أرادت من العنفوان الأنثوي أن يترجمَ نفسه فنّا..، واستطاعت بفنها وطريقتها الخاصة بالرسم أن توصل آلاف الرسائل الممهورة بخاتم مدرستها الخاصة التي أرادتها صورة فنية تميزها عن غيرها..
إنها الفنانة التشكيلية "سميرة بخاش" التي زارها موقع eSyria في منزلها في حوار عن تجربتها الفنية :
من المستحيل أن أبدا بلوحة ولا أكملها.. لكن ربما احتفظ ببعض اللوحات ولا أعرضها أمام الناس لأنها ربما سطرت مرحلة معينة من حياتي الشخصية أو حالة نفسية مررت بها يوما ما..
*المعروف عن كل فنان انتماءه لمدرسة فنية معينة يجد فيها الطريق الأمثل لإيصال إبداعه للجمهور، ما هي مدرسة "سميرة بخاش"؟
**«الفنان عليه العمل والبحث كثيرا للوصول إلى ذاتيته الخاصة في الفن التشكيلي من خلال تكنيكه الخاص واللون الذي يحبه واللوحة التي تستهويه. بدأت بالرسم "الكلاسيكي" وشعرت أن الناس لا يحبونه كثيرا لتوافر لوحاته في كل مكان كما شعرتُ أيضا أنّ الكلاسيكي بعيد عن القوة التي أريدها فانتقلت إلى "التعبيري" ومن ثم "التجريدي" و"الانطباعي"، ودائما كنت أشعر بأنه لازال ينقصني شيء ما أعمق وأكبر لأستطيع إيصال رسالتي لوطني وجمهوري، فصرت أبحث عما أتميز به.
تاريخي الفني خمس وعشرون سنة، لكني بعد خمس عشرة سنة من العمل والبحث والمعارض توصلتُ لمدرسة خاصة بي وهي "تعبيرية شبه تجريدية" تتكلم عن بلدي، حارات بلدي؛ شجرة بلدي؛ صخر بلدي؛ بحر بلدي.. وكل ما هو خاص ببلدي».
** «أي فنّان يحبُّ عمله يتوجب عليه أن يجرّبَ كثيرا ويبحث ويستمع إلى النقد وجميع الآراء لكي يستطيع تطوير عمله. من خلال تجاربي ومعارضي الفنية اجتمعتُ بالعديد من الدارسين والأساتذة في الفن التشكيلي وكلهم أجمعوا على جرأتي بالرسم بالسكين.
بداياتي كانت مع الريشة ولكني لم أشعر بالإحساس الذي كنت أريده، لم تعطني الريشة الاكتفاء الذاتي أو الجمالية التي أرغب بها، ربما الفنان الحساس يشعر بأن الريشة أعطته الإحساس الذي يريده كاملا أما أنا فلم أشعر بذلك.
قد يكون في داخلي عنفوان المرأة الذي لا تستطيع الريشة إيصال رسائلها للمجتمع، وقد تكون السكين هي من أعطاني إحساس القوة الذي أريده من خلال اللوحة، فالمساحة الصغيرة أعطتني أكثر من لون وشعرت بأن هذا النمط يلامس ما في داخلي، وأنا راضية عن هذا الفن الذي أوصلني إلى حبّ الناس من خلال تميزي بالوصول إلى مدرستي الخاصة..».
* وماذا عن ألوانك؟
** «ألواني هي الحارة جدا والباردة جدا، أنا لا أرسم الهدوء، أرسم البحر الهائج. لا أرسم الشجرة بهدوئها المعهود بل أرسم تلك الشجرة التي تعاني.
طلبَ مني أحدهم يوما تفسير لوحة لثلاث شجرات رمزت من خلالها إلى الحياة بمراحلها كافة التي تبدأ بالقوة ومن ثم تنتهي بالشيخوخة، فكل تفصيلة في اللوحة ترمز لشيء معين يريد الفنان إيصاله ».
** «صحيح.. وهذه الفئة كثيرة، لكني أخالفهم في ذلك. من خلال أربعين معرضا فرديا وخمسين معرضا جماعيا لاحظت انه حينما أشرح اللوحة وأفسرها أرى الناس يحبونها أكثر ويفصحون بأنها أصبحت أكثر جمالية، فالمشاهد العادي حينما يفهم اللوحة يصبح أكثر قربا من مدلولاتها وأكثر قربا من الرسالة التي أريد إيصالها له ولا اظن أن رسالتي الفنية ستصله ما لم تُفهم مدلولات لوحتي».
