يعتبر الكاريكاتير من أصعب الفنون على الإطلاق لكونه فن صامت يعمل على نقد الواقع بكل تفاصيله ويساهم في طرح مشاكل مهمة بطريقة ساخرة، ناقداً فيها مفاصل الحياة الاجتماعية التي تدور رحاها في المجتمع عامة. ولمعرفة المزيد عن هذا الفن موقع eAleppo التقى الفنان "هاكوب دولمه جيان" وكان اللقاء التالي:
** حينما كنت صغيراً وقبل التحاقي بالأكاديمية كنت أقوم برسم التماثيل الموجودة أمامي ولكنني لا أكتفي برسمهم وإنما باضفاء الحيوية عليهم من خلال بث شعور الحركة فيها على الرغم من كونهم جامدين في الصورة، فكان كل من يراهم يقول هناك شبه فيما بينهم ولكنهم يختلفون في الحركة، وفي نفس الوقت كنت أراقب المجتمع عن كثب فنظراتي كانت تقوم بتلخيص لمجريات الأمور بصورة كاريكاتيرية.
وحين بلغت سن السادسة عشرة انتسبت إلى أكاديمية السريان للفنون الجميلة وتلقيت الفنون وعلومها، ثم بعد حين أتيحت لي الفرصة بالمشاركة في أول المعارض وكان مع مجموعة من الفنانين، وفيها عرض أولى أعمالي وتابعت حماسي حينما وجدت من الجمهور إقبالاً وتشجيعاً منه.
** نعم المأساة ضرورية فهي تعطيه الخطوة الأولى للانطلاق من أجل تشكيل فكرته والعمل على تنفيذها، وليس من الضروري أن يكون الكاريكاتير اختصاصياً في مجال السياسة أو النقد، يكفي أن يكون ذا موهبة صحيحة حتى يستطيع رصد الواقع بكل تفاصيله ومن ثم عكسه بطريقة صحيحة مع إيجاد الحلول المناسبة لها لأن الواقع الاجتماعي صفة ملازمة لحياة الإنسان وهنا ياتي دور الفنان لمراقبته والعمل على إصدار حلولاً لتلك العقبات، وعليه يقع عاتق تبسيط فكرته حتى يفهمها أقل الناس ثقافة، بما فيهم اللوحات الموجهة للأطفال فهي تستلزم جهداً مضاعفاً من التبسيط، بسبب محدودية مخزون الطفل من الكلمات على عكس الإنسان البالغ ذو الثقافة الواسعة، ولذا فإن عملية التبسيط تأتي من أجل تشكيل الصور والرسومات التي يدركها أصغر الأطفال سناً ومنها تلك التي تُشكل في كتب الأطفال، ومن خلالها أقوم بايصال الهدف إلى ذهن الطفل معتمداً على الألوان التي تجعل من الصورة أكثر جذباً للطفل.
** تنفيذ الفكرة من أبسط الأشياء في هذا المجال ولكن الصعوبة تكمن في البحث عن الفكرة المناسبة للواقع، ومن هنا يبدأ محور عملنا الرئيسي فأحياناً نبقى لأيام دون وروود أية فكرة عامة وأحياناً تأتي إلينا كالشرارة المطلقة، ثم نقوم بعكس الفكرة على الورق وإكسائها بالألوان وغير ذلك، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملنا يختلف عن باقي الفنون الأخرى وبالأخص الفن التجريدي الذي يمكّن الفنان من الانطلاق دون وجود فكرة مسبقة، وهذا ما أعطى الفنان الكاريكاتوري لقب الفنان المتكامل لأنه شكل العمل بكامله من عمليات التصوير والتصميم والإنتاج وبالتالي انطوى عمله على هندسة العمل بكامل تفاصيله، وهذا ما يقود إلى القول بأن آلية عمل هذا الفن مشابه تماماً لعلم النفس.
