«برز اسم "وليد إخلاصي" ككاتب روائيّ ومسرحيّ حداثيّ في بداية الستينيات من القرن العشرين، وهي مرحلة مبكّرة قياساً إلى الإنتاج الروائي العربي الذي رهن مصائره للنمط التقليدي من الرواية من حيث البنية الفكرية أو السردية، وظهور حداثة "وليد إخلاصي" في هذه المرحلة تعكس لنا حساسية متوقّدة في استشفاف مستقبل الرواية العربية، ودعم توجّهاتها الحديثة من خلال التطلّع إلى النموذج الروائي الغربيّ المتقدّم، وخصوصاً بعدما تمّت ترجمة الكثير من الأعمال الروائية لكبار كتّاب الرواية العالميين، ومن ضمنهم أصحاب مشروع (الرواية الجديدة) الذين سعوا إلى تقليص نفوذ الرواية الكلاسيكية في سوق الأدب، نظراً لتغيّر الزمن وانتقال المجتمعات الغربية إلى مرحلة اجتماعية واقتصادية تختلف على نحو حاسم مع أزمنة الرواية الكلاسيكية في القرن التاسع عشر وبدايات العشرين؛ بتبلور وجهات تيار الوعي مع الرواية الفرنسية الجديدة
ورموزها: "آلان روب غرييه"، "ميشيل بوتور"، "ناتالي ساروت"، وغيرهم، حيث اعتمد هؤلاء التجريب في الكتابة».
تخلق إبداعات "وليد إخلاصي" المسرحية جواً خاصاً بها من حيث الشكل والمضمون تميزه عن كثير من الكتاب المعاصرين فهو يقدم لنا جواً أقرب للعبثية أو أعمال كتّاب مسرح اللامعقول إنما بخلفية واقعية وهذا هو خلافه معهم، وكتطبيق نقدي على هذه المقولة التي ذكرناها نجد أنه في بداية كل عمل مسرحي يقدم لنا شخصيات تصنع حدثاً شبه واقعي يتطور تدريجياً ليصل إلى الرمزية الصرفة كما في مسرحية (قطعة وطن على شاطئ قديم) وهي من أهم مسرحياته، ففي بداية هذه المسرحية نحس أننا أمام عمل واقعي محض من خلال شخصية مجنون يكنى بعابر القارات يرشح نفسه لانتخابات إحدى المدن والبلدات ويعارضه في هذا الترشيح سادة وعلية القوم في هذه المدينة وما يمنع السلطات من تمزيق طلبه هو وجود مراقبين خارجيين إضافة للصحافة الدولية وهكذا يبدأ "وليد إخلاصي" ببداية واقعية (ولكنها خادعة) وتكمن الواقعية أن المتلقي سواء أكان قارئاً أو متفرجاً أمسك بطرفي الصراع الدرامي.... كما أن بناء شخصياته التي يرسمها تخدم المقولة الرمزية-الفلسفية وذلك أنه يرسمها بتفاصيل دقيقة تجعلها غريبة ووجه الغرابة الديكور، عدم تحديد الزمان والمكان، مجنون يحاكي حورية البحر ولباس لا ينتمي إلى أي عصر..مقعد يمشي.. جنيات ورغم هذه الغرابة فإنَّ أستاذنا الكبير "وليد إخلاصي" لا يغيب عن الواقعية من خلال الخلفية والمقولة التي تهدف إليها أي مسرحية من مسرحياته
هذا ما قاله الأستاذ "عزت عمر" في دراسة نقدية عن الكاتب والروائي الكبير "وليد إخلاصي".
"وليد إخلاصي"
*من مواليد مدينة "الاسكندرونة" (27) أيار لعام (1935)م، درس الابتدائية في مدرسة (الحمدانية) والثانوية في (التجهيز الأولى) بمدينة "حلب" أما دراسته الجامعية فكانت في كلية الزراعة بمدينة "الإسكندرية" (1954-1958)م واستمر هناك حتى حصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الزراعية عام (1960)م، ثم عاد بعد ذلك إلى مدينته "حلب" حيث عمل في مديرية الاقتصاد وحاضر في كلية الزراعة بـ "جامعة حلب" ثم انتقل عام (1966)م في المؤسسة العامة لحلج وتسويق القطن وترأس فرع (نقابة المهندسين الزراعيين) في "حلب"، وترأس فرع (اتحاد الكتاب العرب) أكثر من مرة وهو عضو منتخب في مجلس (اتحاد الكتاب العرب) لثلاث دورات متعاقبات.
