"محمد وهبي الحريري" علم رفرف على منارة الفن التشكيلي في سورية عامة وفي "حلب" خاصة حينما أصبح طالباً في مدرسة "منيب النقش بندي" إلى جانب زملائه، "وهبي" كان من أوائل ممن قدموا إرثا فنياً كبيراً استقى منه العديد من الفنانين المعاصرين كحجر أساس في تطور الحركة التشكيلية في "حلب".
لمعرفة المزيد عن حياة الفنان التشكيلي "محمد وهبي الحريري" التقى موقع eAleppo الفنان التشكيلي "محمود مكي" الذي قدم شرحاً موجزا عن حياة الفنان الراحل وأعماله حيث قال: «إن "الحريري" يمثل اتجاهين متوازيين للحركة التشكيلية السورية، فالأول يعتبر من أحد الرواد الحركة التشكيلية، والثاني تعتبر تجربته الفنية متقدمة بمفاهيمها التشكيلية الجديدة.
الأول إنه من أحد الرواد الأوائل في سورية ممن أسسوا الحركة التشكيلية السورية في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين بمفاهيم فنية جيدة، والثانية أن تجربته الفنية تمثل مفاهيم عصرها بوضوح رغم أنها لم تتجاوز الرؤية الأكاديمية في معالجة العمل الفني حيث عالج الفنان الرائد موضوعاته بأسلوبه التقليدي الذي يعتمد فيه بشكل أساسي على المحاكاة ومطابقة أشكال الواقع رغم وجود انطباعاته الخاصة التي يضفيها في بعض الأحيان إلى أعماله وأكثر ما يعتمده في التحديث والتطوير في الرؤية التشكيلية والفكرية
ولد "محمد وهبي الحريري" في "حلب" عام /1914/ من أسرة مرموقة بين مجالس الأدب والفن حيث ظهرت إمكانياته في الرسم والنحت بشكل مبكر حينما قدم مواهبه الفنية بشكل مبكر في حياته، فعمدت أسرته لإرساله إلى أكاديمية الفنون الجميلة بـ "روما" على نفقتها الخاصة عام /1932/ وبعدها تابع الفنان "الحريري" دراسة الفنون ولمدة خمس سنوات تمكن فيها أن يطّلع على تجارب الفنانين في أوروبا وتخصص في التصوير من عام /1937/ وحينما عاد إلى "حلب" عمل مدرساً لمادة الفنون الجميلة في ثانوية "المأمون"- التجهيز الأولى- وافتتح معهداّ لتعليم الرسم للشباب فكان من تلاميذه "طالب يازجي"، "فاتح المدرس"، "لؤي كيالي"، "فتحي قباوة" لهذا يعتبر من الفنانين الأوائل في سورية ممن أرسوا قواعد الحركة التشكيلية»
وتابع "مكي" بالقول: «وبعد ذلك سافر الفنان "الحريري" إلى باريس ليدرس في معهد الهندسة المعمارية فكان أول عربي يتخرج من هذا المعهد. ثم انتسب إلى مدرسة "علم الآثار" في متحف "اللوفر" الفرنسي وحين عودته إلى سورية قام بتصميم ساحة "عدنان المالكي" بـ "دمشق"، وفي أوائل الستينات سافر مع أسرته إلى السعودية لاهتمامه الكبير بالآثار والفن الإسلامي واستقر فيها، وفي هذه الأثناء استطاع إصدار كتابا ضخما وهاما بعنوان "التراث المعماري في المملكة العربية السعودية" والذي نشر عام /1981/ في مدينة "فلورنسا" الإيطالية وهو يمثل مجموعة كبيرة من رسوم لوحاته التي رسمها بقلم رصاص لمختلف الأبنية الأثرية والمعمارية في السعودية.
في عام /1987/ قام بإصدار كتابه الثاني ومن تصويره الفوتوغرافي بعنوان "عسير تراث وحضارة"، وفي نفس العام أصدر كتابا آخرا من تصويره عنوانه "تراث المملكة العربية السعودية" ويعتبر أفضل ما نشر من صور فوتوغرافية عن السعودية وبعدها منحته الحكومة الفرنسية وسام "فارس للفنون والآداب".
وفي آخر حياته حاول وضع كتابا آخر عنوانه "بيوت الله" يمثل صورا لمختلف مساجد المسلمين في العالم الإسلامي ولكن وضعه الصحي وبعض الصعوبات التي واجهته ومن بينها المادية وصعوبة زيارته للدول الإسلامية منعه من إتمام مشروعه قبل وفاته رغم تنفيذ بعضا من أجزائه.
أقام الفنان "محمد وهبي الحريري" عدة معارض فردية "حلب"، "دمشق"، "روما"، أمريكا، "بيروت"، فرنسا، ومن أعماله التي نال شهرته الفنية في بداية حياته الفنية لوحته التي شارك بها في المعرض العام للفنانين بالقطر وعنوانها "منظر من حلب" وهي تمثل أسلوبه الفني اتبعه والذي ظل أمينا له حتى النهاية وهو الأسلوب الأكاديمي والواقعي الذي مزجه بالأساليب الانطباعية بتقنيات خاصة تنم عن مقدرته الفائقة في الأداء الفني والتشكيلي وخاصة في إدخال مفاهيم التصميمات المعمارية التي امتازت به لوحاته».
