لم تتقن الرسم إلا وهي في ريعان شبابها، وعلى الرغم من دخولها كلية الهندسة المدنية إلا أن ريشتها الأنثوية قد خطت لها طريقاً رسمت من خلاله أفق وملامح الفضول الذي بدأته حينما رسمت على ورق مذكراتها صورا لعائلتها، "رانيا كرباج" فنانة شقت الأكاديمية عنواناً لطريقها الفني، ولدى محاورتها لـموقع eAleppo كان لقاءها كالآتي.

  • موهبتك الفنية كانت عبارة عن صورة رسمتها على الورق كيف كانت تلك اللحظة؟

    • نجد شخصية الفنانة "كرباج" شخصية طاغية في معظم اللوحات التي تقدمها، ومن خلال أسلوبها تقوم بالتعبير عن الأم وابنتها وخصوصاً في معرضها الأخير، وهذا مما يوحي بدفء العلاقة التي تقع ضمن دائرة الأسرة بشكل عام والتي تشكل فيها محوراً هاماً من محاور الحياة الاجتماعية ، وقد انطلقت شخصيتها من المحيط التي تعيش فيه، وبذلك امتزجت مشاعرها مع قوة المخيلة التي تظهر في رسوماتها، وهذا ما أدى إلى التنويع في معروضاتها بين آدم وحوا، واللافت في العديد من اللوحات، فمن خلال الثلاثة أو الأربع الألوان التي تستخدمهم تظهر تقنية التداخل اللوني التي اتبعته في أسلوبها

    ** كانت مقتصرة على فضول كان يراودني تجاه الرسم، ومن ورائه موهبة فنية حينما قلّدت العديد من الصور الموجودة في البيت ونقلتها على الورق، إضافة للعديد من الأنشطة التي ساهمت بها أثناء انتسابي لمهرجانات الطلائع الفنية في تسعينيات القرن المنصرم، لكن البداية الحقيقية كانت بمركز "رولان الخوري" للفن التشكيلي حينما تخرجت عام 2001، وبها بدأت أولى خطوات مشواري الفني.

    "رانيا كرباج"

  • لابد وأن في حياتك الفنية أعمالاً قد تأثرت بها فما أول الأعمال التي لاقت استحساناً لديك ومن هو الفنان الذي أحببت أن تسيري على خطاه؟

    • ** كانت اللوحات التي أراها في الكنائس والأيقونات الموجودة هي أولى الأعمال التي تأثرت بها، لكن الفنان "نعيم كرباج" كان له صدى في تنمية موهبتي الفنية، ومن ورائه أهلي وزوجي كان لهم النصيب الأكبر في رسم طريقي الفني من خلال متابعتي وخصوصاً بالمرحلة الأولى من مشواري الفني، إلى جانب العديد من الفنانين العالميين ومن بينهم "مايكل أنجلو" حينما زرت كنيسة "سستينا" في "روما" فكانت جدرانها تنطق بجمالية فنه التشكيلي.

    بعض اللوحات في مرسمها

  • من خلال مشوارك الفني لابد وان تكونت لك بصمة فنية فأين تجسدت تلك البصمة؟

    • ** تجسدت من خلال الرسومات التعبيرية التي ظهرت على معظم لوحاتي فأخذت طريقها في معظم أعمالي وخصوصية التفاعل مع الواقع الضيق والذي يمثل محور عائلتي والواقع الأوسع الذي يمثل المجتمع الحلبي، لكن ومن وراء مخزوني التراثي سعيت لاحتواء الآخر لتحقيق النمو والارتقاء الفني المستمر.

    معرضها الأخير في "الشيباني"

  • اشتهر معرضك الأخير بالتوحد بين الإنسان والطبيعة لكن هل من نقاط مشتركة تجمع فيما بينهم؟

    • ** نعتقد أننا نعيش في حالة انفصال عن الطبيعة، لكن هذا انفصال وهمي في مضمونه، فالإنسان في ذاته جزء من الطبيعة، والتجربة التي قمت بها في معرضي الأخير كانت عبارة عن لحظة سكون غاب الإنسان فيها عن التفكير بمجريات الحياة وامتزج بذلك مع سكون الطبيعة فأصبحا في حالة توحد، وما الطبيعة إلا هي أم ضمت بين وجدانها حالات إنسانية سامية.

