الفنان "عبد الرحمن عمر" المعروف بـ"أبو صلاح" من الفنانين التراثيين المعروفين في منطقة "عفرين"، قد لا يعرفه أبناء جميع المحافظات السورية إلا أنّه يمتلك رصيداً شعبياً كبيراً في منطقته حيث انطلق منها إلى عالم الغناء والفن.
في قريته "كوردان" الجبلية التقاه مراسل موقع eSyria وأجرى معه الحوارا تناول تجربته الفنية الغنية.
رغم كل ذلك التعب فإنّ العودة إلى أوتار الطنبور في آخر النهار كان ينسيني كل التعب ويزيدني إصراراً على متابعة طريقي الفني
** «اسمي "عبد الرحمن أحمد عمر" من مواليد قرية "كوردان" -منطقة "عفرين" في العام /1955/ لا أحمل شهادة علمية، إلا أنني أحمل شهادة حب الناس وتراث منطقتي وفلكلورها».
** «لقد تأثّرت منذ طفولتي بالبيئة والمحيط الاجتماعي من حولي حيث عشت في كنف أسرة فنية أغلب أفرادها كانوا يمارسون الغناء فأبي وأمي وجدي وجدتي وأخوالي جميعهم كانوا يتميّزون بأصواتهم الشجية وصدورهم المليئة بتراث وفلكلور المنطقة وسط هذه الأجواء الفنية ترعرعتُ وبدأتُ منذ نعومة أظفاري بحب الطرب».
«ورحت أضيفُ إلى رصيدي كل يوم ما أسمعه منهم من أغان شعبية وفلكلورية أصيلة في سهرات الصيف على أسطح بيوت القرية وفي سهرات الشتاء أمام مواقد النيران وفي الأعراس وأفراح القرية والقرى المجاورة، وفي الكرنفالات الاجتماعية التي كانت تًقام أيام قطف الزيتون التي تشتهر بها منطقة "عفرين"».
** «الأغاني الملحمية الطويلة التي تتحدث عن أبطال معروفين وعن قصص العشق العذري مثل "ممو" و"زين" و"درويش عبدي" و"بطال آغا كنج" وغيرها الكثير من الأغاني التي تتحدث عن الطبيعة وأحوال القرويين، التي تعلمتها من أسرتي وما زلت أغني حتى اليوم مما نهلته من ينابيع تراثهم وفنهم الأصيل فجدي "إبراهيم يوسف" كان من أشهر المطربين في الخمسينيات من القرن الماضي ووالدتي "كليزار" كانت أكبر مغنية في ريف "حلب" وقد توفيت بداية العام الحالي إضافةً إلى عدد من الفنانين التراثيين في منطقة "عفرين"».
«إنّ الفن الذي أقدّمه هو امتداد لما بدأه من سبقني من المطربين والفنانين كنوع من التواصل في العمل لإيصال الرسالة الفنية إلى أبناء مجتمعي، هذا الفن الذي يتميّز بالأصالة وعدم تأثره بما يُعرض اليوم على شاشات الأقنية الفضائية من مستويات هابطة تُحدث التلوث السمعي ولا صلة لها بتراث المجتمع وقيمه وهي تبدو في الكثير من الأحيان بلا في هوية ولا هدف وتسعى إلى زرع قيم تناقض قيم مجتمعنا وتوجهاته وأخلاقياته وعاداته».
** «بعد أن أعددت نفسي جيداً للغناء ونهلت من أسرتي ما يؤهلني للدخول إلى عالم الفن من باب واسع قمت بالعمل على توسيع دائرة حضوري على الساحة وبدأت بالبحث عن أوساط فنية تناسبني وتناسب فني فبدأت بالخطوة الأولى مع فرقة " آرمانج " الفنية والتراثية في مدينة "حلب" التي أسهمت بشكل كبير في تعميق وترسيخ الفن الفلكلوري والتراثي من خلال مجموعة من الكاسيتات الفنية الجميلة التي أحبها الناس وقد حرصت الفرقة على أدائها باستعمال الآلات الموسيقية الفلكلورية».
** «أهم الآلات الموسيقية التراثية في منطقة "عفرين" الطنبور التي أجيد العزف عليها بواسطة الريشة والأصابع وكذلك الطبل والزرناية و(بيك) محلياً».