حينما نقوم بفحص الحالة وتحليلها ومن ثم وضع الحلول لها تتشابه بذلك مع علم النفس الذي يعمد إلى الغوص في الأعماق النفسية لتقويم الحالة وتحليلها وإيجاد حل لها، وهنا نجد تقاطع العناصر المشتركة فيما بينهم من خلال الفحص والتحليل وإيجاد الحلول لها لكلا الأمرين، ولكن ما يميز الكاريكاتير عن علم النفس لكونه يقدم حلاً صامتاً غير مباشر يستقر في اللاوعي عند الإنسان.
** إن الفنانين في مجال الكاريكاتير يتمتعون بنظرات ثاقبة دون الآخرين ليتمكنوا من خلالها رصد الواقع بتفاصيله الدقيقة وطرح الحلول لها وأحياناً ينتابني شعور بضرورة تغيير نمط وأسلوب عملي حينما أقرأ في وجوه الآخرين رفضهم لتلك الفكرة التي قدمتها لكي أتمكن في النهاية من الوصول إلى عقول الناس وبذلك قمت بايصال الإشارات التي أرغب بطرحها إلى عقلية المتفرج.
** يعتبر الكاريكاتير فن مشابه لجميع الفنون الأخرى باعتباره ينطلق من نقطة واحدة والتي تمثل بدوره نقطة ارتكاز للفنون الأخرى، إلا أنه يتميز عن الفن التشكيلي بكونه يعمل على إيجاد الفكرة والعمل على إخراجها، فالتشكيلي لا يستلزم ايجاد الفكرة وتهيئتها وخصوصاً في الفن الحديث، ويضاف إلى ذلك أن على الفنان الكاريكاتيري أن يجمع كل العناصر الموجودة في الفنانين الحقيقيين ويضيف إليه ثقافة الواقع بكل تفاصيله من اجل إضفاء صبغة الفكاهة على المواقف التي يتعرض إليها.
** هو بعيد عن متناول الكثير من الفنانين، بسبب صعوبة الحصول على الفكرة وتحليلها ثم اغنائها بالأفكار المطلوبة وبالتالي يتعذر عليهم طرح الحل المناسب لها، ولهذا نرى قلة من يهتمون بهذا الفن، ومع العلم أن له دور كبير في التأثير غير المباشر على الناس من خلال ايصال معلومة معينة إلى اللاوعي في عقل الإنسان وتخزينها في الذاكرة ليتمكن من استرجاعها عند الحاجة دون أن يكون له القصد في ذلك، وخصوصاً إن كان يرافقها بضع كلمات فسوف تصبح أكثر تأثيراً عما كانت عليه من قبل.
** الطابع الاجتماعي هو الذي يغلب على معظم لوحاتي لكونه أصبح ملازماً لحياة الإنسان بشكل يومي بسبب معايشته للظروف الاجتماعية المحيطة به، أما في المجالات السياسية والاقتصادية فبإمكان أي شخص أن ينقطع عنها وبالتالي لا يصل تأثير تلك اللوحات إليه، وبما أن الكاريكاتير له صبغة خاصة فإنه يستلزم من الفنان مواصفات معينة تدخل في نطاق الموهبة والخبرة والنظر إلى الأمور بشكل ثاقب ناهيك عن امكانية ايجاد مواقف هزلية في المواقف الصعبة، وعلى سبيل المثال يمكن ايجاد فكاهة من موقف أليم، فحادث السيارة مفجع لجميع الناس ولكن الفنان المتمكن يستطيع ايجاد فكاهة في ذلك، من خلال اظهار الحفر وسرعة السائقين بطريقة ساخرة عفوية ناقدة من أجل الحد من هذه الأخطاء على الرغم من جلل الموقف ذاته.
