للفنان "غسان مكانسي" بصمة واضحة في العالم المسرحي في مدينة "حلب" ولعلّ كلّ من يذكر اسمه يراه مرتبطاً إلى حد بعيد بالمسرح والخشبة ما أبعده عن الشاشة الصغيرة وتأثيرها على الفنان بشكل عام.
للحديث حول بعض الشؤون المسرحية بالإضافة إلى واقع الفن الحلبي التقى موقع eAleppo بتاريخ 26/11/2011 بالفنان "مكانسي" فكان معه هذا الحوار:
** نحن الآن نناضل لتكون هنالك خصوصية لحلب، فإن كان كل فنان يفكر في الذهاب إلى العاصمة للعمل فلا أعتقد أن هناك فن في باقي المحافظات، فانا مع كل فنان يعمل في محافظته ويثبت جدارته فيها ومن ثم ستأتي إليه الكاميرات والشهرة من تلقاء نفسها، وقد كان هذا مبدئي منذ زمن طويل، لكن اتضح فيما بعد وبعد أن فات الأوان أن نظريتي كانت خاطئة لأن العمل في العاصمة ومركز الفن هناك ولا مجال للهرب من هذه الحقيقة، لذلك نسعى مع الأستاذ "عمر حجو" وعدد من المسؤولين على أن تكون هنالك خصوصية لحلب ولباقي المحافظات السورية، فسورية فيها تنوع لذلك اجتاحت الدراما السورية "الوطن العربي" أجمع وحتى يمكن القول إنها تجاوزته أيضاً، فيجب أن نستفيد من التنوع الموجود ضمن "سورية" لنجدد فيها دائماً، ونحن مصرون على أن نبقى بحلب لنقدّم لها شيئاً مهماً مقابل الذي قدمته لنا، فنحن الآن نعمل على هذا الموضوع وقد وعدنا وزير الإعلام لأكثر من مرّة بالمساعدة في ذلك والوقوف إلى جانبنا لنقدّم شيئاً خاصاً بحلب في مجال الإذاعة والتلفزيون بالإضافة إلى البيئة والتراث الحلبي الغني جداً، لذلك يجب أن تأخذ المساحة التي تستحقها.
* ماذا عن غيابك الإعلامي؟
** أنا مقلّ في موضوع الإعلام لعدّة أسباب أهمها أنني أفضل العمل أكثر من الظهور على الساحة الإعلامية والاكتفاء بالحديث فقط، فأنا أريد للجمهور أن يتحدث عن عملي لا أن أتحدث عنه، فأنا لا أفضل الظهور الكثيف على الصحافة والإعلام وإنما العمل هو الذي يخلق للفنان الصيت والسمعة وبالتالي هو الذي يجعل الناس تتحدث عن أكثر من حديثه عن نفسه، وإن كان كل شخص يدع عمله يتحدث عنه لكنا قدمنا إنتاجاً صحيحاً وجميلاً جداً.
** لا أفضل أن يأتي هذا اليوم، لأنه إن أتى فإننا سنصبح عبيداً للحسابات المادية، فأنا أريد أن أموت هاوياً، فالاحتراف ثقافة بحد ذاتها ونحن نعلم أنّ للاحتراف قواعد ومبادئ وأسساً وإن نفذناها بالشكل الصحيح فأنا أول المحترفين، أما إن نفذناها بأسلوب الحسابات والعائدات المادية وكمية التوفير المادي فأنا وقتها آخر المحترفين، فالذي جعل الرياضة في المستوى المتدني هو الاحتراف مع العلم أنه في البلدان الأخرى حالة صحية جداً ومهمة لأن فيها تخصصاً، فاليوم إن كنت لاعباً فأنت ليس لديك عمل آخر غير التدريب والحصول على نتائج مقبولة بالإضافة إلى حصولك على ما تستحقه من الدخل المادي، أما لدينا فمعظم الفنانين في كافة المحافظات السورية يعملون أعمالاً أخرى إلى جانب التمثيل ليستطيعوا العيش بطريقة مقبولة إلى حد ما فأين الاحتراف في هذا؟، وأنا أعتبر محترفاً لكوني أعمل في "المسرح القومي" وأتقاضى راتباً ولكن كيف وضع هذا الراتب وإلى أي حد من الممكن أن يخدمه في حياته؟، مع الآسف لا توجد لدينا هذه الدراسات ولذلك أقول إن الفنان لم يذق طعم الاحتراف إلى الآن باستثناء بعض النجوم الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة واستطاعوا أن يعيشوا حالة الاحتراف بعمله في الفن فقط دون الدخول في أعمال ثانية وثالثة.
