بعد سنوات وعقود طويلة قضياها في العمل في المسرح
والعمل المسرحي، تم استضافتهما على مسرح دار الكتب الوطنية "بحلب"، ذلك المسرح الذي شهد الكثير من عروضهما الرائعة، وذلك من أجل تذكر تلك الأيام وما تحمله ذاكرتهما من ذكريات مسرحية جميلة.
فقد أقامت الجمعية المتحدة للآداب والفنون بالتعاون مع مديرية الثقافة في "حلب" ندوة حول المسرح وذكرياته، استضافت من خلالها الكاتب المسرحي الكبير "منير داديخي" والفنانة "هدى الركبي"، وتم خلال الندوة عرض لأهم ذكريات المسرح التي عاشها الضيفان ومناقشة سبل تطوير المسرح في وقتنا الحالي، وأسباب ابتعاد الجمهور عن المسرح وغيره من الذكريات الجميلة التي أعادتنا إلى حقبة الخمسينيات
والستينيات من القرن الماضي، كما تم توزيع دروع تذكارية للضيفين بعد انتهاء الندوة، تقديراً من الجمعية للضيفين على جهودهما الكبيرة في العمل المسرحي قدمها الأديب "محمد داية" عضو الجمعية.
على هامش هذه الندوة التقى ealeppo "حسام الذين خلاصي" عضو الجمعية المتحدة للآداب و الفنون الذي أدار الحوار في هذه الندوة، فحدثنا عن سبب اختيار هاتين الشخصيتين قائلاً:«في الحقيقة كان أمامنا عدد كبير من الأسماء التي لها دور كبير في مجال المسرح، فقمنا باختيار أقدم سيدة في هذا المجال وهي الفنانة "هدى الركبي"، كما اخترنا الأستاذ "منير داديخي" لأنه أقدم كاتب مسرحي وعاصر كل الفنانين المسرحيين القدماء، ولم نستطع من خلال هذه الندوة صراحة الإحاطة بكل ما في جعبة هاتين الشخصيتين الهامتين من ذكريات مسرحية رائعة, لكننا عدنا معهما إلى أيام ماضية جميلة كان المسرح فيها في قمة ازدهاره».
كما التقينا على هامش هذه الندوة الأديب والمخرج المسرحي "مأمون الجابري"، الذي حدثنا عن ذكرياته فقال:«عملت في مجال المسرح برفقة الأستاذ الكبير "منير داديخي" وكنا رفاق درب واحد في هذا المجال، كنا عصبة صغيرة جئنا لنقتحم هذا المجال فنحن لم نكن محترفين بل كنا هواة، فأنا إلى الآن لا أعرف كيف تعلم "منير داديخي" كتابة المسرحيات، كان الأمر سبقاً و محبة عميقة للمسرح، كان "منير داديخي" يكتب المسرحيات و كنت أقوم أنا بإخراجها و كنا نشارك أيضاً في التمثيل و الديكور وغيره، و قد أسسنا دار الندوة للآداب
والفنون وأصبح "منير" رئيساً لها».
و تابع "مأمون الجابري" حديثه لنا عن ذكرياته المسرحية و أهم الأعمال التي قدمها فقال:«هنا على خشبة هذا المسرح التي أمامنا الآن "مسرح دار الكتب الوطنية" وقفت مجسداً المطران "مكاريوس"
و"صلاح الدين الأيوبي"، والطيار الذي أصيب في الحرب وغيرها من الشخصيات الكثيرة، عملنا على خشبة هذا المسرح أكثر من خمسة وعشرين عملا مسرحيا أذكر منها مسرحية "الشعب والقائد"، "سفاح العراق"، و "ناديا الصلتي" وغيرها من الأعمال التي كانت تغلب عليها الصفة السياسية، وقد عمل معنا عدد من الشخصيات الهامة كالصحفي "عبد الوهاب فتال" و "عبد المنعم اسبر" وغيرهم، واليوم جئنا إلى هذه الندوة لنتذكر تلك الأيام الجميلة التي قضيناها على خشبة هذا المسرح، فلولاه لما كنا لنفعل شيئاً، لأنه قدم لنا خدمات عظيمة لا تنسى».
