كرّس الفنان "عمر حجو" حياته من أجل المسرح وإلى الآن ما يزال المسرح جلّ اهتمامه والناس همه الأكبر، للوقف حول "مسرح الشوك" بالإضافة إلى "مسرح الهواة الدائم".
التقاه eAleppo في "حلب" فكان معه هذا الحوار:
هو فنان حقيقي لأنه ولد في بيئة شعبية فكان بذلك فناناً يحمل نبض البسطاء وطيبي القلب لذلك أعتبره قدوةً حقيقة لكل فنان يعرفه، فبالتعمق في شخصيته تعرف أنه محبٌ لأبعد الحدود وصديق لكل من حوله وعلى الرغم من أنه قضى معظم حياته في "دمشق" إلاّ أنه لم يخسر إلى الآن كلمة حلبية واحدة وكأنه لم يغادر "حلب" أبداً، وهذا ينم عن أصالة حقيقة جداً، وحقيقة أرى أنّ الفنان "عمر حجو" يحمل في داخله إنسانيةً يعجز أي إنسان على حملها، وهو أحد المؤسسين لنقابة الفنانين ومن الذين بذلوا جهداً كبيراً في سبيل إنشاء نقابة تجمعنا وتدافع عنا، وأنا في كل مرّة أريد تقديمه فيها فإني أقول إنّ قلبه أبيض مثل القطن الحلبي ورائحته كرائحة الزعتر الحلبي وحديثه طيّب كالفستق الحلبي وهو شامخ دائماً كقلعة "حلب"
** أقف في فترة الستينيات حين عملت في التلفزيون وخاصة في برامج الأطفال كبرنامج "نادي الأطفال" الذي كان تحت إشراف "هيام طبّاع" من حيث الإعداد والتقديم وكان معي في ذلك البرنامج كل من "ياسين بقّوش، ومحمد طرقجي، وأحمد عدّاس" بالإضافة إلى كوكبة من النجوم، وكان لدي الكثير من النشاطات في تلك الفترة وخاصة في مجال السهرات التلفزيونية كسهرة "دمشق" بالإضافة إلى بعض السهرات التي كانت تأخذ الطابع الكوميدي الخفيف.
** لعدم وجود التلفزيون بكثافة في تلك الفترة فقد كان المسرح رائجاً كثيراً وكان له حضوره وجماهيره المتابعين دائماً للحركة المسرحية، وكان هنالك العديد من الأنواع المسرحية التي كانت منتشرة وقتها، منها تواجد المسرحي القومي الذي خاطب شريحة معينة من الناس وطبقة محدّدة بالإضافة إلى المسرح الشعبي الذي كان يأخذ نصوصاً من المسرحيات المصرية ويقدّمها هنا ولكن لم يكن لها أي هدف آخر لذلك فكرت في إيجاد نوع ثالث يمزج بين المسرحين النخبوي والشعبي ويخلق حالة من التواصل مع الجمهور بفكر راقٍ دون الهبوط بالمستوى أو الدخول في الرمزية، فوجدت أن أنسب شيء هو الدخول في تفاصيل حياة الناس والحديث عن همومهم ومشاكلهم، فالمسرح سابقاً كان عبارة عن تسلسل مدروس يتألف من الفصل الأول الذي يتحدث عن الشخصيات والتعريف بها والفصل الثاني حينما تصل الشخصيات إلى العقدة ومن ثم الانحدار إلى الحل والنهاية في الفصل الثالث وهذا الأمر يمكن أن يأخذ أكثر من ساعتين من الزمن فأردت من خلال ما قدّمته في "مسرح الشوك" أن أستعرض وأختصر كل ذلك في فترة زمنية أقل تراوحت بين/5- 25/ دقيقة، ومن خلال هذه اللوحات التي قدمناها فإن الجمهور وجد أنّ هذا المسرح يخاطبه مباشرة وبكل ما هو موجود في حياته لذلك فإنّ تلك اللوحات لاقت رواجاً وانتشاراً ومحبّة من قبل كافة الناس والشرائح، ونتيجة لبعض الإشكالية السياسية التي دخلت فيها الأعمال التي قدمناها ولانتشارها السريع بين الناس وحتى من قبل الجهات الحكومية فإنّ هذا خلق فضولاً وحافزاً لدى رئيس الجمهورية وقتها "نور الدين الأتاسي" مع عدد من الوزراء إلى حضور إحدى عروضنا، وبالفعل حضروا العرض، وبعضهم أعجب بما قدمناه فوقف في صفنا والبعض لم يعجبه ولكن الرئيس الراحل "حافظ الأسد" والذي كان وزيراً للدفاع وقتها شجعنا كثيراً ووقف إلى جانبنا وهذا ما اعتبرناه الضوء الأخضر لاستمرارية "مسرح الشوك"، حتى إنّ هذا النوع من المسرح قد راج في جميع أنحاء "الوطن العربي" وأخذ الناس يرددون اسم هذا المسرح في كل الأصقاع وحتى إنهم كان يحكمون على مدى وجود الديمقراطية في "سورية" من خلال الجرأة السياسية التي تحلى بها "مسرح الشوك".
