لمدينة "حلب" عبر تاريخها الطويل مكانتها المتميّزة في مجال الرواية العربية فقد أنجبت "الشهباء" العديد من الروائيين الكبار الذين تركوا بصمة واضحة في مسيرة التطور الروائي في سورية والوطن العربي، ولهذا الجنس الأدبي تاريخ طويل وحافل في مدينة "حلب" بدأ بصدور أول رواية عربية في ربوعها.
في العدد 382-شباط 2003 من جريدة /الموقف الأدبي/ التي يصدرها اتحاد الكتاب العرب -"دمشق" يقول الأستاذ "محمد عزام" حول الرواية الحلبية: «لا يمكن الحديث عن الرواية في "حلب" إلا من خلال وضعها في سياقها المكاني ضمن الرواية السورية لأنها تستمد من نسقها وتعالج الموضوعات نفسها، إنّ أول رواية عربية صدرت لم تكن في "مصر" مع "محمد حسين هيكل" في روايته /زينب/ التي نشرها عام 1914 ولم يجرؤ على وضع اسمه عليها فاستبدله بـ"فلاح مصري" وإنّما انطلقت من "حلب" مع "فرانسيس المرّاش" الذي أصدر روايته /غابة الحق/ عام 1865 ثم أتبعها برواية /در الصدف في غرائب الصدف/ عام 1872».
لا يمكن الحديث عن الرواية في "حلب" إلا من خلال وضعها في سياقها المكاني ضمن الرواية السورية لأنها تستمد من نسقها وتعالج الموضوعات نفسها، إنّ أول رواية عربية صدرت لم تكن في "مصر" مع "محمد حسين هيكل" في روايته /زينب/ التي نشرها عام 1914 ولم يجرؤ على وضع اسمه عليها فاستبدله بـ"فلاح مصري" وإنّما انطلقت من "حلب" مع "فرانسيس المرّاش" الذي أصدر روايته /غابة الحق/ عام 1865 ثم أتبعها برواية /در الصدف في غرائب الصدف/ عام 1872
ويضيف: «لقد شهدت الرواية العربية في سورية خلال القرن العشرين نهضة عارمة تناولت شكلها ومضمونها وذلك بفعل التغيرات التي طرأت على المجتمع العربي بدءاً من اليقظة أثناء الحكم العثماني ومروراً بمعارك التحرير ضد الفرنسيين وانتهاءً بالحكم الوطني والثوري وقد أسهمت في هذا النهوض عوامل عديدة من أهمها: تنوّع المؤثرات الأجنبية ووفرة الترجمات الأدبية والتفاعل بين الآداب العربية الحديثة واستلهام التقنيات الروائية الغربية، وبالطبع فإنّ الرواية الحلبية هي فرع من شجرة الرواية السورية وقد قمت بإحصاء عدد الروائيين الحلبيين في النصف الثاني من القرن العشرين فوجدتهم أكثر من عشرين روائياً أصدروا أكثر من خمسين رواية».
وحول تطور مسيرة الرواية في مدينة "حلب" وتاريخها يقول الأديب والروائي "نزير جعفر"* لموقع eAleppo الذي زاره في منزله بمدينة "حلب": «في الحقيقة إنّ الباحث والمتتبع لتاريخ الحركة الروائية في "حلب" ورصد موضوعاتها وفضاءاتها واتجاهاتها الفنية تواجهه مجموعة من المشكلات أولها ندرة المراجع المطبوعة والدراسات المنشورة حولها، وثانيها هو ضياع الكثير من الأعمال الروائية المخطوطة أو التي نُشرت في طبعات محدودة، وثالثها الغموض الذي يحيط بتاريخ طبع عدد من الروايات وهوية كتّابها، ومع أنّ "حلب" حظيت بأول مطبعة في الشرق بالحروف العربية في العام 1702م وأنّ بعض الباحثين يعدون رواية /غابة الحق/ لكاتبها "فرانسيس المرّاش" الصادرة في العام 1865م أول رواية عربية فإنّ النتاج الروائي الحلبي الذي تمكنا من الوقوف عليه لا يتجاوز برمته مئة رواية من أصل سبعمائة هي كامل النتاج الروائي السوري حتى مطلع الألفية الثالثة».