وحدثنا "منير داديخي" خلال لقائنا معه عن بداياته في العمل المسرحي فقال:«بدايتي كانت هنا في هذه الصالة مع الشاعر الكبير "عمر أبو ريشة"، فقد جئته إلى هذه الصالة عندما كانوا يؤدون إحدى مسرحياته التي كتبها هو وعرضت عليه مسرحية قمت بكتابتها أنا، فصوب لي الأخطاء و عندما قمنا بتمثيلها على المسرح أعجب بها جداً وقال لي هذا المسرح لك، كان عمري في ذلك الوقت ستة عشر عاماً، ثم بدأت بكتابة المسرحيات وكان "عمر أبو ريشة" يصححها لي بدقة، وقد قدمنا في تلك الحقبة التاريخية طرحاً مسرحياً كان الأسبق مع أننا كنا هواة ولم نكن محترفين وكانت مسرحياتنا التي نقدمها ذات صفة قومية واجتماعية».
وتابع "منير داديخي" حديثه عن أهم مساهماته في مجال المسرح،
وأهم الأعمال التي قدمها فقال:«أحضرت من "ايطالية" أدواتا و تقنيات مسرحية حديثة لم تكن موجودة أبداً، فجسدت المطر وغيرها من الظواهر على خشبة المسرح. لقد خرّج هذا المسرح عدداً من كبار الفنانين نذكر منهم "أديب قدورة" و "عمر حجو"، كل هذا وكنا نعتبر أنفسنا هواة، فأنا كنت محامي ولو كنا محترفين لكان لنا شأن آخر».
والتقينا "محمد داية" عضو الجمعية المتحدة للآداب و الفنون، فحدثنا عن أهمية هذه الندوة قائلاً:«كانت هذه الندوة من أجل تنشيط العمل المسرحي بشكل عام، و إظهار المبدعين الأوائل الذين كان لهم باع طويل في هذا المضمارمن أجل وضع العمل المسرحي في المسار الصحيح، فالمسرح دار إيضاح وإفصاح، وهو أيضا إيضاح للأخلاقيات والسلوكيات الصحيحة المتبعة في المجتمع، وهو إظهار للسلبيات التي من الواجب الابتعاد عنها، وهذا ما يدعونا لبذل جهود كبيرة في سبيل تطوره وتقدمه».
تأثر المسرح نوعاً ما بوسائل الإعلام الحديثة، وعن هذا التأثير حدثنا "أسامة سيد يوسف" مدير المسرح القومي "بحلب" الذي التقينا به على هامش الندوة فقال:«أنا أدافع دائماً عن هذه النقطة فأقول: أثر الكم الهائل من طروحات الفضائيات الهوائية استسهال المشاهد، لكن أقول أن هذه الفضائيات أثرت على المتلقي الكسول والمتقاعس فقط.
الإنسان المسرحي المهتم والجاد فإنه يأتي إلى المسرح مهما كانت الظروف، أما الإنسان غير المهتم فلا شك أنه سيستبدل المسرح بوسائل الإعلام الحديثة التي تصله إلى بيته بكل سهولة».
في عصرنا أدى ابتعاد الناس عن المسرح إلى ظهور فجوة صغيرة بين الجمهور والمسرح، وعن هذه الفجوة وسببها وسبل تطور المسرح، التقينا الفنانة "هدى الركبي"، التي حدثتنا قائلة:«الفجوة بين الجمهور
والمسرح ليست كبيرة لكنها في الحقيقة موجودة، وهي تؤثر نوعاً ما على المسرح، مشكلة المسرح اليوم هي ابتعاد الناس الذين يحبونه، المسرح ما زال كما كان في السابق، لكن أذواق الجمهور اختلفت نوعاً ما، وبالنسبة لتطوير المسرح فالوزارة تقدم الدعم المادي المطلوب
مشكورة، لكننا بحاجة إلى كوادر شابة مؤهلة و جادة في محبتها للمسرح دون النظر للجانب المادي و الربح فقط».
أقيمت الندوة في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الثلاثاء
19/1/2010م، على مسرح دار الكتب الوطنية "بحلب"، وحضرها عدد كبير من الأدباء والمهتمين بالمسرح.