** لا يوجد شيء محدد يمكن أن أذكره لك عن تلك الفترة، فقد قدمنا "مسرح الشوك" لفترة طويلة جداً، ففي "مسرح الشوك" قدمنا ثلاثة عروض هي "جيرك وبراويز ومرايا" ومن ثمّ اختلف النمط من خلال مسرحية "ضيعة تشرين" ولكننا في مسرحية "كاسك يا وطن" عدنا قليلاً إلى "مسرح الشوك" مرة أخرى وعلى الرغم من اختلاف النمط قليلاً إلا أنّ الروح بقيت روح "مسرح الشوك"، واستمر الأمر هكذا حتّى فترة التسعينيات من القرن الماضي.
** إنّ ما دفعني إلى تأسيس هذه الظاهرة المسرحية هو غياب الجمهور عن المسرح بشكل كبير، فمن خلال هذا المسرح نحاول أن نعيدهم إليه عن طريق عرض الأفكار المناسبة والمقبولة من قبله، فقد وجدت أنّ المسرح القومي لا يقدّم ما يكفي لاستقطاب الجمهور إذ إنه يقدّم عرضاً أو عرضين طوال السنة وهذه العروض لا تتجاوز مدّة عرضها الأسبوعين فتبقى المدينة فقيرة بالمسرح على مدار العام، في "مسرح الهواة الدائم" ننطلق من فكرة أن تكون هنالك مسرحيات على مدار العام دون انقطاع بحيث متى ما أراد شخصٌ أن يحضر مسرحية فإنه يجد ذلك، وقد قدّمنا إلى الآن أربعة عروض مسرحية كانت بدايتها مع مسرحية "كاسك يا وطن" وبعدها جاءت مسرحيات "المهرّج، سرّي للغاية، مقام إبراهيم وصفيّة"، ولكوننا في هذا المسرح نحاول جذب الهواة فإننا رأيننا أنه لا بدّ أن يتحلى هؤلاء الهواة بثقافة مسرحية جيّدة تأهلهم لدخول عالم المسرح لذلك بناء على اقتراح منّا تمت الموافقة على إنشاء دورة لإعداد الممثل المسرحي في "حلب" بحيث تكون المواد التي تدرّس في الدورة لا تختلف عن المنهاج المتّبع في "المعهد العالي للفنون المسرحية" من حيث اللياقة وتدريبات الصوت بالإضافة إلى الثقافة المسرحية العامة وتاريخ المسرح، فهذه المواد تدرّس في "المعهد العالي للفنون المسرحية" في أربع سنوات لكننا كثّفناها وجعلناها في سنتين فقط وعلى ثلاث مراحل مدّة كل مرحلة هي ثلاثة أشهر إلى أن ينتهي المتقدّم من السنة الأولى وكذلك الأمر بالنسبة للسنة الثانية التي تتألف أيضاً من ثلاث مراحل ومدّة كل مرحلة ثلاثة أشهر، وفي نهاية السنة يحصل الطالب على وثيقة اتباع دورة في المسرح هي قريبة من "المعهد العالي للفنون المسرحية".
** حالياً نتبّع أسلوبية المسرحيات السورية التي تم تقديمها سابقاً، ومن الممكن أيضاً أن نقدّم من المسرح العالمي أيضاً، وأيضاً إن وجدت نصوص محلياً جميلة وترقى إلى المستوى المطلوب فمن الممكن تقديمها كذلك، والمسرحيات التي تقّدم لنا تأتي الموافقة عليها من قبل "وزارة الثقافة" وبناءً على هذه الموافقة فإنّ الوزارة تتحمل كافة نفقات المسرحية بالإضافة إلى تقديم مسرح أثناء التدريبات والديكور والألبسة، وكل الريع الذي يأتي من المسرحية المقدّمة يذهب إلى أعضاء الفرقة.
** عندما كنا نقدّم "مسرح الشوك" كان الناس يحجزون البطاقة قبل شهر من العرض وأحياناً كثيرة لم يكونوا يحصلون على البطاقات بسبب تأخرهم، فهذا الإقبال على المسرح نحاول أن نوجده الآن أيضاً أي إننا نحاول خلق ديمومة للمسرح وجعله متوافراً دائماً دون التفكير بأي شيء آخر، فالمهم لدينا هو استرجاع الناس إلى المسرح فقط، ونجاح تجربة "مسرح الشوك" والتي كانت من فكرتي هي إثباتٌ على نجاح التجربة التي قدمناها، ولكن عندما قررنا تقديم تجربة مماثلة مع المحترفين في "حلب" من خلال "المسرح الدائم" فقد وجدنا أنه من الصعب للمحترف في "حلب" العمل في هذا المسرح لأنه يريد أن يأتيه مسلسل ويأخذ دور البطولة دون أن يحرك ساكناً من منزله، لذلك حاولنا تقديم هذه التجربة مع الهواة الذين هم أكثر تقبلاً للأمر ولإضافة روح جديدة على المسرح في "حلب".
