اهتم الأديب "سمير طحان" بالتراث الشعبي منذ حداثة سِنّه وألّف العديد من الكتب التي أصبحت مضرب الأمثال، فهو صاحب "ولاويل بردى – الحكواتي الحلبي- هناهين قويق- القصاص الحلبي-الحالات وهو رواية في أصوات - العين الثالثة". ومنذ أيام وصلت نسخة كتاب ترجم له في أمريكا تحت عنوان "Folktales Fro Syria”، وهو ترجمة لكتابَيه الحكواتي الحلبي والقصاص الحلبي.
التقاه eِِAleppo في منزله الكائن بالطابق الثاني في حي نصف شعبي يسمّى النيال وكان لنا معه هذا الحوار حول حياته وهمومه ومؤلفاته واهتمامه العميق بالتراث الشفوي الحلبي المتناقل عبر تعاقب الأجيال.
أول كتاب :"ولاويل بردى"، والثاني : "التاميرا" الإسباني، والثالث: "هناهين قويق"، والرابع: "الحكواتي الحلبي"، وهو عبارة عن مجموعة من الأقاصيص الشعبية التي جمعتها من "حلب" وفصّحتها وقمت بطباعتها وبعدها طبعت الكتاب الخامس: القصاص الحلبي، وكنت سأطبع الحدوثاتي الحلبي لأنني كنت قد ميزت بين الحكاية والقصة والحدوثة ولكن نشب خلاف بيني وبين زوجتي وقضي على مشروعي لأنه لم يبق معي نقود لأطبع الكتب..
في اللقاء كان يرافق eAleppo الأستاذ "سعد الراشد" وكان يلازم "سمير طحان" أخوه "مروان" الذي كان طيلة فترة الحوار يقرأ في كتاب بعد أن قرّبه من عينيه ونظارته السميكة بحيث لم يكن يفصل الكتاب عن النظارتين سوى ما يقارب /3/ سنتيمتر.
في الحوار الذي دام أربع ساعات في الثامن من رمضان.. بكى "سمير طحان" وضحك وقلّد الأدباء في طريقة مخاطبتهم إياه، فأبكانا وأضحكنا معه، ولم ينته الحوار إلاّ بعد أن أخذ التعب منّا كل مأخذ، فلم نجد بدّاً (سعد وأنا) من الهيام في شوارع "حلب" القديمة والمغرب يؤذّن بحلول الظلام الذي بدأ يداهمنا ونحن مكتئبون من حالة محدّثنا الذي لم يجد من يعينه على مواصلة عطائه الأدبي، ولم يجد جهة ترعاه وتقدّر ما يعانيه من إصاباته البليغة التي داهمته وهو يدافع عن حياض الوطن.
خرجنا من داره وفي جعبتنا الحوار الآتي:
حديث حول الكتب..
** «هو مشروع بدأت به وأنا عمري عشر سنوات، حدث وقتها فيضان في "حلب" في سنة /1956/ أو/1957/. أخذنا جدي لنتفرج على النهر ولم يكن هناك وقتها كل هذه الأبنية، كان هناك مقابر السريان وكانت المياه قد غمرت قسماً كبيراً حول النهر تقريباً إلى جانب سينما الزهراء. عندما رأيت هذا الكم الهائل من المياه تعجبت من قوّتها وقال جدي لي وقتها: (الرجال.. منهدّيها.. والنار منطفيها.. بس المي وين منروح فيها) فالماء أقوى شيء. من هنا جاءت رغبتي خصوصاً بعد أن سمعنا أن تركيا أنشأت سداً على هذا النهر وبدأت مياهه تشح وصار عندي قناعة بأنه لا توجد حياة بدون ماء وهذه الكلمة موجودة في أحد الأساطير منذ ثلاثة آلاف سنة حيث يوجد إلهة اسمها (مي) وهي إلهة الري،
فـ"حلب" لم تكن لولا "نهر قويق" لأنه لا يمكن أن تبنى المدن دون مصدر ماء فأمنا "حلب" عندما انقطع عنها نهر "قويق" أصبحت يتيمة، هذه المدينة القديمة التي أعطت هذه الحضارة، أقدم مدينة في التاريخ.. وصرت أشعر وكأن سكاكيناً تطعن قلبي عندما أمرّ من جانب "نهر قويق" وأراه أصبح لرمي القمامة وتصريف المجاري فشعرت بهذه الأم التي هي مصدر الإخلاص والرعاية والعناية.. يحتقرونها بهذا الشكل.. يعاملونها بهذا الشكل.. من هنا بدأت الرغبة في الكتابة.
