عندما يستطيع شخص ما التعبير عن أفكار متنوعة تجول في أذهاننا لأوقات طويلة، وتخلق فينا أحاسيس كثيرة، يعبر عنها فقط باستعمال أبسط الألوان وأكثرها تعقيدا في الوقت ذاته، نعلم وقتها أنّ هذا الشخص وبالفطرة هو فنان امتلك فن التعبير عن كل شيء وبلا شيء، انه الفنان "باسل دحكول" والذي استضافنا لنعيش معه ومع لوحاته لحظات لا تنسى، ولنكشف –كما عودناكم- عن الوجوه المغمورة في بلدنا والتي تملك الكثير من المواهب التي تستحق الوقوف عندها مطولا.
أول ما يلفت الانتباه هي لوحة لامرأة عجوز أراد "باسل" أن يتحدث عنها، كونها تعتبر بالنسبة له اللوحة الأكثر قربا من قلبه: «أنها لوحة لامرأة عجوز في العقد السابع من عمرها، رأيتها في "عفرين" وكانت تجلس على حافة رصيف في إحدى الطرق هناك، استوقفني شرودها وحزنها الواضحين على وجهها، فاقتربت منها وتأملتها طويلا، وقررت رسمها، فكانت هذه اللوحة التي تحمل معان كبيرة عن مرحلة صعبة قد نعيشها نحن في أية لحظة، تلك اللحظة التي نفقد فيها العمر والأهل والأصدقاء، في وجه هذه المرأة دلائل كثيرة، وفي جلستها رموز لأشياء وأشياء، وقد أضفت عليها جماجم توجد بقرب قدمها تدل على الوحدة والغربة والمصير، بالإضافة إلى جذع الشجرة الذي تجلس عليه هذه المرأة والذي يعبر عن حالتها بكل بساطة واختصار».
في النهاية أحب أن أصل إلى أثر يحكي عني بعد الموت وأتمنى أن يكون جميلا ويرفع اسم بلدي عاليا
وعن بدايات حمله لقلم الفحم واكتشافه لهذه الموهبة يقول "باسل": «كانت بداياتي في الصف السادس الابتدائي عندما رسمت لوحة للشهيد "باسل الأسد" بقلم الرصاص، وشاركت فيها بالمعرض الفني الذي كان يقام في المدرسة آنذاك، ثم تابعت الرسم بالرصاص حتى الوصول إلى الشهادة الثانوية ودخولي إلى المعهد حيث بدأت هناك الرسم بأقلام الفحم».
وعندما سألت "باسل" -وبكل بساطة لاتخلو من المعاني الكبيرة- لماذا "باسل دحكول" يرسم؟ أجاب: «أنا لا أستطيع أن أبقى أسبوعين بعيدا عن مرسمي، بكل صراحة عندما أبتعد عن لوحاتي أشعر بفقدان التوازن، الرسم يجعلني في عالم آخر، ويمكّنني من التعبير عن كل ما أشعر به في لوحة ما، أحيانا أكون في حالة توتر ...! وعندما أرسم أرتاح جدا»
ثم طلبت من "باسل" أن يرسم كل لوحاته بكلمات يختصر فيها مشواره الفني: «الفن يعكس شخصية الإنسان وخط معين في أي لوحة كانت هي تعبير عن شخصية صاحبها، في إحدى المرات رسمت لوحة من لوحاتي وكنت في تلك الفترة أمرّ بحالة من الشد النفسي وبعد انتهاء اللوحة قال لي أحد الذين شاهدوها: لماذا جعلت خلفية رسمتك قاتمة ..؟هل كنت متوترا أثناء رسمها؟ ، الشيء المشترك في كل لوحاتي هي أنها تحمل اللون الأسود بشكل أشمل من الأبيض، وهذا انعكاس لشخصيتي وقد يكون اللون الأسود إما تشاؤم زائد أو تفاؤل كبير، هناك أيضا شيء مشترك في كل لوحاتي وهو أنها تحمل الكثير من الضوء، ويظهر ذلك عندما تراها في الظلام والنور، فهي تشاهد بشكل واحد ولا فرق لدرجة النور في رؤيتها كما يظهر في لوحة البنت التي تحمل القرآن».
أما سبب اختيار "باسل" لأقلام الفحم لكي تعبر عن فنه فهو: «أنا اختار الفحم ليس لأنه يعبر عن اللوحة بالأبيض والأسود بل لأنّ في كل من الأبيض والأسود درجات مختلفة من اللون تعبر بشكل واضح عما أريد، وفي بعض الأحيان أشارك أنواعا أخرى من الألوان لرسم اللوحة كالخشب مثلا، كما هو واضح في لوحة الفتاة التي تحمل وردة».
وعن مشاريعه في المستقبل القريب يقول "باسل": «حاليا أنا أحضر لمعرض فني، أشارك فيه بلوحات يترواح عددها بين 15و20 لوحة، حجمها كبير وتحمل أفكار غنية، والشيء المشترك فيها أنها جميعها مرسومة بالفحم»
وأخيرا يحدثنا "باسل" عن مستقبله البعيد «في النهاية أحب أن أصل إلى أثر يحكي عني بعد الموت وأتمنى أن يكون جميلا ويرفع اسم بلدي عاليا».
يذكر أنّ "باسل دحكول" والذي التقيناه في منزله في حي "الأكرمية" هو من خريجي معهد إعداد المدرسين قسم الرسم سنة 2005 ، وهو من مواليد 1984