ويضيف "جعفر": «يمكننا تقسيم مسار الرواية في "حلب" إلى ثلاثة مراحل هي: التأسيس والتأصيل والتجريب مستندين في ذلك على اعتبارات محددة هي تاريخ النشر والطابع العام الذي اتسمت به وكذلك الدور الذي أدته تلك الأعمال.
/مرحلة التأسيس/ وتمتد بين 1935-1960م وذلك إذا تجاوزنا الجدل حول روايات عصر النهضة وما تلاها من أعمال حتى ثلاثينيات القرن العشرين ومدى اقترابها أو ابتعادها من مفهوم الرواية، وأول كاتب يلفت انتباهنا في هذه المرحلة التي ترتبط باسمه هو "شكيب الجابري" من خلال روايته الأولى /نهم/1937 وبعدها /قدر يلهو/1937 و/قوس قزح/1946 و/وداعاً أفاميا/1960، ويأتي بعده "عبد الرحمن آل شلبي" الذي أصدر في هذه الفترة عدة روايات منها: /من المجهولة إلى مايا/1947 و/نشيد كولومبيا/1952 و/الحقيقة تبقى سؤالاً/1969 و/قبل أن تؤذّن الديكة/1971 و/الجائع إلى الانسان/1974.
ومن روائي هذه المرحلة أيضاً "صباح محيي الدين" في روايته /خمر شباب/1958 و"أدمون بصال" في روايته /شخصيات تمر وإنسان يعيش/، و"فاضل السباعي" في روايته /الظمأ والينبوع/-1959 وغيرها، ويُعد "السباعي" أحد الرواد من الجيل المؤسس الذي أغنى المشهد الروائي والقصصي في "حلب"».
ويتابع: «بعض روايات مرحلة التأسيس انشغلت بتصوير العلاقة بين الشرق والغرب من خلال قصة حب آسرة ومثيرة بين شاب وفتاة وما يتبع ذلك من اختلاف في العادات والتقاليد والعقيدة والثقافة فيما حفل بعضها الآخر بالمضامين الاجتماعية وتصوير حياة البسطاء ومعاناتهم عبر حبكة تقليدية تتابعية تخلص لعناصرها الثلاثة المتمثلة في البداية والعقدة والنهاية.
المرحلة الثانية -والكلام ما زال له- هي /مرحلة التأصيل/ وتمتد بين1960-1990، ففي مطلع الستينيات وإثر حركة الترجمة النشطة عن اللغات الأجنبية مثل الروسية والانكليزية والفرنسية برزت أسماء جديدة تأثرت بشكل أو بآخر بتيارات الرواية العالمية وبالنزعات الفكرية السائدة آنذاك مثل الوجودية والقومية والاشتراكية وأسهمت في تأصيل الجنس الروائي وإكسابه خصوصيته الفنية، ومع أنّ هذه المرحلة بدأت زمنياً مع رواية /غروب الآلهة/-1961 و/المحمومون/1965 لمحمد راشد و/المنفى/1962 لجورج سالم إلا أنها بسبب توقف الأول ورحيل الثاني أخذت أبعادها على يد كل من "أديب نحوي" الذي أصدر /متى يعود المطر/-1960 و"وليد إخلاصي" الذي أصدر /شتاء البحر اليابس/-1965 وقد استمر "نحوي" في تجربته الروائية حيث أصدر خمس روايات اتسمت بنزعتها الواقعية ومضامينها الوطنية والقومية التي تثمّن في شخوصها ونماذجها الإنسانية قيم الشهادة والحرية والكرامة وهي: /جومبي/1966 و/عرس فلسطيني/1970 و/تاج اللؤلؤ/1980 و/سلام على الغائبين/1981 و/آخر من شبه لهم/1991.
