بدأ برسم وجوه أصحابه وأقربائه وهو صغير حيث ملك فطرياً محبة الرسم ومع الزمن تطورت تجربته الفنية بنتيجة الخبرة والدراسة الفنية ليصبح اليوم صاحب أهم تجربة فنية في "حلب" وعموم سورية هي تجربة الحروفية التي توضحت معالمها في معرضه "أقانيم حروفية من القرآن" في العام 2009، إنه الفنان والناقد التشكيلي "محمود مكي".
موقع eAleppo التقى "مكي" في منزله:
** بداياتي الفنية كانت منذ أن كنت تلميذاً في المرحلة الابتدائية حيث أحسست بحبي للرسم وحينها بدأت برسم صور أصدقائي وزملائي وأقربائي بواسطة قلم الرصاص والفحم وكانت عبارة عن رسومات واقعية، وفي المرحلة الإعدادية بدأت بتعلم استخدام الألوان على أيدي أساتذة الفنون، وفي المرحلة الثانوية بدأت استعمل الألوان الزيتية وأشارك في المعارض الفنية وأول معرض شاركت فيه كان في العام 1974 بعمل فني اسمه /ثورة آذار/ مع فنانين سوريين كبار مثل "فاتح المدرس" و"لؤي كيالي" وغيرهما وقد كان عملاً جيداً اُستخدم حينها كغلاف لمجلة "الجندي العربي".
بعدها التحقت بمركز "فتحي محمد" للفنون التشكيلية بحلب لدراسة الفن تخرجت في العام 1972 وخلال دراستي فيه شاركت بعدد من المعارض الجماعية في مختلف المحافظات السورية، وأول معرض فردي لي كان في العام 1979 في صالة المتحف الوطني بحلب.
** نعم في ذلك المعرض توجهت تجربتي الفنية إلى عملية تحليل الألوان وتجريدها من أشكالها الواقعية بمساحات لونية محددة بحسب الشكل المرسوم مع تمييز تلك المساحات عن المساحات المجاورة لها بخطوط سوداء وهي تجربة قريبة من التنقيطية، فمثلاً كنت أرسم الزهرة ومن ثم كنت أقوم بتحليل ألوانها إلى عدة مساحات لونية وأقوم بتمييزها عن المساحات المجاورة لها من خلال رسم الخط الأسود وقد نالت تلك التجربة في حينها إعجاب النقاد والصحفيين الذين كتبوا عنها باعتبارها تجربة جديدة وكانت بداية توجهي إلى التجريد حيث قدمت بتلك التجربة العديد الأعمال والمعارض الفنية.
** بتاريخ 1/6/2009 قدمت هذه التجربة بحوالي 50 عملاً في معرض أقمته في "صالة الأسد للفنون الجميلة" تحت عنوان /أقانيم حروفية من القرآن/ وقد جاء المعرض بعد قطيعتي للرسم دامت ثلاثين سنة، لقد حاولت في هذه التجربة العمل على تقديم لوحة عربية خاصة بعيدة عن المدارس الفنية المستوردة من الخارج وخاصة الغرب، ولكي تكون لوحة فنية مستمدة من تراثنا وتاريخنا وأصولنا وقيمنا العربية وبعد ثلاثين سنة من البحث والعمل استطعت أن أمزج بين الرقش العربي والفسيفساء والزخرفة في عمل فني واحد استعملت فيها الحرف العربي الذي أصبح أساساً للوحة.
لقد تناولت الحروفية في لوحاتي بفكر جديد وتقنية خاصة تجمع ما بين التشكيلات الحروفية والقيم الجمالية والقيم الصوفية متخذاً من أساليب الفن العربي المزخرفة والمنمنمة والرقش والفسيفساء أسلوباً معاصراً للتعبير عن رؤيتي الخاصة لمفاهيم الفن المعاصر لأقدّم تلك الحركة الدؤوبة في بناء اللوحة الخالصة من الأساليب المستوردة.