  • لقد سبق معرضك الأخير معرض خيّم عليه حالة من الحزن بدت من خلال الألوان الترابية التي استخدمتها في رسوماتك فهل للمجتمع أية علاقة في ذلك؟

    • ** حينما استخدمت الألوان الترابية كانت عبارة عن حالة عارضة تأثرت بها من واقع المجتمع الذي أعيشه وأحببت أن يكون الانعكاس ظاهر من خلال الألوان البنية التي ظهرت على رسوماتي، وربما أيضاً تكون هناك حالة من الحزن كانت مسيطرة على أحاسيسي فبدت وكأنها واضحة في لوحاتي، ورغم هذا لابد من أن ينتقل الفنان من حالة الألوان الداكنة إلى الألوان الحارة والمتوهجة لكي يظهر أنه في حالة تأثر وانسجام مع الواقع الذي يعيشه بطبيعة الحال.

  • ما يميز الفنان أنه يتمتع بإحساس مرهف مرتبط بوقت معين ليتناول عمله في المرسم فما هي الأوقات التي تقوم على تحضير لوحاتك؟

    • ** في الصباح لأنه يتمتع بحيوية وخصوصاً من بعد ساعات النوم التي تجعل من التفكير مهيأً لجميع أنواع الإبداع الذي يريد الفنان أن يصل إليه، ولكون ساعات الصباح تمتلك من الإشراقات الضوئية التي تجعل من ألوان اللوحات بريقاً يرى فيها الفنان رؤيته التي يريد أن يباشر فيها فنه.

  • ما التأثير الذي يعكسه واقعك الاجتماعي على مضمون لوحاتك وما الصورة التي استقيتها من واقعك الذي يحيط بك؟

    • ** معظم أدواتي وألواني الفنية تكون من الواقع إلى جانب الأشخاص الذين أرسمهم، ومن خلالهم أُدخلْ تأثيرهم إلى مخزوني الفني وأخضعهم لمخبري الداخلي، عندها فقط أستطيع أن أضفي خصوصية معينة على أعمالي الفنية، وتلك هي الخصوصية التي استقيها من واقعي.

  • العديد من المتلقين ممن يشعرون بصعوبة فهم المعنى المقدم إليهم فما الطريقة التي اتبعتها من أجل توصيل معنى واضح ومفهوم لهم؟

    • ** لقد اعتمدت في رسم لوحاتي على التعبيرية ولم استخدم آية رموز أو تجريد في ذلك، لكن الأهم أن تقدم صورة بصرية بسيطة يسهل على المتلقي فهمها، وفي ذات الوقت لا يطلب من الفنان أن يعمد على تفسير مضمون اللوحة، وما يترتب على المتلقي أن يتمتع بثقافة فنية يستطيع من خلالها تقييم العمل الذي ينظر إليه، وان يكون بينه وبين اللوحة حالة تناغم يشعر بها.

  • إلى أي مدى يستطيع الفن أن يعكس الواقع الذي يعيش فيه وهل يستطيع أن يعالج الواقع بالوقت ذاته؟

    • ** إن مهمة الفن ليس إصدار الأحكام على الواقع، وليس أيضاً حقل لإسقاطات الفنان، وإنما هي لتجارب عميقة امتزجت مع الواقع لكي تحقق السمو والجمال الذي عمد الفنان إلى إظهاره ولتكوين رؤية فنية أراد من وراءها عكس الحالة التي تأثر بها من خلال واقعه الاجتماعي، على عكس الفن الكاريكاتوري الذي يعالج الواقع بطريقة محببة ويجعل من تفكيرك أداة ترى من خلالها أشياء قد تكون غائبة عنك.

  • إلى أي مدى يساهم الناقد في خلق العلاقة الوسيطة بين الفنان والمتلقي وهل يجمع بين النقد الإيجابي وبين رسالة الفنان في الوقت ذاته؟

    • ** يساهم في ردم الهوة بين الفنان وبين المتلقي وإلى خلق ثقافة فنية لدى المتلقي، وهذا ينشأ فقط حينما تكون هناك ثقة بينه وبين الفنان إضافة لامتلاكه العديد من الأدوات التي يستخدمها كالنظرة النقدية البعيدة والموضوعية والتي يعجز عنها الفنان في العديد من الحالات على إظهارها لكونه غارقاً بالحالة العاطفية التي تأثر بها خلال لوحاته، لكن هذه الأدوات يجب أن تتمتع وبالدرجة الأولى بالثقافة والأخلاق إلى جانب تمتعها بالتذوق الفني.