أما في روايات "وليد إخلاصي" فقد تباينت البنية السردية بين النزعة الواقعية والرمزية والرومانسية والأسطورية وحفلت بثنائيات الصراع بين المعرفة والاستبداد والجمال والقبح والحقيقة والوهم كما قدمت "حلب" بأبعادها الاجتماعية والتاريخية والعمرانية وبرؤية خاصّة ومتفردة منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم وبذلك يكون "وليد إخلاصي" شيخ شباب الروائيين الأغزر بين القدماء والمحدثين والأكثر استمرارا وانفتاحاً على آفاق الحداثة والتجريب الفني.
وتتالت التجارب الروائية في هذه المرحلة فكانت "جورجيت حنوش" من أوائل الأصوات النسائية التي اقتحمت هذا المجال ثم توقفت بعد أن صدر لها روايتان هما: /ذهب بعيداً/1961 و/عشيقة حبيبي/1964، كما ظهرت أسماء جديدة منها من توقف عن العمل مثل "عبد الرحمن حمادي" و"صبحية عنداني" و"علي مظفر سلطان" و"عبد الوهاب الصابوني" و"سعد زغلول الكواكبي" ومنهم من أصدر عملين أو ثلاثة مثل: "عبدو محمد" و"خالص الجابري" و"بشير فنصة" وبعضهم ما زال مستمراً حتى اليوم مثل "غازي حسين العلي" الذي حاول أن يقدّم من خلال أعماله تجربة جديدة تتكئ على الموروث السردي من ناحية وتسعى إلى الخروج من الأطر المدرسية لمفهوم العمل الروائي من جهة ثانية مما جعل أعماله مثار أخذ ورد بين عدد من القراء والنقاد، وأخيراً يجب القول بأنّ هذه المرحلة يتوّجها "نهاد سيريس" الذي عمل على تعميق النزعة الواقعية بأفقها المفتوح على شتى التجارب الفنية عبر سلسلة من الأعمال التي استعادت التاريخ المعاصر لـسورية و"حلب" بشكل خاص منذ حرب /السفربرلك/** وحتى اليوم وشكلت علامة في الرواية الحلبية والسورية عموماً».
وحول المرحلة الثالثة من مراحل تطور الرواية الحلبية يقول الأستاذ "نزير": «المرحلة الثالثة والأخيرة هي /مرحلة التجريب/ وتمتد بين 1990-2006 وتتميز بثلاثة خصائص هي: أولاً الإقبال المتزايد على كتابة الرواية من الجنسين ومن مختلف الأجيال بعدما كانت مقتصرة على الرجال ويُنظر إليها في بدايات عصر النهضة على أنها عمل مرذول وخاص بالسوقة من الناس، ثانياً ظهور اتجاهات جديدة على مستوى الشكل والمحتوى، ثالثاً تجاوز الروائيين الحلبيين حدود المدينة والقطر إلى فضاءات أوسع في البلدان العربية والأجنبية من خلال الترجمة والمشاركة في المسابقات والفوز بالجوائز.
هذه المرحلة يتصدرها كل من "محمد أبو معتوق" و"فيصل خرتش"، لقد أصدر الأول عدة روايات تتنازع مضامين أعماله ما بين التاريخي والمعاصر عبر نزعة عالية من التخييل واللعب باللغة والكلمات في إطار من السخرية التي لا تسعى إلى الإضحاك أو النيل من الآخر بقدر ما تثير الحوار والسؤال وصولاً إلى المعرفة والمتعة الفنية في آن معاً.
أما "فيصل خرتش" فقد صدر له أيضاً عدد من الروايات وهو يهتم بالعالم السفلي للمدينة وما فيه من تنوع اجتماعي وإثني وقد رصد التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها المدينة وما فيها من عادات وتقاليد وعمق تاريخي وتراثي وعمراني.
