لم تكن بيئته المحلية من صحراء ورمل وقباب طينية مجرد مكان عاش سنين طفولته الأولى، بل بقيت ترافقه في تحركاته لتشكل مصدر إلهام وإحساس "ابراهيم حسون" بحرية وعفوية مطلقة في الفن التشكيلي. فالأشكال عنده لا حدود لها، بل إنها مفتوحة على بعضها بعضاً تاركة الحرية المطلقة لحساسية الخط كي تعوض البناء العقلي في صناعة اللوحة.

هذا أقل ما يمكن ذكره عن فنان لامست رسوماته معظم الأعمار، حتى وصلة مرحلة التعليم الأساسي الذي ساهم في وضع رسوم لصفوفها لمادة اللغة العربية وغيرها.

eAleppo التقى الفنان "ابراهيم حسون" ليحدثنا عن تجربته الفنية التي شغفت الرسامين الأجانب بروعة تمثيله لبيئته المحلية.

  • بداية ماذا أضافت تجربتك مع مرحلة التعليم الأساسي لعملك الفني؟
  • ** تجربتي مع المناهج المدرسية تختلف اختلافاً شاسعاً، لأن الرسومات المدرسية تحتاج لتوضيح وتكون أقرب إلى عالم الطفل بحيث يستفيد منها كمعلومه، بينما عندما أرسم لمعرض أو لذاتي فلا اعتمد ذلك الوضوح بل أرمز إليه.

  • نلاحظ ابتعادك عن المنطق والعقل في تجسيد لوحاتك، ما سر ذلك؟
  • ** أقترب في لوحاتي من روح "السكيتش" مبتعداً عن أهمية المنطق والعقل الذي يربط الأشياء بقالب ثابت هذا فقط عندما أرسم لذاتي ولمعارضي الخاصة، لكن تجربتي مع الأدب من خلال تصميم رسومات مادة اللغة العربية تختلف لكوننا لا يمكن اعتماد لغة الإشارة عندما يكون العمل أدبياً، فكيف يمكن لفت انتباه طالب في الصف الثالث الابتدائي إلى الحرية من دون رسم شيء يوضحها من يدين وعصفور الخ، بحيث تكون رديفة للكلمة.

  • لماذا لا يتمكن العامة من الناس والأطفال وغيرهم من شرائح المجتمع من فهم ما يرمز إليه الفنان التشكيلي في لوحاته؟
  • ** إن الصعوبة في عدم فهم البعض من العامية والأطفال للوحة ما أو لرسومات معينة مهما بلغت درجة الوضوح، يعود إلى الافتقار إلى الثقافة البصرية. فالفن التشكيلي له ثقافته البصرية الخاصة، ونحن نعاني من ضعف تلك الثقافة لكوننا لم نركز سابقاً على التمحص والتأمل فيما نراه، غير أن المناهج الجديدة ورسوماتها المتوضعة بداخلها أدركت هذا الخطأ وبدأت تتلاشاه.

  • هل برأيك ذلك السبب جعل التركيز في مناهج التعليم الجديدة بصب الاهتمام على الصورة؟
  • ** بنظرة قليلة إلى مناهج المرحلة الابتدائية نلحظ مدى التركيز على أهمية الصورة والكلمة معاً لكونهما يشكلان العنصر الرئيسي في ترسيخ الفكرة في ذهن الطفل، وهذا ما طلب منا أثناء تنفيذ الرسومات من أجل أن تشبع رغبة الطفل وتحثه على اكتشاف ما حوله مبتدئاً باللون والصورة وهكذا دواليك.

  • ما الأساس الذي تعتمده في تجربتك الخاصة التي تميزك من غيرك من أبناء جيلك؟
  • ** أحاول أن أترك متعتي في نثر أحاسيسي تجاه الأشكال المبعثرة دون الالتزام بضرورة القوانين التي تقيدني بالخضوع لها. فالخط والشكل المختزل هما قوام لوحاتي التي أحملها بعاطفة وأحاسيس عالية معتمداً على انفعال واضح لا يرتكز أبداً على البناء العقلي. أحاول في لوحاتي أن ارتبط ارتباطاً كلياً بالحرية والعفوية وملامسة الشكل دون التركيز على ماهية الخط واللمسة، فالمساحة مفتوحة بحيث يمكن للذائق أن يمارس الحب بجنون من خلال الرؤية البصرية.

  • هل تثيرك أشياء محددة تلهمك على إنتاج فن مبدع؟
  • ** لا يوجد شيء محدد لكن أعبر عما أراه من جماليات بلمستي وطريقتي الخاصة، إذ أحمل اللون والخط والتكوين وطريقة الأداء هي الطاقة التعبيرية التي أريدها.

  • نلاحظ أن لديك معالجة خاصة نابعة من تجربة شخصية لبيئتك المحلية؟
  • ** كان لتناول البيئة الريفية التي عشت بها الدور الكبير في لفت أنظار الغرب للوحاتي ومعارضي، إذ إنها تمتلئ بالرموز والأشجار والتلال والأرض المتصحرة ذات اللون الأصفر، لا يمكن للفنان أن يقدم نفسه بشكل صحيح إلا من خلال البيئة التي عاش بها لكونه أصدق شخص يعبر عنها.

  • نلاحظ أنك لا تتقيد بمعايير الجمال في لوحاتك، بل تهوى الأشكال المتبعثرة؟
  • ** الشكل الخارجي ضروري لدى فئة كبيرة من العامية، إلا أن الأمر لدى الفنان التشكيلي يختلف، فالجمال ليس من شروطه أن يكون باهرا وذا معنى، فزقزقة العصافير جميلة لكن لا نراها بل نتفاعل معها. بينما الأدب يحتاج لجمال الكلمة والنص والصورة، بيد أن النص البصري له تجربة في علاقة اللون ودراسة الشكل بطريقة يصيغها الفنان برؤيته الجماليه، ومن يريد أن يستمتع بهذه اللعبه يجب أن يفهم ثقافة الفن التشكيلي من خلال زيارة المعارض والندوات وقراءة المزيد عن هذا الفن.

    من الجدير الذكر أن الفنان "ابراهيم حسون" من مواليد مدينة "حلب" السورية، سبق أن درس في جامعة حلب في قسم الفنون الجميلة. يدرّس حالياً في معهد إعداد المدرسين- قسم الرسم، إضافة إلى مركز الفنون التشكيلية في مدينة حلب السورية. أقام العديد من المعارض في دول الخليج وإسبانيا وفرنسا وحالياً يستعد لإقامة معرضين أحدهما الشهر القادم في إسبانيا، ومن ثم دمشق فحلب. يعتبر الفنان حسون واحدا من أبرز الفنانين الحلبيين على الساحة التشيكيلة. حيث يصب جل اهتمامه على ضرورة تمكن الذائق مهما بلغ عمره من قراءة ذاتية لما بين الألوان.