الشاعر والناقد "محمد كمال قجة" صاحب تجربة أدبية طويلة امتدت لأكثر من نصف قرن وذلك في مجالات الشعر والتربية والنقد وقد حققت هذه التجربة حضورها الفاعل في المشهد الأدبي ولتشكل مع باقي التجارب الغنية فسيفساء جميلاً يزين الساحة الثقافية في مدينة "حلب".
وللتعرّف أكثر على شخصية الشاعر "محمد كمال قجة" ونتاجاته الشعرية وتجربته الأدبية عموماً التقاه موقع eAleppo فكان الحوار التالي:
الأستاذ "كمال" شاعر يمتلك لغته وصوته ورؤيته ويجيد المعارضة الشعرية ويساعده على ذلك ثقافة متجذرة ومتجددة، هو يكتب الشعر الموزون بشكليه المشطور إلى شطرين والتفعيلة وأنا شخصياً أراه بالشعر العمودي
** لا شك أنّ الشعر هو نقد بحد ذاته ولكن الرؤية النقدية للشعر تنبع من الوجدان واللاشعور فهو –أي الشعر- يعبّر دائماً عن موقف فطري وإنساني من الأشياء المحيطة ومتضمناً عملية الرفض أو القبول لها فهو يرفض كل ما هو شر وقبيح وبشع وقبول كل ما هو جميل وإنساني، أما في النقد فالعلاقة مقننة وتتضمن الدراسة والبحث عن الأسباب والعلل وفق قواعد محددة.
** لاشك أنّ الأسرة المتعلمة والمثقفة هي عبارة عن ينابيع ثقافية وتربوية ينهل منها الشاعر أو الأديب منذ طفولته المعرفة والثقافة التي تساهم في تكوينه، وفي أسرتي لقيت منذ الصغر كل دعم وتشجيع، هذا أحد العوامل في تكويني الأدبي والعامل الآخر هو أنّ التعليم في أيامنا كان في الكتاتيب حيث كنا نتعلم قراءة وحفظ وتلاوة القرآن الكريم وكان لذلك أثر بالغ في بداياتي ومن ثم تطورت شخصيتي الأدبية مع الزمن من خلال المشاركة في الأنشطة المدرسية في المرحلة الابتدائية والتي أخذت تتطور أكثر في المرحلتين الإعدادية والثانوية أما في المرحلة الجامعية فقد رحت أصقّل مواهبي الأدبية بالمعرفة والخبرة من خلال حضور الأنشطة الثقافية والأمسيات الأدبية والنقدية.
** نعم لقد سافرت إلى "المملكة العربية السعودية" حيث عملت فيها موجهاً ومشرفاً تربوياً لدى وزارة المعارف هناك وقد قمت خلالها بنقل خبرتي وتجاربي الفكرية والأكاديمية والفنية من خلال مدارسها ومسارحها المدرسية عبر كتابة القصص والمسرحيات والأناشيد الخاصّة بالأطفال وكذلك عبر محاضراتي التربوية وتطبيقها في المجال العملي على المتخرجين من كليات التربية في "السعودية"، وقد أصدرت لي وزارة المعارف في المملكة ثلاثة دواوين شعرية هي /نفحات المجد/ و/الرؤيا/ و/حين يورق الفرح/ وهي دواوين تتناول قضايا تربوية وتوجيهية للطلاب نحو القيم والنجاح في الحياة وتنمية الروح الحضارية فيهم.
** في الحقيقة إنّ المضمون الإنساني العام لم يختلف في التجربتين ولكن توظيف الكلمة اختلف من تربوي موجّه للأطفال والطلاب في "السعودية" إلى الشمولية في الرؤية الإنسانية في "سورية" حيث تضمنت مجموعاتي الشعرية رؤية إنسانية عامة بغض النظر عن كون المتلقي طفلاً أو كبيراً أو أنثى فهي مكتوبة للإنسان بشكل عام دون اعتبار لجنسيته وهويته، فمثلاً إحدى مجموعاتي تتضمن مدحاً لشخصية "هوغو تشافيز" رئيس "فنزويلا" كما تضمنت بعضها الأوضاع في "غزة" و"لبنان" و"حلب" عاصمة الثقافة الإسلامية وهكذا.
** هناك مقولة شهيرة للشاعر والفيلسوف الألماني "غوتة" هي: /المذاهب رمادية ولكن شجرة الحياة خضراء دائماً/، فالمذهب في الأدب هو وليد ظرف اجتماعي أو سياسي أو حضاري معيّن والمعروف أنّ الظروف تختلف من وقت إلى آخر وإذا اختلف المضمون سوف يختلف الشكل أيضاً.
برأيي أنّ الذي يربط بين المذاهب جميعها هو الهم الإنساني العام فأي صرخة مدوية من "أبو علاء المعري" أو من "شكسبير" أو "همنغواي" /قديمة كانت أو حديثة/ هي بحد ذاتها تنقية للضمير الإنساني ومسح الشوائب عنه، فانا عندما أريد أن أكتب لا أقصد كتابة نوع معين من الشعر ولكني أقصد البوح فتتفجر الكلمات، بمعنى أنني لا أكتب الشعر أنما الشعر هو الذي يكتبني.
