يرسم الفنّان الرؤى المستقبلية بروعة وصفاء فيبدع بما يحلم به الإنسان وأبهى ما يتطلع إليه المجتمع عاكساً بذلك مكنونات ما يشعر به من أحاسيس قد تكونت خلال تجربته الاجتماعية معبراً عن الحالة التي مر بها.
الفنان "محمود الساجر" الذي انتسب إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق عام /1978/، وقد عمل بعد تخرجه فيها بالمركز الثقافي الروسي بقسم المونتاج، وفي عام 1979 أكمل تحصيله العلمي في "الاتحاد السوفيتي" بالمعهد العالي للفنون الجميلةـ "سوريكوف"ـ في قسم الديكور المسرحي والتصوير الزيتي لمدة ست سنوات حصل خلالها على الدبلوم والماجستير.
موقع eAleppo التقى الفنان "الساجر" وكان الحوار التالي:
** من بداية عصر النهضة الكلاسيكي كانت هناك سمة- ظاهرة- عامة يميل المتلقي إليها، فقديماً كان الاهتمام بالواقع بشكل كبير ومن بين المعلمين من يقول إن الواقعية توصلك إلى التجريد ومن بينهم أولئك الذين يبذلون جهدا على أنفسهم، ومنهم "فاتح المدرس" حينما اختزل العمل الواقعي، وأيضاً هناك الفنان "بيكاسوا" حينما عمل لوحات واقعية واختزلها، ومن الخطأ أن يمشي الفنان على خطا واحدة لأن اللوحة المعاصرة تحتمل على العديد من المدارس الفنية.
** إن الواقعية في أعمالي تتغير مع الزمن وهذا عائد لعدة عوامل وبالإضافة للدراسة الأكاديمية تضاف إليها مزاجية الفنان نفسه فأحياناً بضربة ريشة يعجب العمل الفنان وأحياناً في اليوم التالي يضطر إلى اختزال اللوحة لرؤيته عناصر إضافية غير ضرورية وطبعاً هذا يأتي مع الخبرة فبعض الفنانين اتجهوا إلى فن الطفل من أجل الاختزال والتبسيط وأحياناً يتوقف الفنان فلا يستطيع إكمال لوحته، وهذا ما عمد إليه الفنان "فاتح المدرس" حينما حطم المألوف وعمل بمنطق الإحساس الذي يشعر به كل فنان باتجاه الصورة التي يراها، ومنهم الفنان الإيطالي "مادلياني" حينما أقدم على اللعب بنسب الصورة ولكنه اخرج شيئاً جميلاً، وقد نجح في ذلك بسبب الرؤية الداخلية التي عمل على إظهارها.
** إن أي عمل في الحياة سواء أكان أدباً، سينما، مسرحاً، يجب الاطلاع عليه وتأتي أهميته من خلال البصمة التي يضيفها الفنان على أعماله، ويمكن أن نشبه الفن كاللبنة التي توضع فوق اللبنة الأخرى وبالتالي نحصل على الشيء المراد تحقيقه فتجارب الفن لا تلغي تجارب فنون أخرى وعلى العكس تماماً فإنها تضيف خصوصية معينة لأعماله، ولكن كثرة الأفكار في لوحة واحدة تؤدي إلى اكتظاظ اللوحة بالأفكار وبالتالي تفقد البساطة التي تسعى إليها، وحالياً الواقعية رجعت إلى الساحة وبالشكل الجديد من خلال الواقعية الأمريكية والتي تفرض الدهشة حينما تذهل أمام العمل الذي قام به الفنان.
** في الأول كان لابدّ من التعليم الأولي وهو ضروري وأحياناً يكون أفضل من العمل نفسه، ولكن وبسبب إيقاع العصر السريع لا يمكن أن تقوم بتحضير اللوحة لعدد من المرات، أحياناً تدهن الخلفية بمادة- مت- وهو نوع من الدهان ودون عمل تأسيس للوحة ومن ثم تعمل ضربتين أو ثلاثة بالريشة فتعطيك إحساسا بذلك، ولكن يبقى التحضير ضروري جداً في بعض الأحيان، من خلال مد خامات فوق الأرضية لتحديد النوع المطلوب لعمل تأسيس الأرضية، و أحياناً أبدأ باللون بدون التحضير لذلك، وفي بعض المرات أقوم بطلس اللوحة تماماً، ولا يمكن أن يصل الرسام إلى النهاية في لوحته فمهما بذل من جهد تبقى ناقصة وإن كانت في اليوم التالي، وحتى لوحة "الموناليزا" يقول بعضهم ممكن أن يكون هناك تكملة للعمل، وهذا هو طبيعة العمل الفني عمل بلا حدود ودون حدود، لأنه وبشكل عام يخضع لتقلبات الفنان نفسه من مزاجية وتطور وطموح، لأن بداية الفنان يكون هاويا ومن ثم يصبح رساما حتى يتحول إلى مبدع، والفن بشكل عام ليس هو الأكاديمي وليس من يخضع لدورات وتخرج ولكن هو الذي يجمع الاثنين معاً.
** هذا إن كان في مجال العلوم الأخرى لأن العلم بطبيعته يحتاج دائماً للاكتشافات وأما الفن فلا يمكن لأنه هناك مدارس ينبغي على الفنان أن ينوع بينها أو يختزلها ولكن لا يخرج عنها، والآن رجعوا إلى الواقعية الكلاسيكية القريبة من التصوير ويمكن أن نشبه الفن- كالموضة- تغيب مدرسة وتحضر مدرسة وهكذا.
** هذا يعود إلى توقف الفنان عند حد معين في اللوحة وليس بقرار من ذاته لأنه يصل إلى درجة فيتوقف العمل عنده ولا يستطيع إكماله فتأتي الاستعانة بالمدرسة الثانية نوعاً من تقديم المساعدة له.
** أغلب لوحاتي كانت من الفن التعبيري وهذا هو الجانب الداخلي للإنسان، وقد اخترتها من الواقع الذي أعيش فيه وهو الذي فرض علي موضوعا معينا لأن الفنان والواقع جزآن متلازمان، فالفنان يخرج من الواقع أحياناً ولكنه في النهاية يعود إليه بما يحمل من سلبيات وايجابيات، ومهما قام الفنان بنقد الواقع لكنه يبقى ضمن حدود معينة وبشكل غير مباشر لا يستطيع أن يخرج منها لأن الفن ليس ملصقا سياسيا على عكس الفن الكاريكاتيري والذي يمكنه نقد الواقع بالطريقة التي يعجبه فيها.
** إن المعارض الجماعية مهمة لأي فنان فمن خلالها يطلع فيها على أعمال غيره ولأن التجارب تغني الفنان بالثقافة العملية، وأن أي حضارة هي مزيج من الحضارات الأخرى فتعطيه حافزاً ودفعاً إلى الأمام لعرض لوحاته في المرة المقبلة.
يذكر أن "محمود الساجر" من مواليد "حلب" من عام /1955/، أقام خمسة معارض فردية، وتتسم أعماله بالتعبيرية والتي تجنح باتجاه التجريد.