  • للفنان دور في المجتمع الذي يعيش إما أن يكون ناقلا للصورة التي يعيش فيها أو معالجاً للواقع الذي يتأثر فيه فما الأدق لدور الفنان في رأيك؟

    • ** هو نقل الواقع الذي يراه حتماً فالفنان يتأثر دائماً بحالة المجتمع الذي يعيش فيه ويعكس تلك الحالة من خلال طبيعة الألوان ومضمون العمل الذي أظهره وما يجول في خواطره من تراكمات ثقافية يضيفها على المضمون فتظهر اللوحة وكأنها صورة مطابقة للواقع الذي تأثر فيه.

  • إلى ماذا تنسبين أسباب ركود الحركة التشكيلية في "حلب"...! هل هي بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها الفنان أم بسبب ضعف الإبداع عند بعض الفنانين؟

    • ** كلاهما يؤثر ويتأثر، فحينما ينعدم الإبداع يصبح الفن ذات عملية روتينية وبالتالي تؤدي إلى حدوث ركود عند الفنان ذاته مما يؤثر سلباً على الحركة التشكيلية بشكل عام، لكن الأهم في هذه المرحلة أن تكون هناك استمرارية من الفنان نفسه وأن يعمد إلى تكوين أشكال إبداعية في كل عمل أراد أن يعمله، لأن الإبداع هو حراك فكري جديد يعيش دائماً ضمن الفنان حينما يطرح أفكار ومواضيع جديدة.

  • أيهما أفضل للفنان ذاته المعارض الجماعية أم الفردية؟

    • ** كلاهما لا يمكن للفنان الاستغناء عنهما، فالمعارض الفردية تبرز شخصية الفنان وتجاربه الفردية وحضوره على الساحة الفني، وأما في المعارض الجماعية فإنها تساهم أيضاً في إثراء معلوماته الفنية بتجارب الآخرين شرط وجود السوية الفنية التي تعزز من قدرة الفنان على التعلم من الآخرين وزيادة حافز الإنتاج لديه من خلال المنافسة الإيجابية والبناءة.

    لكن الفنان التشكيلي "صلاح خالدي" كان له رأي حول الفنانة "كرباج" حينما أشاد بأنها في معظم معروضاتها تدمج شخصيتها مع اللوحات عن ذلك يقول: «نجد شخصية الفنانة "كرباج" شخصية طاغية في معظم اللوحات التي تقدمها، ومن خلال أسلوبها تقوم بالتعبير عن الأم وابنتها وخصوصاً في معرضها الأخير، وهذا مما يوحي بدفء العلاقة التي تقع ضمن دائرة الأسرة بشكل عام والتي تشكل فيها محوراً هاماً من محاور الحياة الاجتماعية ، وقد انطلقت شخصيتها من المحيط التي تعيش فيه، وبذلك امتزجت مشاعرها مع قوة المخيلة التي تظهر في رسوماتها، وهذا ما أدى إلى التنويع في معروضاتها بين آدم وحوا، واللافت في العديد من اللوحات، فمن خلال الثلاثة أو الأربع الألوان التي تستخدمهم تظهر تقنية التداخل اللوني التي اتبعته في أسلوبها».

    يذكر أن الفنانة "رانيا كرباج" من مواليد "حلب" عام 1976، خريجة الهندسة المدنية عام 2000 لها العديد من المعارض الجماعية المحلية العربية والخارجية ومن أبرزها: "فنانات من العالم" في "حلب" عام 2001 ،2002،2003, 2004، "الفن المعاصر" إكسبو "بيروت" عام 2002، "الفنانين السوريين" بغازي عنتاب" تركيا عام 2007.

    لها خمسة معارض فردية ومن أبرزها: "حواء و آدم" بصالة تشرين للفنون في "حلب" عام 2003، "ملامح امرأة" بصالة "عشتار" في دمشق عام 2005، "نهر الفن" في حلب 2009، في الشيباني بـ "حلب" القديمة 2010. أستاذة مُحاضرة لمادة الرسم والتصوير بكلية الفنون الجميلة في حلب منذ عام 2008، صدر ديوانها الشعري الأول "وصايا العطر" عام 2010.