** لقد اختلفت وظيفة الشعر بحسب المعطيات الواقعية، فالإنسان ابن البيئة التي يعيش فيها وهي دائماً تحمل المتاعب والهموم والآلام، فقديماً كان الشعراء يقفون للاستجداء عند أبواب الخلفاء والسلاطين /مع أنّ الشعر القديم تضمن الكثير من البوح الإنساني العظيم/ لقد اختلفت تلك الوظيفة مع الزمن بحسب الوقائع المتجددة في كل عصر التي سيكون الشاعر صداها ومؤثراً فيها وبشكل طبيعي.
** ليس بالضرورة ذلك فهناك الكثير من الشعر العمودي قديماً وحديثاً عبرت عن معاناة الإنسان بصدق وفهم صحيح وكانت بذلك صدى لفعل إنساني كبير وعظيم وفي نفس الوقت هناك نماذج من شعر الحداثة بكل أنواعها رديئة ومتطفلة، بمعنى أنّه في كل عصر يوجد شعراء موهوبون لهم بصماتهم فالشعر برأيي هو شعر بغض النظر عن شكله، المهم هو هل ترك هذا النوع من الشعر أثراً أم لا؟ وهذا هو الأساس.
** لا شك أنّ الحركة الشعرية في "حلب" غنية وخاصّة من قبل الشعراء الشباب الذين يكتبون نتاجاتهم بالرغم من طغيان ثقافة الانترنت والحاسوب وغياب الكتاب من أيديهم ولدي حالياً كميات كبيرة من المجموعات الشعرية الشبابية التي أراجعها وادققها وأدرسها ولكن ملاحظتي لهم هو أنّ الحداثة تُبنى على الأصالة وإلا تبقى التجربة الأدبية هشة لذلك أطلب وأتمنى من شبابنا قراءة تجارب الشعراء المحليين والعالميين بشكل معمّق وكذلك قراءة تجارب باقي الأنواع الأدبية من قصة ورواية وموسيقا ومسرحيات وغيرها بهدف صقل المعرفة وترسيخ التجربة.
وبالنسبة للجيل القديم من الشعراء فمنهم من له تجربة طويلة وراسخة في المشهد الأدبي الحلبي امتدت لعقود من الزمن حيث تألقوا وأخذوا أدوارهم في الساحة وهناك من سقط لأنه إما كان بالأصل دخيلاً على الأدب أو أنه يملك موهبة غنية ولكن الظروف الحياتية أبعدته عن الساحة فتوجه باتجاهات أخرى ولكنه ظل من الأصدقاء الأوفياء للأدب.
** إذا كان هناك شعر يميل إليه الحلبيون بشكل عام فهو ما يمكن أن نسميه شعر الطرب الأصيل وهو الشعر المدوّن في الذاكرة الحلبية فكبيرهم وصغيرهم في الكثير من اللحظات يرددون وصلات من القدود الحلبية ومن التراث الحلبي القديم، إضافة إلى ذلك هم يميلون إلى القصائد التي تعبّر عن تجربة إنسانية ووطنية وحفرت في الذاكرة أخاديد كبيرة ومن هذه القصائد والأناشيد حماة الديار –موطني– في سبيل المجد– وغيرها من الأناشيد الوطنية السورية والعربية.
وحول تجربة "كمال قجة" الشعرية وحضوره في المشهد الثقافي الحلبي سألنا الشاعر الأستاذ "محمود أسد" فقال: «الأستاذ والشاعر "كمال قجة" شاعر من شعراء "حلب" عمل على شق طريقه منذ بداياته حيث كان في الجامعة ولكن انشغاله بالسياسة والنشاطات الطلابية والنادي السينمائي ويضاف إلى ذلك غربته الطويلة في "السعودية" أبعدته عن الساحة، ومع عودته منذ سنوات عاود إطلالته في الأندية الثقافية وفي الصحافة والنشر لمجموعاته».
وأضاف: «الأستاذ "كمال" شاعر يمتلك لغته وصوته ورؤيته ويجيد المعارضة الشعرية ويساعده على ذلك ثقافة متجذرة ومتجددة، هو يكتب الشعر الموزون بشكليه المشطور إلى شطرين والتفعيلة وأنا شخصياً أراه بالشعر العمودي».
بقي أن نذكر أنّ الشاعر "محمد كمال قجة" هو من مواليد مدينة "حلب" في العام 1951 نشأ في أسرة متعلمة ومثقفة ومارس الشعر منذ طفولته حصل على الشهادة الابتدائية في العام 1964 والإعدادية 1967 والثانوية 1970 وتخرج من جامعة "حلب" قسم الأدب العربي في العام 1975، له ستة دواوين مطبوعة ثلاثة منها في "السعودية" هي: نفحات المجد/ –/الرؤيا/ –/حين يؤرق الفرح/ إضافة إلى مسرحيات تربوية ومنهجية ومقالات ودراسات تربوية، وثلاثة دواوين في "سورية" وهي: /أسرجت خيلك أين العبور؟/-/فراشة الليل/ –/أوراق على رصيف مهجور/ وله قيد الإعداد والنشر أناشيد للطفولة ودراسات نقدية في للأدب.