** لم تقدّم "نقابة الفنانين" المطلوب منها كجهة، وإلى الآن هي تتخبط بالقرارات التي تتخذها فتصدر قراراً ومن ثمّ تلغيه بعد فترة، فنقابة الفنانين خلقت لتدافع عن الفنان وتكون حصنه الحصين لكنها أصبحت دائرة جباية فقط فتلاحق الفنان لتعرف أين يعمل وبالتالي لتقوم بأخذ الضريبة منه فقط، وما تبقى فالحركة مشلولة تماماً في سير العمل، فأنا مع هذا القرار في حال كان هنالك عمل لجميع الفنانين في النقابة إن احتاجت النقابة في مسلسل ما إلى نموذج لا يوجد منه في النقابة فبإمكانها الاستعانة بالموهوبين أما أن يكون المسلسل يحوي /7-8/ نجوم والباقي من خارج النقابة فإن لا صحّة في اتخاذ هذا القرار أبداً وهنا يكون المتقاعد أولى من الذي سيأتي دون أن يحمل صفة العمل.
** أرى أن السبب في ذلك هو المركزية الموجودة في "دمشق" فإن أردت الدخول في الوسط الفني فلا بدّ لك من الانتقال إلى "دمشق" وبالتالي ستترك عائلتك هنا وإما أن تذهب مع عائلتك وتتخبط بين العائلة والعمل هنالك، فهنالك إرهاق عجيب في هذا الموضوع بالإضافة إلى الاستسهال من قبل المخرجين الذين يأخذون أشخاصاً جاهزين لأدوار معينة، كأن يطلب فناناً سبق له العمل في دور مشابه للذي يريده، وعلاوة على ذلك فإنّ شركات الإنتاج التي ظهرت تتمتع كل شركة منها بكادر خاص بها يتعاملون مع بعضهم بعضاً فسببت بذلك نوعاً من الشللية والاستسهال ولذلك أصبح هنالك خوف على "الدراما السورية" من الانحدار واقتصار تفكيرها فقط على التسويق والربح، فحماسنا القوي في أن نعمل للدراما هو الذي صنع "الدراما السورية" بالإضافة إلى عدم اعتمادنا على البطل الأوحد كالسينما "المصرية" أو "الهندية".
** إن هذه الحالة لم تبق موجودة إطلاقاً، فقد كنا في السابق نقرأ المسلسل كلّه لنتعرّف على أجواء المسلسل إن أخذنا شخصية ما ولكن الآن لا يأتيك غير المشاهد التي ستقدمها، حتى إنك لا تعرف مع من أنت وما هي حالتك، لذلك قلت إنه أصبح هنالك استسهال من قبل الجميع في الوسط الفني، بالإضافة إلى أننا لم نصل للمستوى المطلوب كتنظيم فني حقيقي في "سورية" بشكل عام.
** إنّ "خان الحرير" كان الفاتحة الجميلة لأعمال البيئة الحلبية وأقول إن الأستاذ "هيثم حقي" من خلال هذا العمل بجزأيه هو من المخرجين المهمين على مستوى "الوطن العربي"، بعد هذا العمل تم تقديم أعمال جيدة كعمل "باب الحديد" للمخرج "رضوان شاهين" الذي يشعر بالبيئة الحلبية بشكلها الصحيح لكونه من "حلب" فهو على علمٍ بالمفردات الحلبية تماماً ولذلك لم يكن يقبل بالمفردات غير الحلبية كما حدث معنا في باقي المسلسلات مع زملائنا من "دمشق" الذين أخذوا يتحدثون بلهجة حلبية مقعّرة حتى إننا كحلبيين لم نفهم عليهم أحياناً ما كان يجعل للمسلسل ثقلاً على السمع بالنسبة للمتلقي فتموت نسبة كبيرة من جمالية المسلسل في ذلك.
