يرسم الفنّان الرؤى المستقبلية بروعة وصفاء فيبدع بما يحلم به الإنسان وأبهى ما يتطلع إليه المجتمع عاكساً بذلك مكنونات ما يشعر به من أحاسيس قد تكونت خلال تجربته الاجتماعية معبراً عن الحالة التي مر بها.
eAleppo كان بمعرض "العطش" الذي احتضنته صالة الأنشطة بمديرية الثقافة بحلب للفنّان "نجيب جلبي" الذي حدثنا عن المعرض قائلاً: «المعرض تنوع ما بين الرسم والنحت فجاء بـ /161/ لوحة زيتية و/28/ قطعة نحتية، مؤلفة من أحجار محلية وباريسية وبلجيكية ومنها أيضاً جصية- حبصين- المكسوة بالألوان البرونزية، ويعتبر الحجر الحلبي بالنسبة لي من أفضل الأنواع لكونه قريباً من لون البشرة، وعموماً فإن لوحاتي انتمت لكلا المدرستين التجريدية والتعبيرية، ولكنني لم أهتم بهما بسبب تركيزي على فكرتي بالدرجة الأولى وهي الأهم باعتقادي وقد جسدتها من خلال الخطوط المختصرة والمنحنية.
فلوحاته الزيتية ظهرت فيها معزوفات نحتية على الرغم من كونها رسوم تلوينية إلا أنها أظهرت الحياة الجامدة، هذا هو الأسلوب الذي انطلق منه للحياة من خلال الحرية التي فضّلها بخطوطه المتلاشية واللامتناهية الممزوجة بالألوان الحزينة
والعمل دون فكرة أساسية تدور حوله يظهر على شكل عمل تزييني- ديكوري- لأنه واقعياً يجب أن يكون ممتلئاً بالفلسفة والفكر لتحسين حالة الإنسان واجتياز صعوباته وعقباته من أجل التقدم، فالفن يعتبر بشكل عام أرضية لجميع العلوم، ويبرز من خلال الخط والحركة واللون، وأما المنحوتات فقد تبرز بالكتلة والفراغ، ومنها منحوتاتي التي غلب عليها عنصر الحنان الذي تمثله المرأة، ذلك الجسد الموجود في داخل الأسرة الواحدة».
وبالحديث عن "العطش" الذي اختاره عنواناً لمعرضه ختم بالقول: «حينما اخترت العطش عنواناً لمعرضي، إنما قصدت من ذلك العطش إلى الحرية والوحدة الإنسانية، وبذلك فضلتها على الجوع لأن العطش في باطنه يرمز إلى الجفاف الذي لا يحتمله أي إنسان لثلاثة أيام على التوالي، فالفن يزيد من قدرات الإنسان التخيلية وخصوصاً إن زادت حصص الأطفال في المدارس التعليمية».
الفنانة "آريا عطي" تحدثت عن معرض الدكتور "نجيب جلبي" بالقول: «منحوتاته أظهرت لمسة العطش الذي اتخذه في عنوانه أكثر مما جسدها في لوحاته، وقد ظهرت على شكل جسد تعبيري الذي اتخذ من المدرسة التعبيرية أساساً لعمله فعمد إلى التعبير دون إظهار للتفاصيل، وظهر من بين لوحاته رسومات عبرت عن الأمومة وأشكال لأشخاص وكأنهم ضائعين تائهين في الوضع الذي يعيشونه، والألوان الداكنة عملت على مساعدته لإظهار الحالة التي شعر بها، فإنه لم يستند على أسس معينة لأنه انطلق بفضاء حر ودون أية قيود، ورغبته في ذلك تأكيداً لفكرته التي آمن بها، وقد عمد إلى المزج بين مدرستين فنيتين لكي يحقق الإبداع من خلالهما ويمكن لأي فنان أن يبتدع أي مدرسة متى شاء في ذلك لأن المدارس الفنية لم تنته».
إن لوحات المعرض ظهر فيه تجانساً بين النحت والتصوير الزيتي في نفس اللحظة، تحت مسمى واحد من خلال حركة الإنسان الداخلية مابين سعادة وحزن، واستطرد الفنان"حازم عقيل" بالقول: «فلوحاته الزيتية ظهرت فيها معزوفات نحتية على الرغم من كونها رسوم تلوينية إلا أنها أظهرت الحياة الجامدة، هذا هو الأسلوب الذي انطلق منه للحياة من خلال الحرية التي فضّلها بخطوطه المتلاشية واللامتناهية الممزوجة بالألوان الحزينة».
وأشار "عقيل": «إن اللوحات والمنحوتات كانت مفردة وبأسلوب واحد، صحيح كان هناك اختلاف في الخطوط المنحنية إلا أن أسلوب واحد قد شق طريق فنه في هذا المعرض فقد بدء بالطفل ثم بالرجل ثم بالمرأة وصور تلك الأسرة على جميع لوحاته مؤكداً بأن سعادة الأسرة هي نفسها سعادة المجتمع لكونها نواة رئيسية في المجتمع».
الناقد التشكيلي "محمود مكي" نقد الأعمال المعروضة بالقول: «أحياناً يظهر على مواضيعه نوع من الغرابة التي يلامس فيها حاجة المجتمع في أكثر الأحيان، فالعنوان الذي اتخذه لنفسه هو ضخم يعبر عن عدة معان تنوعت ما بين لوحات ومنحوتات، وهذا ليس بغريب عنه بسبب كثرة لوحاته في معظم معارضه، وقد خيّم إحساس الحنان الذي يفيض من المرأة فظهر شكلها في الكتل النحتية بانسجام تام بين أجزائها، وبسبب ميوله للتلقائية والعفوية ابتعد عن الحالة المدروسة لكي يعبر بشكل أفضل عن لحظته النفسية التي يعيشها في ذاته».
يستمر المعرض لمدة أسبوع وهذه دعوة للزيارة.
يذكر أن الدكتور "نجيب جلبي" حائز الجائزة الأولى والكبرى بباريس ونائب رئيس جمعية "جلجامش" الاجتماعية والثقافية بفرنسا وأستاذ في جامعة حلب كلية الفنون الجميلة ـ قسم النحت ـ له العديد من المعارض من بينها في عام 2007 بعنوان ألف ليلة وليلة بمهرجان عالمي وإقامة نصب تذكاري بمدينة تركوا بشمال فرنسا وفي عام 2009 معرض نحت وتصوير في سان موريس- فرنسا.