ساهم "وليد إخلاصي" في تأسيس (مسرح الشعب) و(المسرح القومي) و(النادي السينمائي) بـ "حلب"، كان والده رئيس لتحرير مجلة (الاعتصام) التي صدرت في "حلب" نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات، ثم أوقفها الحاكم الفرنسي آنذاك، وقد أثرت طموحات والده الأدبية عليه فعمل بالصحافة الأدبية (الموقف الأدبي) وخرج أول عمل مطبوع له وهو قصة (نظارات أبو الزرابيل) عام (1951)م وأول نص منشور له كان في جريدة (الهدى) "الحمصية" (1949)م.
شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات والمهرجانات والأمسيات الأدبية والأنشطة العلمية والفكرية
عضو مجلس الشعب للدور التشريعي السابع.
يكتب "وليد إخلاصي" العديد من الأنواع الأدبية كـ (القصة والرواية والمسرحية والدراسة والمقال والزاوية الصحفية والشعر)، وتم ترجمة أدبه إلى لغات عدة منها (الانجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والأرمينية والروسية واليوغسلافية والبولونية).
نال جائزة (اتحاد الكتاب العرب) التقديرية بـ"دمشق" عام (1990)م وجائزة (سلطان بن علي العويس) الثقافية والروائية والمسرحية في دورتها الخامسة عام (1997)م، ونال أيضاً جائزة مدينة "حلب" للإبداع الفكري عن مجمل أعماله عام (1997)م.
ومن أعماله الروائية (شتاء البحر اليابس) و(أحضان السيدة الجميلة) و(أحزان الرماد) و(زهرة الصندل) و(بيت الخلد) و(حكايات الهدهد) و(باب الجمر) و(ملحمة القتل الصغرى).
أما أعماله القصصية فله عدة مجموعات منها (دماء في الصبح الأغبر) و(الطين وزمن الشجرات القصيرة) و(التقرير وموت الحلزون) و(الأعشاب السوداء) و(يا شجرة يا) و(خان الورد) و(ما حدث لعنترة).
أما المسرحيات فله منها الكثير مثل (العالم من قبل ومن بعد) و(الصراط وسبعة أصوات خشنة) و(سهرة ديمقراطية) و(هذا النهر المجنون) و(من قتل العصافير) و(قطعة وطن على شاطئ قديم) و(أغنيات للمثل الوحيد) و(من يقتل الأرملة) و(مسرحيتان للفرحة) و(لعبة القدر والخطيئة)..
ومما كتبه "لؤي عيادة" عن مسرح "وليد إخلاصي" نقتطف: «تخلق إبداعات "وليد إخلاصي" المسرحية جواً خاصاً بها من حيث الشكل والمضمون تميزه عن كثير من الكتاب المعاصرين فهو يقدم لنا جواً أقرب للعبثية أو أعمال كتّاب مسرح اللامعقول إنما بخلفية واقعية وهذا هو خلافه معهم، وكتطبيق نقدي على هذه المقولة التي ذكرناها نجد أنه في بداية كل عمل مسرحي يقدم لنا شخصيات تصنع حدثاً شبه واقعي يتطور تدريجياً ليصل إلى الرمزية الصرفة كما في مسرحية (قطعة وطن على شاطئ قديم) وهي من أهم مسرحياته، ففي بداية هذه المسرحية نحس أننا أمام عمل واقعي محض من خلال شخصية مجنون يكنى بعابر القارات يرشح نفسه لانتخابات إحدى المدن والبلدات ويعارضه في هذا الترشيح سادة وعلية القوم في هذه المدينة وما يمنع السلطات من تمزيق طلبه هو وجود مراقبين خارجيين إضافة للصحافة الدولية وهكذا يبدأ "وليد إخلاصي" ببداية واقعية (ولكنها خادعة) وتكمن الواقعية أن المتلقي سواء أكان قارئاً أو متفرجاً أمسك بطرفي الصراع الدرامي.... كما أن بناء شخصياته التي يرسمها تخدم المقولة الرمزية-الفلسفية وذلك أنه يرسمها بتفاصيل دقيقة تجعلها غريبة ووجه الغرابة الديكور، عدم تحديد الزمان والمكان، مجنون يحاكي حورية البحر ولباس لا ينتمي إلى أي عصر..مقعد يمشي.. جنيات ورغم هذه الغرابة فإنَّ أستاذنا الكبير "وليد إخلاصي" لا يغيب عن الواقعية من خلال الخلفية والمقولة التي تهدف إليها أي مسرحية من مسرحياته».