** «لقد أديت معها الكثير من الحفلات الفنية أؤدي فقرات من الأغنيات الملحمية والفلكلورية الخفيفة مثل أغاني الحصاد وحب الأرض وغيرها وكذلك كان لي حضور ملفت في كل كاسيت كانت تصدره الفرقة، ولكن أكبر عمل قمت به معها كان إصدار كاسيت فني خاص لي تضمن أغنية ملحمية معروفة اسمها "دلال" و"عدولة" التي تتحدث عن تاريخ الآباء والأجداد وخصوصية المجتمع الذي ينتمي إليهما والعادات والتقاليد التي كانت سائدة آنذاك مع التركيز على الحدث المهم وهو العشق العذري الذي كان يربط بينهما، لقد كانت هذه الأغنية جواز سفري إلى الشهرة والنجومية حيث باتت تتردد حتى ألسنة جميع الناس وخصوصاً كبار السن الذين يحبون مثل هذه الأغاني القديمة لأنها الأقرب إلى واقعهم الاجتماعي الذي عاشوه».
** «لا، فبداياتي لم تكن سهلة ولم تتوفر لي مقومات النجاح بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة آنذاك إلا أنني استطعت بإرادتي الصلبة وإصراري على تقديم الفن الأصيل لأهلي وناسي التغلب على جميع المصاعب ومتابعة دربي بثبات وبالتالي استطعت أن أشق طريقي نحو النجاح ولم تنل المصاعب من حبي لإعلاء راية الفن الراقي والخلاّق في المجتمع فأنا مثلاً لم أترك عملاً شاقاً إلا ومارسته من نجارة البناء والعمل في البيتون وغيرها وذلك في أكثر من مدينة ومحافظة».
** «يجب على الفنان أن يمتلك الصوت الشجي والمؤثّر والكلمة الصادقة والمعّبرة واللحن الجميل وتلك الأمور تعد وسائل أساسية لتواصل الفنان مع جمهوره بمعنى أن يقدم فناً تراثياً ووطنياً خلاقاً».
** «رغم كل ذلك التعب فإنّ العودة إلى أوتار الطنبور في آخر النهار كان ينسيني كل التعب ويزيدني إصراراً على متابعة طريقي الفني».
** «نعم من المواقف الطريفة التي تعرضت لها في "لبنان" أنّه عندما كنت أعمل في "بيروت" دخلتُ ذات مرة إلى محل للموسيقى بالقرب من مكان عملي وكنت أحمل طنبوري على كتفي فسألني صاحب المحل هل تغني وتعزف على هذه الآلة؟ فأجبته: نعم فأنا مطرب من الشمال السوري، فرد عليّ صاحب المحل وهو لبناني الأصل باستخفاف وكأنّه لم يصدق ما قلته، وماذا تغني وتعزف؟ تلقى هذا اللبناني جواباً لم يتوقعه من هذا العامل السوري حيث قلت له إذا لم تصدق أنني مطرب فلتذهب السيدة "فيروز" أو السيد "وديع الصافي" إلى مدينة "حلب" لنقم حفلة مشتركة وسنرى جمهور من سيكون أكبر وأكثر فعاليةً، هنا استغرب الرجل اللبناني وقال لي لمن تغني وما رصيدك؟ هذا السؤال دفعني لأغني له بصوت عال مقطعا ًمن إحدى أغنياتي الملحمية فتفاجأ صاحب المحل بأدائي وبحركة أناملي على أوتار الطنبور وبالجمهور الذي اجتمع من حولنا في أحضان أحد ضواحي "بيروت" الجميلة».
** «الأغاني الأصيلة والجميلة لا بد أن تصل إلى آذان الجميع ولو تأخرت قليلاً، لقد شاركت في إقامة العديد من الحفلات الفنية وذلك في أكثر من دولة أوروبية تتواجد فيها الجاليات السورية وخاصّةً من أبناء منطقة "عفرين"».
«لقد ساهمت إحدى أغنياتي في تعّرف شابين من "عفرين" على بعضهما البعض في المغترب وذلك عندما رنّ موبايل أحدهما التي كانت تتضمن إحدى أغنياتي بينما كانا يحضران حفلاً فنياً لمطرب أوروبي في إحدى العواصم الأوروبية فتركا الحفل وخرجا للتحدث عن الغربة وشجونها».
إذا كان الفنان "عبد الرحمن عمر" -"أبو صلاح" استطاع نقل رسالته الفنية شفهياً للعالم فإنّ المطلوب توثيق أغنياته الآن ولاحقاً لتساهم في إغناء مكتبتنا الفنية في مجال الأغنية التراثية مع اليقين أنّ مختلف مدننا وقرانا السورية تذخر بالعديد من أمثال "عبد الرحمن عمر" لكنهم لم يأخذوا نصيبهم من الشهرة بسبب ظروف مختلفة.