النحت هو ذلك الفن الذي يجعل من صمت الجماد صوتاً يسمعه أبسط الناس ثقافة، وبه تنتقل رسالة الفنان إلى العالم الذي لايحده أية قيود، تلك الرسالة التي أصرت أن تخاطب العقول ومنها لتنتقل إلى القلوب. موقع eAleppo رصد ترحال الفنان والنحات "يحيى كعكة" وأظهر جانباً من فنه في اللقاء التالي:
** النحت هو أحد الفنون الجميلة المتعارف عليها دولياً، والنحات هو رسام ولكنه يختلف بفنه عن الرسم بالطريقة التكوينية بإسقاط عليه بعد ثالث من خلال مزاجية معينة ومكان وتوقيت معينين. النحّات هو فنان بالأصل ويتمتع بالقوة العضلية وبمزاجية ونظرة رياضية معينة ليتمكن من التفاعل مع الكتلة سواء أكانت خشبية، صخرية أم نحاسية لكي يتم تحويلها إلى قطعة فنية تعبر عن فكرة معينة لاحت في خياله.
** سأبدأ بالشق الأخير من سؤالك، فقد تأثرت بـ"بيكاسو" ذلك الفنان الذي أعجبني، ومن خلال فكرة طريفة ومأساوية ظهرت تلك الميول، حينما كنت صغيراً أحببت ركوب الدراجة الهوائية وكان منزلي يطل على بستان وعندما أصل إلى البيت بالدراجة كان يرتسم أمام الفسحة خطوطاً ترابية مما علق من عجلاتها ويصبح المشهد عبارة عن خطوط متساوية وأخرى متداخلة، وفي المدرسة الإبتدائية فكان لنا في حصة الرسم كمية من المعجون لتشكيل مجسمات، وكنت لا أكتفي بالكمية المخصصة لي من قبل الأستاذ فأضطر إلى الإستعانة من حصة زملائي لأكمل ذلك المجسم الذي بدأت فيه.
** فلسفتي في الحياة ومعاناتي وتجربتي وفني الخاص وحريتي أضعها في العمل لأُخرج فكرة فلسفية للعالم ومنها أقوم بمخاطبته فرسالتي لكل زمان ومكان رسالة المحبة والسلام ومنها تنطلق إلى العالم بكامل أجزاءه فالفن له أبواب ولكنه مفتوح على العالم.
** حينما أحدد مادة الطين لعمل المادة أكوّن الفكرة الإنسانية وأقوم بتحويلها إلى قالب وقد تكون من مادة المعدن الصب أو الإسمنت أو الجص وهناك قالب شبيه بمادة الميلامين أو البلاستيك ويسمى ـ ريزين ـ وهناك النحاس أو البرونز ومن خلالها أظهر الإنسانية لكونها رسالة سامية لاتحدها أية حدود والمآساة الإنسانية تتمثل حينما تفقد كل شيء وتعاني من كل شيء وتتمنى كل شيء.
** حينما يحط ترحالي في منطقة معينة وبأي مدينة فإنني أقوم بعمل فني تاريخي توثيقي ففي عام /2007/ كانت لي رحلة حول سورية، وأثناء توقفي في كل مكان أقوم بعمل لوحة وأتركها في نفس المكان والتقط صورة ومن ثم أغادر المكان فتبقى اللوحة في مكانها وبذلك وثقت مكان الوقوف بلوحة فنية وقد بلغت لوحاتي آنذاك 25-30 لوحة وهذا مايدعى بالفن الترحالي، وقد قال أكثر الصحفيين والمؤرخين وجد فنّان ولم يجد رحالة ووجد رحالة ولم يجد فنان وهذا مما يدفعنا إلى القول بأن معادلة العمل = الفن + الرياضة.
** الجانب الاقتصادي والمصالح المشتركة هي السبب في ذلك لأن الحياة الإجتماعية إن وجدت، وجدت الإنسانية ولكن العولمة دمرتها ومن الذي لايتأقلم مع العولمة بطريقة ذكية فإنه سوف ينتهي والحالة الإقتصادية هي التي جعلت من الفنان أداة من أجل العيش.
** نشاطي يبدأ من السادسة صباحاً وحتى الثامنة مساءاً أمضي بها لتشكيل لوحاتي، والنحت باعتباره من الفنون الجميلة لذا فهو أقوى من الفن المسرحي أو السينمائي لأنه فن عالمي فمن خلاله أوجه فكرة معينة وأعكسها بالألوان لتغدو بالنهاية قيمة تظهر فيها سعادة الإنسان أو بؤسه.
** لقد جمعت بين العمل والفن لكي أستطيع الإستمرار بفني لأنني من أسرة لا أستطيع البقاء بدون عمل، لذا فإنني أقوى من الإختصاصين أنفسهم لأنني لا انتظر أن تُشترى أعمالي، فالعمل هو الذي يمدني ويمد فني وهو مقدس وعنوان أساسي لحياتي ولو كنت قد اتجهت للتخصص فلم أستطيع النجاح كما هو الحال الآن.
