لفت صوتها انتباه إحدى الراهبات في مدرستها الإعدادية، فقامت الأخيرة بجمع بقية زميلاتها وطلبت منها الغناء، عندها بدأت الراهبات بالبكاء، وبعد ذلك أعلمت الراهبة أم الفتاة بموهبتها، وكانت بداية علاقة "تالار دكرمنجيان" بالغناء، أما الغناء الأوبرالي فبدأ من خلال الأستاذة "أراكس تشيكجيان" التي كانت مغنية الأوبرا الوحيدة في سورية كلها.
تقول "دكرمنجيان": «بعد أن سمعت صوتي وكان عمري آنذاك ثلاثة عشر عاماً أعلمتني أنني أملك أذناً موسيقية وخامة صوت جيدة، وعند وضوح معالم صوتي في السادسة عشرة من عمري، بدأت أتعلم وأمرّن صوتي، وبفضل الأستاذة "أراكس" تعرفت على هذا النوع من الغناء وتعلقت به، خاصة في ظلّ صوت "تشيكجيان" الملائكي الذي جعلني أذهب باكية إلى أمي بعد كل درس متسائلة متى سأستطيع الغناء مثلها؟. أي إن الغناء مثل أستاذتي أصبح هاجسي الكبير وعبرها أدركت أنني لا بد أن أكمل في هذا الطريق».
خلال سبع سنوات لم تقدم لي أي دعوة للغناء في بلدي سورية، كما أنني خلال فترة طويلة لم ألتق بالأوركسترا الوطنية التي تربيت فيها من أول أيام دراستي في المعهد العالي للموسيقا، وكنت مشتاقة جداً للغناء أمام الجمهور السوري لأعيد تذكيرهم بنفسي
ولذلك انتقلت هذه المغنية الشابة من "حلب" إلى "دمشق" وانتسبت إلى المعهد العالي للموسيقا وهناك تعلمت الصولفيج، إضافة إلى الآلات الموسيقية، والأوركسترا والغناء والمواد النظرية والعملية، وبقية الأمور التي ينبغي أن يعرفها الموسيقيون، وبعد تخرجها ذهبت للدراسة في ألمانيا وبلجيكا وهي الآن تتابع دراسة الصوت في ألمانيا، وعن هذه الرحلة العلمية قالت مغنية الأوبرا الحلبية: «في كلّ مكان قد نتعلم شيئاً جديداً، لكن كل المدارس تصب بنفس الاتجاه، ففي هولندا درست لثلاث سنوات وحصلت على درجة الماجستير، حيث درست الأوبرا وتعلمت كيف تؤدى الأغاني الكلاسيكية لمؤلفين مختلفين فرنسيين وألمان وإنكليز، كما تعلمت أداء المسرحيات الدينية التي تتحدث عن الإله، أما في بلجيكا فبدأت عندي الحياة العملية، وما يمكن أن أسميه مهنة الغناء الأوبرالي، حيث عملت مع مغني أوبرا كبار ومشهورين في العالم، ولديهم خبرة قد تفوق أحياناً الأربعين عاماً، وشكل هذا لي نوعاً من التوجيه، ليس فقط موسيقياً وإنما نفسياً وعملياً، أي إن هذه المرحلة كانت للدخول أعمق في مجال الغناء الأوبرالي، أما في فرنسا، وإيماناً مني بأن الصوت لا حدود له، وكي لا أتوقف عند حد معين، فأنا أتابع الآن مع أساتذة مختصين مراقبة صوتي وكيفية تطوره».
وعن تجربتها لغناء الأوبرا في أوروبا تقول "تالار": «الأمر يختلف إن سمعوني قبل أن يعرفوا أنني سورية أو بعد أن يعرفوا، ففي الحالتين ألقى التشجيع الكبير، لكن بعد معرفة جنسيتي أرى دهشةً كبيرةً على الوجوه واستغراباً في العيون، فهو شيء مستحيل بالنسبة لهم أن يسمعوا مغنية أوبرا سورية، لكن مع ذلك كانوا يتقبلونني بشكل ممتاز، فهذا النوع من الغناء هو جزء من ثقافتهم وحضارتهم وآذانهم معتادة على الاستماع له».