** لقد وجدت في كلمات القرآن الكريم مضامين روحية تستمد قوتها الفكرية والتشكيلية والجمالية من قدسية هذه الكلمات وبذلك تلبي رؤيتي الفنية والفكرية الخاصة وقد حاولت الاستفادة من الفنون العربية في بناء لوحاتي وجعلت الكلمات جوهر اللوحة ومركزها ضمن حركة ديناميكية مستمرة لا تستقر فيها العين عند نقطة محددة وضمن مساحات لونية موزعة بشكل هارموني وتلقائي معتمداً على التموجات اللونية العفوية تتداخل فيما بينها لتصنع القيم الجمالية والروحية التي تعبر عن فكرة اللوحة.
** أنا أقوم بكتابة الكلمات وأبحث عن أشكالها الفنية التي تخدم الفن التشكيلي وليس طريقة كتابتها بحسب قواعد الفن التطبيقي، وقد وجدت أن إمكانيات الحروف العربية في الفن التشكيلي كبيرة جداً وتوجد فيها آفاق واسعة تلبي متطلبات الفنان تماماً في هذا المجال ووجدت أيضاً أنّ الحرف العربي مطواع للفنان على الرغم من قواعده التقليدية الصارمة.
** العطاء الفني كبير وغني وخاصة من قبل جيل الشباب الذين يلقون تشجيعاً كبيراً من الدولة من خلال فتح آفاق جديدة لهم باقتناء أعمالهم وعرض لوحاتهم سواء في داخل القطر أو خارجه ضمن اتفاقيات ثقافية وبالتالي أصبح لنا فنانون عالميون لهم حضور في الساحة التشكيلية العالمية، كما أصبح لدينا كتاب في الفن التشكيلي وأصبحنا نرى النقد التشكيلي حول هذه المعارض ما زاد من ثقافة الناس بالفن التشكيلي وبالفنانين وهذا ساعد على اقتناء أعمالهم الفنية والتعرف على تجاربهم الغنية.
** الحركة النقدية الفنية بدأت مع الفنان "غالب سالم" الذي يعتبر أول ناقد فني في سورية وقد قدم في الستينيات من القرن الماضي كتابه المعروف /الموجز في تاريخ الفنون/ وقد تميزت كتاباته بالموضوعية والعلمية، وبعده جاء "سالم قطاية" ومن ثم "أسعد المدرس" و"لؤي كيالي" و"إسماعيل حسني" كما بدأ بعض الكتاب بالكتابة عن تجارب الفنانين ومعارضهم مثل "وليد إخلاصي".
ومنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي ظهر نقاد يكتبون عن الفن بشكل خاص مثل "عمر مهملات" و"صفوان عكي" و"صفوان الجندي" و"إبراهيم داوود" و"هناء طيبي" وأنا، وبالتالي أصبح النقد في "حلب" يأخذ دوره الكبير في رفد الحركة التشكيلية الحلبية والسورية بدم جديد يساعد الفنان على تطوير تجربته نحو الأفضل كما يساعد المتلقي على قراءة اللوحة بأساليبها جميعاً وبدأ رواد الفن ومشاهدوه يزدادون وأصبح للفن مكانة مرموقة لدى أهل "حلب" الذين راحوا يقتنون اللوحات ويتفاخرون بذلك وبالتالي أصبح للفنان قيمة بين أبناء مجتمعه وعصره بعيداً عن النظرة القديمة التي كانت ترى في الفن مهنة منحطة.
يُذكر أنّ الفنان والناقد التشكيلي "محمود مكي" هو من مواليد "حلب" في العام 1950 درس العلوم الفيزيائية والكيميائية بجامعة "حلب" وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية واتحاد الفنانين التشكيليين العرب، شارك بمعظم معارض نقابة الفنون الجميلة والمعارض السنوية التي تقيمها وزارة الثقافة، درّس التربية الفنية في مدارس "حلب" بين 1972 -1975، وحاز في العام 1974 جائزة معرض /ربيع الجامعة/ له العديد من الكتب في مجال الفن وفي مجال اختصاصه الدراسي.