** أنا ممثل مسرحي بالدرجة الأولى، والعمل المسرحي لا يمكن أن يقدّمك للجمهور بعمل واحد أو عملين وإنما هي حالة تراكمية ومن خلالها يتعرف عليك الجمهور، فالممثل إن لم يكن عطاؤه مستمراً فإن الجمهور سينساه تماماً.
** بالتأكيد لا، فطموحنا كبير جداً والدليل على ذلك أننا أقمنا على هامش المهرجان "دورة إعداد ممثل" وقدمنا فيها دورات تحوي برامج كبرامج المعهد العالي للفنون المسرحية، وقد وضعنا بعض الاشتراكات الرمزية لنتجّنب التسيّب وحالة الفوضى، لذلك أقول إن مسرح حلب الدائم لم يحقق الغاية المرجوة منه إلى الآن وإنما بدأنا بتقديم النشاطات التي من الممكن أن تحقق شيئاً في المستقبل.
** المهرجانات هي حافزٌ للهواة لتقديم أفضل ما لديهم فمنهم من يسعى إلى أن يكون أفضل ممثل أو أفضل مخرج وهكذا، فالمهرجانات هي حالة تنشيطية للجميع، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يحقق مهرجان واحد شيئاً لذلك يجب أن تكون هنالك مهرجانات عديدة لتخلق حالة مسرحية وبالتالي لتقدّم شيئاً ملموساً للوسط، وإن أردت الحقيقة فالمهرجانات مكلفة جداً لذلك يجب الاهتمام بها أكثر وتقديمها بأفضل حلّة ممكنة، فنحن دائماً بحاجة إلى مؤسسات ثقافية لتصرف لهذه المهرجانات ولكننا مع الأسف لا نرى التقديم المطلوب لهذه المؤسسات والدعم المرجو منها لدعم المهرجانات.
** كنت من المؤسسين لمسرح الكبار للصغار وقد أخذت الفكرة من الأستاذ الراحل "زياد مولوي" عندما أتى إلى حلب بأحد عروضه، وقد كنا أصدقاءً حينها وقلت له إنني سأعيد التجربة نفسها، لذلك قمنا بدراسة كتب الأطفال والحالة النفسية لهم إلى أن قدمنا عروضاً لاقت استحساناً لدى الجمهور، وقد استمرت الفرقة لمدّة سبع سنوات إلى أن تم فضّها بحكم الفرق الكثيرة التي ظهرت والتي حاولت تقديم الأسلوب نفسه ولكن مع الأسف كانت دون المستوى المطلوب تماماً ما شوّه تلك الفكرة التي أردنا العمل عليها منذ البداية وحاولنا تطويرها، وصراحةً قد ندمت على الفكرة التي قدمتها من خلال هذا المشروع لأنني توقعت أن الفكرة ستتطوّر ولكنها مع الأسف بدأت بالانحدار أكثر من أن نلاحظ تتطوراً فيها.
** تلك اللحظات رائعة جداً ولكنها حمل ثقيل على الإنسان، وبعد التكريم يجب على الفنان أن يعيد حساباته في اختيار الشخصيات التي تعرض عليه، إذ لا يمكن أن يكون نجماً ومن ثمّ يظهر في شخصيةٍ دون المستوى الذي وصل إليه، ففي لحظة التكريم أعتبر أن الفنان كأنه يبدأ من نقطة البداية إذ يجب عليه أن يعيد إنجازاً يفوق الذي قدّمه ليتم تكريمه مرّة أخرى، وسابقاً كان التكريم يتم بعد وفاة الشخص ولكن الآن أصبحت الحالة أكثر إنسانية إذ يتم التكريم في حياة الشخص وحتى بعد وفاته أيضاً.
ويقول الفنان "عمر حجو" عن نتاج الفنان "غسان مكانسي": «إن "غسان مكانسي" له تأثير كبير ويدٌ بيضاء على تأسيس الحركة الفنية في "حلب"، فهو شخص نشيط ويعشق المسرح إلى حد كبير وقد أثبت وجوده فيه كثيراً وخاصة في فترة السبعينيات والثمانينيات، وعلى الرغم من قلّة الأعمال المسرحية والمسلسلات في "حلب" إلاّ أنّه استطاع إثبات نفسه وتقديم بعض التجارب الجميلة في المسرح والتي لاقت استحسان الجمهور.