يلاحظ الدراويش أثناء الدوران. وطريقة المولوية مبنية على الخدمة الالهية، وليس لدراويشها غير العبادة وقراءة الأوراد, ومن عاداتهم القيام بالذكر الجهري كل يوم عند صلاة الصبح, يرددون فيه لفظ الله فقط وهم قعود ولهم ذكر خفي عجيب يقيمونه بعد صلاة الجمعة أو الصبح نحو ساعة, كما تذكر كتب التاريخ.
فيقفون على هيئة حلقة كبيرة ويهتزون من اليمين إلى الشمال هزة مخصصة على دقات العود ونغمات الكمنجة أو بقلوبهم فقط وفي أثناء ذلك يترنحون ترنح الثمل الطروب، وأيضاً يفتلون حول ذاتهم بقدرة هائلة عشرات المرات وتسمى ذلك رقصة المولوية التي يكمن فيها الكثير من الألغاز والمعتقدات والبعض يفسر تلك الظاهرة بالترويح عن النفس بعد الإجهاد من العبادة ومن أراد الإنتساب لهذه الطريقة عليه أن يقوم بمهمة الكنس والرش وما إلى ذلك حتى تنكسر حدة نفسه وتخضع وحتى ينال رضى الله، وبعد ذلك يدمج بدراويش التكية ويعطى له غرفة وينام فيها ويجري عليه وقفها، ويحضر أذكارها ويقوم بسائر تعليمها ويلبس الجلباب الفضفاض والقلنسوة المستطيلة التي تسمى عندهم "الكلاه" وهذه الكلاه كان يلبسها شيخ المولوية جلال الدين الرومي.
أما عن فلسفة الرقصة فيلبس الراقصون الملابس البيضاء التي ترمز للأكفان، معاطف سوداء ترمز للقبر، قلنسوات عالية ترمز لشاهد القبر والدورات الثلاث التي يقومون بها هي المراحل المقربة من الله وهي : طرق العلم، الطريق إلي الرؤية، الطريق المؤدي إلي الوصال.
يكون هناك شيخ يمثل الوسيط بين السماء والأرض يجلس بعد تحيته للدراويش على بساط أحمر يمثل هو الآخر غروب الشمس وقت موت جلال الدين، يبدأ الرقص بقرعه الأرض، تسقط المعاطف بعد الدورة الثالثة قاصدين تخلصهم من الغلاف الأرضي وولادتهم الثانية، باسطين أذرعتهم كالأجنحة تدار راحة اليد اليمنى إلى الأعلى نحو السماء لجمع الرحمة الإلهية والراحة اليسرى للأسفل لتقدمها إلى الأرض بعد أن وصلت الرحمة لقلوبهم وأفئدتها، حركتهم حول الباحة تمثل القانون الكوني حيث الكواكب تدور حول الشمس وحول مركزها والطبول المصاحبة تمثل الصور يوم القيامة، ودائرة الراقصين مقسومة على نصف دائرة يقصد بأحدهما قوس النزول، والآخر قوس صعود الروح، يدخل الشيخ مشاركاً بالرقص في الدورة الرابعة بازدياد سرعة الإيقاع فيدور في مركز الدائرة ممثلاً الشمس، بعودته لمكانه ينتهي السماع أو الرقص ويتلو المنشد القرآن باعتبارها كلمات الله سبحانه تجيب الدراويش، تذكر التحيات الأخيرة ويذكر اسم الله: هوْ فإليه يرفع هذا الهيام. إذ تصبح حاجة الصوفي المحب للرقص والغناء تعبيراً عن شوقه وحبه أقوى من أي شيء آخر وتصير هذه الطاقة الهائلة قوة لا نهائية تخترق كل الحجب.
ويقول الباحث الدكتور محمد جمال طحان عن هذه الرقصة والثياب الخاصة: " الثياب البيض التي يرتديها الراقصون ترمز إلى الأكفان، والمعاطف السود ترمز إلى القبر، وقلنسوة اللباد ترمز إلى شاهدة القبر، والبساط الأحمر يرمز إلى لون الشمس الغاربة، والدورات الثلاث حول باحة الرقص ترمز إلى المراحل الثلاث في التقرب إلى الله، وهي طريق العلم، والطريق إلى الرؤية والطريق المؤدي إلى الوصال، وسقوط المعاطف السود يعني الخلاص، والتطهر من الدنيا، وتذكر الطبول بالصور يوم القيامة ودائرة الراقصين تقسم على نصفي دائرة، يمثل أحدهما قوس النزول أو انغماس الروح في المادة، ويمثل الآخر قوس الصعود، أي صعود الروح إلى بارئها.
ويمثل دوران الشيخ حول مركز الدائرة الشمس وشعاعها، أما حركة الدراويش حول الباحة فتمثل القانون الكوني، ودوران الكواكب حول الشمس وحول مركزها".
eAlepoo التقت مؤسس فرقة التراث الحلبي الشيخ مسعود خياطة, وسألته عن هذه الفرقة, فقال: "أنشئت الفرقة بمناسبة احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية, وقد تم تشكيلها من عناصر متخصصة في هذا المضمار, وبدأت الفرقة تدريباتها منذ أول يوم تشكلت فيه, وقد أنجزت خلال هذه المدة حوالي /110/ أعمال مختلفة من موشح وأنشودة دينية أغلبها من التراث الحلبي الأصيل, وتهدف الفرقة إلى أحياء التراث الفني في هذه المدينة العظيمة وتوثيقه والمحافظة عليه وعلى الأناشيد الدينية التراثية التي كادت تنقرض بسبب إعراض الفرق الإنشادية عنها إلى غيرها من الأناشيد والألحان الجديدة, من أعضائها المؤسسين: عبد الكريم رجب ومحمد مهندس وعمر ضباع ومحمد نجيب فتوح وأحمد صوا ومحمد فاتح أبو زيد ومحمد أنيس ومحمد خير حلواني وعبد الناصر الحلاق ويوسف سيد درويش ومحمد دبلوني وماهر قطان وسامر نشار ومحمود بركات ومحمد شربجي.
وشاركت الفرقة في تمثيل حلب عاصمة الثقافة الإسلامية في أصفهان فقدمت حفلها على مسرح مديرية الثقافة والإرشاد الديني, وقدمت الفرقة حفلاً بمناسبة تجديد البيعة للسيد الرئيس بشار الأسد في مديرية الثقافة, وجهودنا مستمرة إن شاء الله لخدمة بلدنا وأمتنا من خلال الحفاظ على تراثنا العظيم, ونشكر كل من أولانا اهتماما ونخص بالذكر الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة, والدكتور تامر الحجة محافظ حلب, والأستاذ محمد قجة".