وتتابع "دكرمنجيان": «إن مغني الأوبرا هو مغني أوبرا مهما كانت جنسيته، لكن لا بدّ له من إتقان لغة الأوبرا التي يقدمها، ويجب عليه تقمص هذه الشخصية وفهمها وتحليلها، وكلّ إنسان يُعبّر عن هذه الشخصية من خلال مخزونه البيئي والعاطفي والإنساني، ويختلف كل شخص في رؤيته لهذه الشخصية، فالحزن مثلاً يختلف بين الحضارات، والشرق أكثر عاطفةً وعمقاً وصدقاً، والصوت والموهبة في الأوبرا مهمان جداً، وبالأهمية ذاتها هناك التمثيل، فإن كانت الموهبة صادقة فإن التمثيل يأتي بشكلٍ تلقائي، لكن هذا ليس كافياً، فالمسرح له قواعد وقوانين وحالات ينبغي على مغني الأوبرا أن يعرفها، وهذا ما شكّل الجزء الأكبر أثناء دراستي في الخارج فيما يتعلق بالحركة على المسرح وتعابير الوجه، فنحن عندما نغني نجسد شخصيةً درامية بحالاتها النفسية المختلفة، وفي الغناء الأوبرالي ليس هناك تفضيل للغناء أو للتمثيل على أحدهما، فكلاهما يشكل نواةً واحدة للغناء الأوبرالي».
وعن دورها في بطولة أوبرا "ساندريلا" للمؤلف "ماسنيت" على المسرح الملكي ببروكسل منذ عامين قالت "دكرمنجيان": «كنت سعيدة جداً بهذا الدور، خاصة أن كل الناس يعرفون قصة ساندريلا، لكن أداء هذا الدور تطلب مني الكثير من العمل، فهي تمرّ بأكثر من مرحلةٍ درامية، وأنا عملت بجهد لتأدية هذا الدور، حيث كنت أغني طوال فترة المسرحية، لكنني مع ذلك أحببت هذا الدور كثيراً واستفدت كثيراً منه وشكل لي متعةً كبيرة، فهو جزءٌ من أحلامي التي تحققت حيث أديت هذا الدور ثماني مرات في بروكسل كما قدمت ستة عروض في لوكسمبورغ».
شاركت هذه المغنية المتألقة منذ سنتها الدراسية الأولى في أوبرا "دايدو وإينياس" مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة "صلحي الوادي" على مسرح "بصرى"، لتعود بعد سبع سنوات إلى المشاركة في "مهرجان بصرى الدولي" على المسرح ذاته، محمّلةً بحنين كبير إلى المكان، وإلى المشاركة مع أولى الفرق التي تربت معها، لكنها مسلحةً بدراستها الأكاديمية وخبراتها المعمقة في مجال الغناء الأوبرالي، وبحنجرة تشبه عظمة هذا المسرح، وقالت عن هذه المشاركة التي شهدها العام الماضي:
«خلال سبع سنوات لم تقدم لي أي دعوة للغناء في بلدي سورية، كما أنني خلال فترة طويلة لم ألتق بالأوركسترا الوطنية التي تربيت فيها من أول أيام دراستي في المعهد العالي للموسيقا، وكنت مشتاقة جداً للغناء أمام الجمهور السوري لأعيد تذكيرهم بنفسي».
يذكر أن مغنية الأوبرا "دكرمنجيان" غنت مع المغني الأوبرالي "جوس فان دام" بحفلين أمام العائلة الملكية بالقصر الملكي ببروكسل، كما غنت بدبي في مهرجان جالا، إضافةً إلى غنائها في احتفاليات عالمية كمهرجان "فيكسن" و"مينتون" بفرنسا، و"موسان" و"والوني" و"آرس ميوزيكا" في بلجيكا، إضافة إلى مهرجان الموسيقا العالمية في أرمينيا.