وكما تلاحظ الكتاب عبارة عن قراءة، يوجد دائماً حيوان ترابي.. إنسان ترابي.. جماد ترابي.. تتكون من العناصر، والأصل في النهاية يعود إلى الوالدة.. هذه المناجاة بين "حلب" البنت مع أمها قويق وكيف بعدها صارت بلا أم.. كتبت هذا الكتاب بحيث استنتج أو استنبط أشكالاً لغوية فصيحة من الأدب الشفوي لأن قناعتي أن الأدب الشفوي أغنى من الأدب المكتوب الرسمي لأن اللغة الشفوية تطورت، أما اللغة الرسمية فلم تتطور فصار من الضروري إذا أراد أحد أن يعبر بشكل دقيق فهو مضطر أن يستعين بأشكال شفوية فمثلاً عندما أقول ((عمباكل)) لا يوجد بالفصحى (عمباكل) فنفس الشيء بالنسبة للشعر عندنا (العدّيّة) وعندنا (الهنهونة)، حاولت أن آخذ هذه الأشياء وأستنبط منها أشكالاً جديدة بالكتابة».
** «هو نوع جديد اسمه الهنهونة أنا لا أكتب إلا بشكل جديد (ولاويل) هو شكل جديد و(الهنهونة) شكل جديد و(الحالات) رواية في أصوات أيضا شكل جديد في الرواية العربية والعالمية أيضاً، وهذه الرواية عبارة عن أناس ينقلون آراءهم ومن خلال هذه الآراء نعرض الأحداث دون أن يكون هناك سرد أو وصف وأيضاً (أرواح تائهة) جنس أدبي جديد... نستطيع القول بأن "هناهين قويق" بحث في (النكران)، نكران الولد لأهله.. نكران الحبيب لحبيبه، وهلم جرا، فهو سلسلة من (النكران). في الرواية التي تليها أعالج مشكلة (الفقدان) وهذا الكتاب كتبته بمشفى "المزة" بالذات وحاولت فيه تطعيم الأدب الفصيح بالشفوي والشفوي بالفصيح أو نقل التفاعل الحضاري بين الاثنين لأن الحضارة الشفوية يجب ألا تبتعد عن الحضارة الرسمية والحضارة الرسمية يجب ألا تبتعد أيضاً ويجب أن يكون هناك حوار وتبادل دائم فيما بينهما وهنا أرى بأن على مجمع اللغة العربية أن يقبل بكلمات كثيرة منها ((عمباكل)) ويقبل بكلمات تنتج عن تطور اللغة الطبيعي وهذا ما فعلته بهذا الكتاب، فمثلاً في المشفى الذي كنت فيه مصاباً كان هناك امرأة كانوا يسمونها (أم النشامى) استشهد لها ستة أولاد حيث كنت أنا في (تل حارة) استشهد خمسة قبل وصولي إلى المشفى والسادس في يوم وصولي وعندما رأتني مصاباً قالت لي: "ما في حدا يبكي عليك.. أنا ابني استشهد وذهب إلى الجنة.. وأنت ما في حدا يبكي عليك"، فتركت ابنها ونسيته وبدأت تبكي عليّ وتغنّي لي وأنا أخذت هذا الغناء فصّحته ووضعته في كتابي: حطيت راسي ونمت /حسيت اني مرعوبة /شبان متل الزهر /ع الجيش مطلوبة/ من فوق عالي الجبل/ ودقي يا مربوعة/ والطول حورة "حلب"/ وبالجولان مزروعة. وهناك الكثير من أقوالها كتبتها في الأغاني التي ألّفتها عن الانتفاضة في نشيد "باقيين" التي غنتها الفنانة "ميادة بسيليس" و"ميشيل أشقر". فصحيح أن هذا الأدب هو أدب شفوي ولكنه يجب ألا ينقطع عن الأدب الرسمي وأن يبقى التفاعل بينهما».
