شاعر عرفته المنابر التي يعتليها صوتا جياشا تتفاعل أحاسيسه مع كل كلمة تنطق بها شفاهه، ليحلق بأحاسيسه بين أبيات القصيدة التي أذن لها أن تنطلق بين مسامع الناس، كيف لا وهو من يؤمن بأن القصيدة العربية كتبت لكي تُلقى على المنابر..
eSyria وبتاريخ (28/5/2009)م التقى الشاعر "علي صالح الجاسم" في حوار عن مسيرته مع الشعر والتي بدأها في إحدى حصص "الرياضيات" كما قال:
"شناشيل الضياء" عنوان لقصيدة لي نشرتها في مجلة الفيصل السعودية وكانت هي أول قصيدة أنال عليها مكافأة مادية. هذه القصيدة قريبة جدا من روحي، وكلمة "شناشيل" أخذتها من "بدر شاكر السيّاب" الذي له ديوان يحمل اسم "شناشيل بنت الجلبي"..
«بداياتي الأولى مع الشعر كانت في الصف الثامن وفي إحدى حصص الرياضيات، حينما كان المدرس يعطي الدرس كنتُ أخربش على الورق أولى كلماتي التي لا أعتبرها إلا خربشات طفولية. حملتُ هذه الخربشات لأسمعها لمدرس اللغة العربية لأفاجأ بسخريته مني مما جعلني أُصدم تاركا هذه الخربشات بعيدة عني.. وهنا أنتهز الفرصة لأقول لكل مربٍّ ومربيّة إذا ما اكتشف موهبة عند طفل ولو كان في الصف الأول أن يساعده ويرشده للطرق السليم.
أمّا بداياتي الحقيقية فكانت عند دخولي المرحلة الثانوية حيث تعرفتُ هناك على الصديق الشاعر "عبد السلام كنعان" الذي كان أول من أخذ بيدي وشجعني على كتابة الشعر، التقيتُ بـ "عبد السلام" وهو شاعر، كان يكتب القصائد ويسمعها للمدرسين فكانوا يكذبونه للموهبة والقدرة الكبيرة التي كان يمتلكها، وربما ذلك لأن "عبد السلام" وجد من يأخذ بيده ويرشده للطريق الصحيح.
في تلك المرحلة كنا أنا و "عبد السلام" من الرواد الدائمين للمركز الثقافي العربي في "منبج"، وكان إقبالي على القراءة حينها كالظمآن الذي وضع في بركة ما، وإذا أردتُ مقارنة قراءتي آنذاك وقراءتي اليوم لن تكون النسبة (1%). قرأت الكثير من الشعر حتى أن أكبر الدواوين لم يكن يستغرق مني أكثر من ثلاثة أيام..».
** «الشاعر الذي أخذ كل حواسي هو "المتنبي"، عندما وصلتُ إلى "المتنبي" أبهرني!، وكأنه جمع في شعره كل الشعراء الذين سبقوه، "المتنبي" شاعر كبير قد لا أتفق معه في كثير من المواضيع التي تناولها ولكن شعره أبهرني وكان يشدني إليه بقوة، فـ "المتنبي" يعطيك البيت ويدهشك إدهاشا كبيرا..».
** «لا أدري، وإذا قلتها فأنا صادق لأنني فعلا لا أدري، أشعر أني حينما آتي لكتابة القصيدة أني مُجبر كالذي يسحب إلى هذا الشيء عنوة، يحرضني شيء ما ولكن لماذا أكتب لا أدري. قد أكتب أحيانا متأثرا بحدث ما على الصعيد الوطني أو القومي أو الاجتماعي لأحرك الجماهير، ولكن لا أستطيع أن أقول لك أنني أكتب لإشباع رغبة داخلية لا أعرف خصائصها.. حينما أكتب القصيدة أشعر أنني كنت ميتا وقد حييت.
لا أقول أن القصيدة تكتبني كما يقول بعض الشعراء، بل أنا أكتبها وقد تأخذ مني وقتا طويلا، بعض القصائد أكتبها في جلسة واحدة وأخرى قد تستغرق عدّة أشهر، فالقصيدة ليست زمنية..».
** «علاقة الأب بأولاده.. القصائد عند الشاعر كالأولاد، منهم الأسمر والأشقر، القصير والطويل، القريب والأكثر قربا، وكلهم بالنسبة له يمثلون شيئا في الحياة. إلا أن تعاملي مع القصيدة يختلف عن تعامل الأبناء، فأنا قاسِ جدا على قصائدي، أكتب القصيدة ثم أعود إليها مراتٍ عديدة ولا مانع عندي من حذفها بالكامل، وفعلت ذلك كثيرا.
أذكر في إحدى ليالي الشتاء كنا نسهر أنا وبعض الأصدقاء فأسمعتهم قصيدة لي فلم تعجب أيّا منهم، حينها فتحت المدفئة وأحرقت القصيدة، حتى أن أحد الأصدقاء قال لي حسنا ما فعلت».