نحن نقدّم في هذا المسرح مسرحيات لكتاب جيدين وكان النجاح حليفهم في عروضهم لذلك رأينا نجاحاً كبيراً لمسرحية "كاسك يا وطن" حين تم عرضها للمرة الثانية وكذلك الأمر بالنسبة لنص "محمد الماغوط" الذي كان تحت اسم "المهرج" من إخراج "بشار فستق" ويجب ألاّ أنسى مسرحية "مقام إبراهيم وصفية" التي حققت نجاحاً باهراً من خلال عرضها في "دار رجب باشا" دون الطريقة التقليدية للعرض في المسرح، وإعادة التجربة لا تعني التراجع وإنما هو تأكيد لنجاح العمل.
** إنّ نص "الحلاج" بالفعل من النصوص الجيدّة ولم يكن هنالك إشكالية على أداء الممثلين وقتها، ولكن لتصحيح المعلومة فإننا لم نرفضها تماماً وإنّما قررنا تأجيلها فقط، فمن الصعب جداً تقديم هذه المسرحية في الفترة الحالية وما تمرّ به بلادنا خوفاً من الاستغلال الذي يمكن أن يقوم به بعض الأشخاص ويتم توجيهها في منحى سياسي، وتأجيلنا لها لا يعني أنها ليست ذات قيمة أبداً فهي مسرحية رائعة جداً ولكنها لظروف غير الظروف التي نمرّ بها، وهي ضمن الخطة إلى الآن وسنقدّمها قريباً ريثما تهدأ هذه الأزمة.
** إن الخطأ الذي يقع فيه الهاوي هنا هو أنه يحاول الدخول في كافة المجالات، فهو يريد أن يمثّل كهاوٍ ويصبح مخرجاً هاوياً وكاتباً هاوياً، وأنا أقول يجب على الشباب الحالي أن يثبت نفسه في مجال واحد فقط دون أن يشتت نفسه في باقي المجالات التي بالتأكيد ستأخذ الكثير من وقته وجهده، وقد تم تقديم عدد من النصوص بالفعل إلينا إلاّ أنها لم تكن بالمستوى المطلوب، ومن خلال هذه الدورة لإعداد الممثل نأمل أن تفرز لنا بعض الكتاب والأفكار الجيدة التي من الممكن أن نقدمها أيضاً ضمن الفعالية السنوية، ولكنني أقول إننا هنا لسنا ضد الهواة بل نحن معهم تماماً فهذا المسرح الذي أسسناه هو لهم ولكن يجب الانتباه قليلاً إلى نوعية النصوص المقدّمة، والذين يقبلون أو يرفضون النصوص هم كتّاب وممثلون متمرسون في عملهم ولا يأتي الأمر اعتباطياً أبداً، وأعود وأقول إننا مع أن يأتي أي موهوب بنص أجنبي كنص لموليير ويقوم بإعداده إعداداً محلياً وسنقوم نحن بالتكفّل بالباقي وهذا ينطبق على أي نص آخر معروف لأننا في النهاية نريد أن نعيد الناس إلى المسرح من خلال مسرحيات سمعوا بها وعاشوها.
** حالياً يتم الحديث مع السيد وزير الثقافة بالإضافة إلى المؤسسة العامة للتلفزيون حول إنتاج مسلسل خاص بمدينة "حلب" ونحن حالياً في طور البحث عن النص المناسب للعمل عليه لذلك فالأمر قيد الدراسة حالياً ولم يدخل إلى الحيّز العملي بعد.
وقد التقى eAleppo الفنان "غسان مكانسي" الذي قال عن الفنان الكبير "عمر حجو": «هو فنان حقيقي لأنه ولد في بيئة شعبية فكان بذلك فناناً يحمل نبض البسطاء وطيبي القلب لذلك أعتبره قدوةً حقيقة لكل فنان يعرفه، فبالتعمق في شخصيته تعرف أنه محبٌ لأبعد الحدود وصديق لكل من حوله وعلى الرغم من أنه قضى معظم حياته في "دمشق" إلاّ أنه لم يخسر إلى الآن كلمة حلبية واحدة وكأنه لم يغادر "حلب" أبداً، وهذا ينم عن أصالة حقيقة جداً، وحقيقة أرى أنّ الفنان "عمر حجو" يحمل في داخله إنسانيةً يعجز أي إنسان على حملها، وهو أحد المؤسسين لنقابة الفنانين ومن الذين بذلوا جهداً كبيراً في سبيل إنشاء نقابة تجمعنا وتدافع عنا، وأنا في كل مرّة أريد تقديمه فيها فإني أقول إنّ قلبه أبيض مثل القطن الحلبي ورائحته كرائحة الزعتر الحلبي وحديثه طيّب كالفستق الحلبي وهو شامخ دائماً كقلعة "حلب"».