في الحقيقة تعتبر تجربة الفنان "الحريري" في مفهوم النقد الحديث تجربة رائدة في زمانها لسببين رئيسين أشار إليهما "مكي" حينما قال: «الأول إنه من أحد الرواد الأوائل في سورية ممن أسسوا الحركة التشكيلية السورية في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين بمفاهيم فنية جيدة، والثانية أن تجربته الفنية تمثل مفاهيم عصرها بوضوح رغم أنها لم تتجاوز الرؤية الأكاديمية في معالجة العمل الفني حيث عالج الفنان الرائد موضوعاته بأسلوبه التقليدي الذي يعتمد فيه بشكل أساسي على المحاكاة ومطابقة أشكال الواقع رغم وجود انطباعاته الخاصة التي يضفيها في بعض الأحيان إلى أعماله وأكثر ما يعتمده في التحديث والتطوير في الرؤية التشكيلية والفكرية».
"وهبي الحريري" كان فناناً لا يرسم ليبيع لوحاته وأشار الفنّان "إبراهيم داوود" رئيس لجنة المعارض باتحاد الفنانين التشكيليين بحلب قائلاً: «ولكن من أجل إبراز موهبته الخاصة لأن عمله يحمل بعداً إنسانيا بعيداً عن أي شيء له صلة مادية، فهو كان غنياً ومحباً لفنه مما أعطاه دفعاً قوياً للسفر إلى ايطاليا ومن ثم انتقل فيها إلى مصر لإتمام دراسة الفن، إلا أنه كان يحاول في بعض أعماله، إلى الجنوح بها نحو الانطباعية والرومانسية كي يرضي ذوقه الخاص المتأثر بالمدارس الفرنسية ولكن لوحاته تتميز بشكل خاص بتصميمها الهندسي القوي والمتين الذي ينم بوضوح عن إدراكه لمفاهيم الهندسة المعمارية التي درسها في باريس وحاول أن يزاوجها مع مفاهيم الفن التشكيلي.
وفي عام /1994/ توفي متأثراً بمرض السرطان وبسبب عطائه الكبير في المجال الفني تميزت أعماله الفنية عن باقي أقرانه الفنانين في الحركة التشكيلية السورية».
مؤرخ حلب الباحث "عامر مبيض" تحدث عن بعض المحطات الهامة في حياة الفنان "الحريري" حينما قال: «اشرف على إنقاذ الآثار العظيمة في سائر أنحاء القطر لم يكن فناناً ومعلماً ناجحاً فحسب بل كان أيضاً وطنياً ومكافحاً ناضل ضد الاستعمار الفرنسي وكثيراً ما مشى في مقدمات المظاهرات وفي آذار من عام /1941/ ألقى عليه القبض جنود الاستعمار وأودعوه السجن لمدة أربعين يوماً لقد كان مدرساً ناجحاً وفناناً عظيماً اشترك في نهضة الفن العربي الأصيل وكان أثره على طلابه كبيراً، وتلقى العديد من خطابات الشكر من رؤساء وملوك دول العالم قام برسم لوحة بمقياس كبير طول /120/ سم للزعيم "إبراهيم هنانو" والتي أهداها إلى المكتبة الوطنية بـ "حلب" وفي عام /1940/ قام بنحت اللوحة التذكارية للدكتور "رضا سعيد" مؤسس كلية الطب في "دمشق" ومازالت تحتل صدارة المدرج الجامعي حتى الآن أشرف على حفريات "تل ماري" عام /1946/ و"رأس شمرا".
كما أشارت الكتب التي تحدثت عن "ايبلا" إلى قيام هذا الفنان المرموق بترميم الآثار هناك وفي عام /1965/ رافق اللجنة المكلفة بترميم قبة الصخرة في مدينة "القدس" ورسم أروع اللوحات للقبة وللمدينة قام بتصميم مبنى الجامعة الإسلامية في "المدينة المنورة" وفي عام /1984/ أقيم له معرض فني في أم المتاحف في "واشنطن" "سمونيان" وهو أول فنان سوري تعرض أعماله في هذا المعرض العالمي.
رسم لوحات متعددة لريف "حلب" القديم تعد وثائقية وقام بتصميم الساحة والحديقة المحيطة بجامع "خالد بن الوليد" بـ "حمص" وفي عام /1992/ منحته الحكومة الفرنسية وسام الشرف بدرجة فارس للآداب والفنون لما تميز به من أعمال راقية كانت على مستوى عالمي ولقب "ليوناردو" العصر الحديث تحدثت الصحف والمجلات العربية والعالمية عن هذا الفنان المبدع الحلبي لأن كافة الأعمال التي قدمت كانت تشير إلى وفائه لبلده ووطنه وأمته، شرع بتأليف كتاب عن بيوت "الله" بتشجيع من الأمير "سلمان بن عبد العزيز" أمير منطقة "الرياض" وقد زار عشرات الدول من أجل مشاهدة ومعاينة مساجدها على الطبيعة بغرض رسمها ونشر تلك اللوحات في كتاب أنجر منه حوالي أربعين لوحة لكن المنية عاجلته عام /1994/ أطلق مجلس مدينة "حلب" اسمه على أحد شوارع مدينة "حلب"».
من مؤلفاته:
1ـ التراث المعماري في "المملكة العربية السعودية" /1981/، عسير تراث وحضارة /1987/، كتاب بالإنكليزية من تصويره وإعداده.