لقد شهدت هذه المرحلة تحوّل عدد من كتاب القصة القصيرة إلى الرواية مثل "نيروز مالك" الذي أصدر بعد تسع مجموعات قصصية روايته الأولى /زهور كافكا/ التي قدّم فيها تجربة خاصّة تقوم على الإيحاء والترميز وإدانة السلطة الأبوية من خلال تجربة الحب والمحنة التي عاشها بطل الرواية "جمال الحلبي" إثر سفره إلى "باريس"، ولدى "نيروز" أكثر من رواية مخطوطة تنتظر النشر منها /مم وشين/ التي يستلهم من خلالها بأسلوب ورؤية معاصرة ملحمة /مم وزين/ التي صاغها الشاعر "أحمد الخاني"، وهناك من جمع بين كتابة السيناريو والرواية مثل "خالد خليفة" الذي صدر له: /حارس الخديعة/1990 و/دفاتر القرباط/2000 و/مديح الكراهية/2006 حيث يحاول في هذه الأعمال الاقتراب من الممنوع وكشف المسكوت عنه على المستويين الاجتماعي والسياسي عبر نزعة غرائبية ولغة تتحرر من وظائفها ودلالاتها السردية المباشرة لتبني نسقها الخاص عبر انزياحات شاعرية تصل أحياناً إلى حد التهويم».
ويقول "جعفر" مضيفاً: «في هذه المرحلة ظهرت أسماء كثيرة صدر لبعضها عمل أو عملان لاقت اهتماماً واسعاً وبعضها نال جوائز محلية وعربية منها: /جمر الموتى/1992 لنضال الصالح و/الظهور الأخير للجد العظيم/1995 لزياد كمال حمامي و/اللامتناهي/1995 و/لوحة الغلاف/ و/جدران الخيبة أعلى/2002 لمها حسن و/بوابة المجهول/1996 لقاسم سيد حسن و/الكوبرا تصنع العسل/1996 للدكتور "أحمد زياد محبك" و/السبع الأشهب/1999 لنادر السباعي و/برزخ اللهب/1999 لغالية خوجة و/بداية كل الأشياء/2000 لمحمد بسام سرميني و/اختياراتي والحب/2001 لضياء قصبجي و/رحلة في الزمن العمودي/2001 و/الحمأ/2002 و/الغاوي/2003 لبهيجة مصري إدلبي و/حواف خشنة/2002 لعمر قدور و/للسنابل أن تنحني/2002 لفاديا شماس و/آه يا زمن/2002 لمعتصم سماقية و/الانكسار/2003 لعامر الدبك و/طوق الأحلام/2005 لمحمد شويحنة و/جبل السمّاق/2005 و/ذاكرة الرماد/2006 لابتسام تريسي و/قلاع ضامرة/ لعبد الرحمن حلاق و/حارة الباشا/2006 لكامل سكيف و/الحالات، رواية أصوات/2006 لسمير طحان».
ويختم الأستاذ "نزير جعفر" كلامه بالحديث عن المشهد الروائي المعاصر في "حلب" بالقول: «يُلاحظ في المشهد الروائي الحلبي المعاصر تنوّع الحقول التي ارتادتها هذه الأعمال ما بين التاريخ وترهينه والسيرة المستعادة وصور المدينة بأبعادها الاجتماعية والعمرانية والتراثية وأشكال الصراع المختلفة كما استمرت البنى الفنية الكلاسيكية إلى جانب أحدث موجات التجريب فنرى الواقعية تتجاور مع الرمزية والغرائبية والتسجيلية بين كاتب وآخر أو عند الكاتب نفسه أحياناً، وبالقدر الذي يبشّر فيه هذا المشهد ببروز أصوات وتجارب جديدة وترسيخ أسماء أصبح لها حضورها فإنّه لا يخلو من بعض السلبيات التي تتمثل في التهاون في اللغة وفي الميل إلى الانثيالات الشعرية التي تضعف بنية السرد وتحيد به عن مقاصده وفي الغموض المصطنع تحت ستار التجريب».
** كلمة السفربرلك: وتعني الحرب العالمية الأولى التي بدأت في العام 1914.