** «"شناشيل الضياء" عنوان لقصيدة لي نشرتها في مجلة الفيصل السعودية وكانت هي أول قصيدة أنال عليها مكافأة مادية. هذه القصيدة قريبة جدا من روحي، وكلمة "شناشيل" أخذتها من "بدر شاكر السيّاب" الذي له ديوان يحمل اسم "شناشيل بنت الجلبي"..».
** «بداياتي كانت مع الشعر القديم وحينها كانت رؤيتي تقليدية بدأت بكتابة القصيدة العمودية التي كنت متحيزا ومتعصيا لها جدا إلى درجة أنني كنت أرى شعر التفعيلة شيئا "تافه"، ولكن مع تقدم الزمن وكثرة قراءاتي واحتكاكي مع الآخرين تحولتْ نظرتي إلى الاعتدال.
وأقول الآن أن الأهمية في الكلمة التي تقدم شيئا جميلا سواء أكانت عمودية أم تفعيلة، أن يكون لها وقع رائع على المتلقي، فهناك رسالة يحملها المرسل إلى المتلقي ويجب أن تغلف هذه الرسالة بغلاف جميل سواء على الطريقة القديمة أو الحديثة، طبعا مع عدم اعترافي بقصيدة النثر..».
** «القصيدة العربية تكتب لكي تلقى على المنبر، المنبرية شيء ضروري وطبعا هذا الشيء ليس بالمطلق، وكما يقول الأدباء الإلقاء نصف القصيدة، وهناك من يقول أن القصيدة الحديثة ليست للإلقاء وإنما للنخبة وهناك جدل كبير بين النقاد والشعراء في هذا الأمر. أما أنا شخصيا فأعتبر أن القصيدة لا تكتب لكي توضع في الأدراج ويقرأها عدد قليل من المثقفين، بل أرى أن القصيدة تكتب للجماهير، المثقف والأمي، وطبعا هذا لا يعني أن نُقلِّب المنبرية على الأمور الفنية في القصيدة وما أجمل أن يوازن الشاعر بين المنبرية وما في داخل القصيدة..».
* ماذا عن المستقبل؟
** «بعد أن ذهبت إلى "الإمارات" للمشاركة في "أمير الشعراء" استطعت خلال الأيام القليلة التي أمضيتها هناك من أن أحتك بالعديد من الشعراء العرب ومن مختلف الدول هذا فتح لدي آفاقا جديدة أعطتني رؤية جديدة أحاول من خلالها أن أغير قصيدتي من الداخل، معتمدا على الصورة بشكل أكبر من التعبير..».
بقي أن نذكر أن الشاعر "علي صالح الجاسم" من أبناء مدينة "منبج"، مواليد (1972)م، خريج جامعة "حلب" كلية الآداب قسم اللغة العربية سنة (1998)م، نال المركز الثاني في مسابقة اتحاد الكتاب العرب فرع "حلب" سنة (1993)ن، والجائزة الثانية في مسابقة نقابة المعلمين عام (1994)م، يعمل مدرسا للغة العربية، له ديوان شعر مطبوع بعنوان "شناشيل الضياء" سنة (2001)م، ويحضّر الآن لديوانه الجديد "مسافر نحو الفجر".
ومن قصيدته "الوطن المحترق" نقدم هذه الأبيات:
دنْـدنْ علـى وتــر الأحــزانِ مُرْتَفقَــا / وسَـلْ أُجبْكَ فَهَـذا الحَـرفُ مَـا امْتُشِقََـا
يـا ســامرَ الليـلِ كـمْ ألـهبـتَ قــافيتـي/ يا سـامرَ الليلِ حتَّـى تحــرقَ الشَّــفـقَا
أَمَـا تـرَى أنَّنـي قـلـبٌ تُطِيـــحُ بِـــــهِ / أمـواجُـكَ الحمْـرُ ظمْــــآنـاً فَمَـا غَرقًـا
زوَّادتـي فـي الهـــوى نفـسٌ مـضمَّخَةٌ / ومقلــةٌ ضـيَّعتْ فــي دمعِهـا الطُّرُقََـا
بغــدادُ كــانتْ إذا أنََّـتْ لنـازلــةٍ / دمشـقُ تـأْرقُ حتَّــى تُــؤْرِقَ الأرقَــا
وقـاســيونُ أبٌ قـد حــنَّ لابنتِــهِ / فضمَّّّهَــا فغـفتْ دفئــاً فمــا افتـرقَــا
تـرى المــآذنَ مروانيّــَةً صدحـتْ / فيهــا وحسبُــكَ تكبيـــرٌ إذا انبثقَــا
واليـاسـمينُ كمــا تهــواهُ منعتـقٌ / مـن عطـرِهِ وهـوَ فيهـا ليـسَ منعتقَــا
فكلَّمـا قـد دخلـتَ الشَّــامَ منتشيــاً / تشـمُّ مـن عبـقِِ التَّاريــخِ مــا عبقَــا