* ألا تقيدين بذلك خياله؟
** «لا أبدا.. هناك من يأتيني ويقول إنه فهم أكثر مما شرحته عن اللوحة، وهذا شيء جيد وأُحبذه، فحينما تحدثَ كلٌّ منّا عمّا فهمه من اللوحة أصبح بينا حوار فني وبالتالي أوصلت ما أريده من لوحتي».
** «من المستحيل أن أبدا بلوحة ولا أكملها.. لكن ربما احتفظ ببعض اللوحات ولا أعرضها أمام الناس لأنها ربما سطرت مرحلة معينة من حياتي الشخصية أو حالة نفسية مررت بها يوما ما..».
** «رسمتُ لوحتين للسماء متشابهتان تماما حتى في الألوان، في اللوحة الأولى تظهر لك السماء غاضبة وفي الثانية تراها ساكنة هادئة، وما غيّر مدلولات اللوحة هو حالتي النفسية حينما رسمتها».
**«معرضي الأول كان في "دمشق" في العام 1995م ولهذا المعرض أثر بالغ في مسيرتي الفنية فمنه لاقيت التشجيع المميز والتكريم الذي اعتز به، واستطعت بيع ستين لوحة فنية وهذا رقم مميز جدا وهو ما دفعني للاستمرار في مشواري الفني.
المعرض حتما ليس أمرا شخصيا بل هو نافذة للفنان يطلُّ من خلالها على جمهوره، وفيه يلتقي بالفنانين والنقّاد مما يكسبه خبرة أكثر، وأيضا يمنحه الاستمرارية واثبات الذات في الحياة الفنية ».
**«أي إنسان يقتني اللوحة الفنية في بيته يقتني هذه اللوحة لأنها لامست مشاعره وأحاسيسه، وهذا ليس تخمين بل أني أسأل من يشتري لوحة لماذا اختارها بالتحديد فتكون الإجابة إما أنها لامست جزئية من حياته أو تاريخه أو مشاعره وأحاسيسه، ومن خلال معارضي الفنية التقيت بالكثير من المثقفين الذين يقدرون فعلا أهمية الفن التشكيلي وهم لا يقيسونه بثمن مادي إطلاقا، وأنا أفتخر جدا عندما تقتنى لوحاتي من قبل هكذا أشخاص».
** «لا أبدا.. ترى المرأة تنزل إلى السوق لشراء الملابس بعشرات الآلاف ولا تفكر باقتناء لوحة فنية في منزلها، كما نلاحظ أنه في السنوات الأخيرة كان هناك عزوف كبير عن الفن، ونشاهد اهتمامات الناس بأشياء أخرى وهذا ما أدى إلى تراجع الفن بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فتلاحظ لوحة الفنان مازالت بنفس القيمة بعد عشرة سنوات من التطور والتقدم الفني».
** «في أول معرض لي في "دمشق" واجهت أول ناقد في حياتي وتناقشت مع عدد من كبار الفنانين فيما وجه إلي من نقد فاجمعوا على أن ما قاله هذا الناقد ليس نقدا.
نلاحظ العديد من النقّاد ينقدون أشياء لا تتوافق مع ميولهم الفنية، وبموازاة ذلك لدينا نقاد مشهود لهم كالفنان "سعد يكن"، والفنان "طاهر البني"، فعندما يقول الفنان "البني": "الفنانة سميرة بخاش تركت بصمة أنثوية في الساحة الفنية الحلبية.." فهذا بالتأكيد ليس مجاملة من فنان وناقد له خبرته المعروفة.
فالناقد الذي يدخل إلى المعرض وهو لا يعرف شيء عن تاريخ الفنان أو أسلوبه ومدرسته، فبرأيي لا يحق له نقد مايجهله».
* كلمة أخيرة...
** «حقيقةً أنا أعتز بكل ما في بلدي من صحافة وإعلام وكل من يهتم بالمبدع ويشجعه. وأنا أشكر بلادي التي تعطينا حقنا وإن كان معنويا، عندما قُدّمت إليّ شهادة تكريم من وزير الثقافة شعرت أنها اكبر جائزة احصل عليها..».
بقي أن نذكر أن الفنانة التشكيلية "سميرة بخّاش" من مواليد "حلب" درست الفن التشكيلي في صالة تشرين، ولوحاتها مقتناة في "سورية" و"لبنان" و"فرنسا"..