** «(ولاويل بردى) هو كله عبارة عن هذا التفاعل.. فمثلاً في الميجانا والعتابا تصورت أنني تزوجت ورزقت بمولود وأغنّي لولدي: يا ولدي ابكي وقـــــول يا بابا/ صروف الدهر خلت قلبي يبابا/ ويا ميت ألف مطران وبطرك وبابا/ ما يفتحون للنور بعيني بوابه.
فكل ولاويل بردى حاولت فيه أن أدرس هذا الأدب، أنا الآن فقدت بصري فحاولت أن أخرج القوى الثلاثة للغة من هذه التجربة ففي البداية تحاول أن تخلق لهذا الشخص عين أو يد عن طريق قوة الخلق لكنك لا تستطيع، تحاول بعدها بقوة الإفهام، يجب أن أُفهمه وضعه: يا فلان أنت الآن أعمى ولكن الإنسان ليس بعينيه.. تحاول أن تعزيه وتغنّي له وبذلك تكون بدأت بإخراج قوة اللغة في الخلق والإفهام والسلوى.. كله في هذا الكتاب».
** «أول كتاب :"ولاويل بردى"، والثاني : "التاميرا" الإسباني، والثالث: "هناهين قويق"، والرابع: "الحكواتي الحلبي"، وهو عبارة عن مجموعة من الأقاصيص الشعبية التي جمعتها من "حلب" وفصّحتها وقمت بطباعتها وبعدها طبعت الكتاب الخامس: القصاص الحلبي، وكنت سأطبع الحدوثاتي الحلبي لأنني كنت قد ميزت بين الحكاية والقصة والحدوثة ولكن نشب خلاف بيني وبين زوجتي وقضي على مشروعي لأنه لم يبق معي نقود لأطبع الكتب..».
** «رواية في أصوات هي تحويل الخاص إلى عام يقول أندريه: نقل التجربة إلى الوعي عمل إبداعي، أنا عشت تجربة متميزة في حياتي.. كنت أبصر.. صرت نصف أعمى.. صرت أعمى.. أحببت.. آمنت بمن أحب أكثر من اللازم كتبت لها كل شيء عندي.. خذلتني.
كل هذا شكّل تجربة يمكن نقلها من الخاص إلى العام، كتاب الحالات بدأت أكتبه بناء على هذه الفكرة، عندما بدأت زوجتي (تنشز) ولا أحب أن أقول كلمات (الخيانة.. والزنا...) أنا أحترم حرية الناس. جلبت أشرطة كاسيت وصرت أسجّل عليها خواطري، أنظم على طريقة السجع القديمة كل ما يحدث معي، في النهاية تجمعت لدي هذه الأشياء.. الكتاب ليس فيه سرد أو وصف، فيه حالات، كل شيء في العالم حالة.. أعتز بأنني ألّفت في جنس جديد.. في المستقبل أن يمكن ينشأ جنس جديد، ليس رواية بل أصوات وأنا مسرور لأن تدرس الرواية في "باريس" وتحت اسم رواية في أصوات..
أيضاً، يترجمون الهنهونة في بعض جامعات العالم، في "باريس" قال لي د. "عبد الكريم الحسن" وهو مدرس بجامعة تشرين قال: «في باريس يدرسون الهنهونات على أنها جنس جديد في الكتابة».