** إن الحرية التي قصدتها في أعمالي تمحورت حول الطفولة العالمية منتقداًَ بها القمع العالمي الذي نراه اليوم وقد مثلتها بشعار وهو عبارة عن درّاجة هوائية تقودها شمعة تحترق لتضيء الدرب متوجهة بذلك إلى العالم بأسره ومنها أيضاً عكست قضية المراة من خلال تحررها وتطورها قاصداً من ورائها تلك الحرية ولكنها بحدود.
** حينما قصدت من رسالة المحبة والسلام في مهد الحضارة الإنسانية قديماً وحديثاً إنما أردت أن تكون رسالة العرب بأسره، فالغرب حينما ينوون بالحج يأتون إلى الشرق الأوسط وحينما يقومون بالدراسات والأبحاث فإننا نراهم على أبوابنا.
** عمدت إلى هذا حينما رأيت على شاشة التلفاز مشهداً حيث منع الجنود الصهاينة من الفلسطينين السماح لهم بالصلاة فقمت وجسدت ذلك المقطع وهو عبارة عن وجه لإنسان قد ثقب في عينه سلك وخرج من فمه ولكنني جعلت شموخ هذا الوجه عالي من خلال تضخيم لشكل الأنف ورفع الرأس.
** الفنان الأكاديمي لايمكنه أن يصبح أستاذ للفن الموهوب والعكس صحيح لأن الإنسان المتعلم لايملك من الفن إلا كرتونة وليس شهادة فمعنى الشهادة أن يشهد الناس على عملك وقيمة الفن تقاس بالعمل وليس بالعلم ناهيك عن كون الأكاديمي عمله محدود في نهاية الأمر، ومهما حصل على الشهادات وهي فقط قد دونت اسمه عليها.
** إنه يشترك من خلال عدة عناصر ومنها أمور تقنية فحينما يكسر قسم من قالب النحت فإنه يستوجب علينا ترميمه وإصلاحه فهنا تتمثل التقنية بذاتها، ومن جانب آخر هناك مقاييس عالمية في توزيع عناصر الشكل الجمالي للوجه، فمثلاً حينما يتم وضع العينين في مكانهما الصحيح يجب أن تكون المسافة بينهما بحجم العين حتى يحققوا تمركزهما في الوجه والمسافة بين الجبين والأنف أن يكون الأنف مساوي للجبين والمسافة بين الأنف والذقن لازم تساوي الأنف أو الجبين وبالإضافة أن يكون الوجه مقسم من البداية إلى ثلاثة أقسام بشكل طولي ويختلف فيما إذا كان الوجه طولياً أو دائرياً.
** منذ الصغر فكرت بالدراجة التي سوف تأخذني إلى مكان ما وبسبب مشاهدتي لأفلام الترحال بدأت بزيارة قلعة حلب ومن ثم انتقلت إلى زيارة الأوابد التاريخية مثل تدمر وبصرى الشام وشهبا ومعلولا، وبعدها قررت بأن تكون تركيا محط أنظارٍ لترحالي، وفي اسطنبول لا أنسى تلك اللحظات حين فقدت المال وانقطعت الحياة عني حين فقدت أدوات الرسم والنحت فما علي إلا أن التجأت للطبيعة لأستمر في رحلتي من طعام ومأوى، وكان السياح قد أمدوني بالمال من خلال شراء اللوحات التي عملتها جسدت فيها جمال الأرض آنذاك.
** الفن باق ببقاء الفنانين ومهما كان الغرب متقدماً إلا أننا نملك إمكانيات وعقول كبيرة رغم الإمكانيات المتواضعة بالمقارنة مع الغرب فلا يمكننا أن نقارن شارع عربي بشارع في بلد أوربي متطور ولكننا أن أتيحت لنا الفرصة سوف نجتاز العالم في ذلك، وسوف أروي لك قصة شخصية تبين لك أن العربي لايمكن أن يقف عند حدود معينة ولو تقطعت به السبل، حينما كنت في اسطنبول نفذت الألوان عندي ونقصت المعدات أيضاً فاستطعت أن أجلب كرتونة للرسم ولكنني استخدمت زفت الطرقات بدلاً من الألوان ومنها خرجت لوحة فنية قد أعجب بها الناس من حولي.
يذكر أن الفنان من مواليد حلب /1963/ يعمل كفني وتقني في مجال الشبكات والمعلوماتية في كلية الآداب وهو من أحد مؤسسي مخبر تقنيات التعليم وهو خريج معهد الفنون التشكيلية وقد انطلق على دراجته الهوائية من حلب إلى الجولان ومن ثم إلى تركيا حاملاً معه رسالة المحبة والسلام له العديد من المعارض الجماعية في جامعة حلب وفي اتحاد الفنانين التشكيلين ومعرض فردي في المركز الثقافي التركي.