ولكن أريد أن أوضح نظرية معينة فلا ننسى دور الثقافة في هذا المجال فإنه يأتي لصقل الأفكار والمواهب عند الفنان، فمن غيرها يمكن أن نطلق تسمية فنان مهني وليس أكاديمياً، هناك العديد من الفنانين يرسمون على الخشب، وهذه أصبحت حرفة وزخرفة ولا يوجد فيها أي نوع من الإبداع في ذلك، لأن الفنان المبدع يجب أن يكون لديه طرح للبعد الإنساني وهذا لا يأتي إلا من خلال الثقافة فهل نعتبر أعمال الأطفال الموهوبين فن بحد ذاته؟ برأيي لا لأنهم يقدمون نتاجاً دون وعي، والفنان المبدع يعطي نتاجاً فنياً من خلال بنائه على الماضي والانطلاق نحو المستقبل، كل لوحاتي كنت أحضر لها بشكل مسبق, وتشكيل الفكرة هي محور العمل لأنها تأخذ وقتاً أكثر من تنفيذ الفكرة، وأحياناً أقوم بتنفيذ ثلاث لوحات في يوم واحد وهذا عائد بسبب توافر الفكرة مسبقاً.
** ففي عام /1998/ كانت مشاركتي في أول معرض لي بشكل فردي ثم تلا ذلك مجموعة من المعارض الجماعية وبين بالقول: «أقمت معرض شخصي عرضت فيه لوحاتي ولوحات زوجتي، وأيضاً في عام /2009/ كان لي معرض آخر، ومهرجان الفن الشامل ذلك المعرض الأخير ففيه قدمت أعمالي من لوحات كاريكاتورية، التي ارتبطت بحياة الناس، وهذا ما نجده عند قراء الصحف حينما يقومون بالبحث عن الصور الكاريكاتورية أثناء تصفحهم للجرائد والمجلات، فنلاحظ في بعض المواقع الإلكترونية قد خصصت زوايا لهذا الفن ما يعطينا القدرة إلى القول بان هذا الفن أصبح مشابهاً لعمليات البحث عن الخبز والماء ناهيك عن كونه جزءاً وثيقاً لإحدى صفحات تلك الجريدة.
* الكاركاتير إلى أين؟
** يتميز الفن الفكاهي بالانتشار اللامحدود عالمياً وألحظ بأن هناك اهتمام عالمي بشكل متصاعد وغير مسبوق من خلال إقامة المهرجانات وتوزيع الجوائز على المشاركين وهذا دليل كافي على أهمية بروز هذا الفن على الحياة بساحاتها المختلفة، ولكن الفن عندنا يعاني من بطء شديد بسبب ضعف التدريس الأكاديمي الموجود عندنا وهذا عائد بسبب حداثة هذا الفن في تعاليمنا بحوالي عشرين سنة، ناهيك عن الحاجة الماسة لتطوير الأساليب التدريسية.
يجب على كل فنان أن يقوم بتطوير ذاته من خلال الجهد الذي يبذله وعندها سوف يحقق النجاح والتقدم فيما اختار لنفسه عنواناً للمضي فيه، لأن فن الكاريكاتير ليس ذو تصنيف واحد ولكنه يمتد إلى القصص القصيرة والقصص الفكاهية والرسوم المتحركة وهذا الجانب ضعيف جداً وفيه تقصير وبشكل كبير لأننا مازلنا نستورد الرسوم المتحركة من الخارج.
يذكر أن الفنان هاكوب ولد في عام /1963/ ودرس بكلية الهندسة الإلكترونية في جامعة حلب من عام /1982/ حتى /1987/ ثم حصل على الدراسات العليا في مجال الاتصالات في عام /1996/. درس في اكاديمية السريان للفنون الجميلة بحلب من عام 1980 ـ 1984. أول معرض له بشكل فردي عام /1988/ بصالة المتحف الوطني بحلب وقدم نشاطات فنية توثيقية لقصص الأطفال المصورة وله اعمال عديدة في كتب الأطفال ورسوم داخلية ومجموعة من الكتب.