هو من شعراء مدينة "حلب" المعروفين ذوي الحضور المميز في المشهد الثقافي الحلبي والعربي، أكثر من ربع قرن قضاها في الكتابة عن عشقه وحبه لمدينته الشهباء، إضافةً إلى مشاركاته الأدبية الفاعلة في الكثير من المناسبات التي أقيمت في العديد من الدول العربية والعالمية.
موقع eAleppo التقى الشاعر "محمود أسد" ليحدثنا عن تجربته الأدبية الطويلة إضافةً إلى مواضيع أدبية أخرى تهم المتابعين للمشهد الثقافي في "حلب"، فكان الحوار التالي:
** نشأتي هي نشأة شعبية بحتة فقد كانت ولادتي في حي شعبي من أحياء مدينة "حلب" هو حي "السكري" ودراستي أيضاً كانت كذلك فقد درست في حي "الكلاسة" وذلك بسبب عدم توافر المدارس في "السكري" ومن ثم تابعت في حي "الجلوم" وبعدها في حي "باب قنسرين".
** بالنسبة لي فإنّ البيئة الشعبية التي نشأت وترعرعت فيها أشبعتني بالعفوية والبساطة والحب حيث العادات والتقاليد الجميلة والقصص الشعبية البسيطة التي ترفد الشخص لاحقاً بالذكريات الرائعة والمحبة للتراث والثقافة الحقيقية /الشعبية/ التي يحتاجها كل شاعر وأديب خلال حياته الأدبية، باختصار البيئة الشعبية هي الأغنى بالتجارب وهي المنهل لكل أديب باحث عن الإبداع وما زلت إلى اليوم أجول مطولاً في شوارع "حلب" القديمة وأحيائها بحثاً عن عبق الماضي والأصالة والتراث، كما أنني كثيراً ما أجلس في "قلعة حلب" لأتأمل الأحياء والشوارع القديمة كي أكتب قصيدة.. فتلك الحارات والأزقة والشوارع التي تمثل بيئتي الشعبية هي مصدر إلهامي في الكتابة، وأخيراً يجب ألا ننسى بأنّ إلهام الروائي العربي الكبير "نجيب محفوظ" في إبداعاته الغزيرة كانت الحارات والأحياء الشعبية في مصر.
** إضافةً إلى نشأتي الشعبية كما قلت قمت بقراءة القرآن كاملاً وذلك قبل دخولي للمدرسة الابتدائية في العام 1957 وذلك بناءً على طلب والدي وإلحاحه وأذكر أنه حينها دفع مقابل ذلك ستين ليرة رغم الحاجة الكبيرة في تلك الأيام، إضافةً إلى ذلك فقد قرأت في مرحلة مبكرة من عمري السير الشعبية والنبوية والروايات المتنوعة وقد ساهمت كل هذه العوامل في تكويني الأدبي.
** بين عامي 1978 -1981 قمت بتدريس مادة اللغة العربية في معهد لإعداد المدرسين في الجزائر وقد استفدت كثيراً من تلك التجربة لأنّ المعهد الذي كنت أدرّس فيه كان حينها حديث العهد حيث قدم منهاجاً دون كتب فدفعني ذلك إلى البحث في المراجع والكتب وبالتالي كثرت اطلاعاتي وزادت معارفي، وهنا أود أن أذكر بأنني وفي العام 1978 شاركت في حفل تأبين الرئيس الجزائري "هواري بو مدين" في مدينة "الجلفة" بقصيدة أذيعت حينها في الإذاعة الجزائرية.
** في العام 2002 شاركت في مهرجان الرمثا العاشر في الأردن للشعراء العرب وفي العام 2009 شاركت في مهرجان الشعر الإسلامي في إيران وفي شهر نيسان من العام الحالي شاركت في الأسبوع الثقافي السوري في العاصمة الاسبانية مدريد بمناسبة أعياد الجلاء.
** نعم، أنا أتحفظ على ما يُسمى قصيدة النثر وهذا من حقي طبعاً مع احترامي لكتبتها الناضجين فنياً رغم أنّ التسمية برأيي لا تقدم ولا تؤخر فهناك نصوص نثرية أكثر إبداعاً وأجمل فنيةً من كل القصائد الموزونة والعكس صحيح.
أنا أتحفظ على التسمية كجنس فالشعر شعر والنثر نثر ولا يتفوق أحدهما على الآخر إلا بالفنية ولابد من معيار يميز الشعر عن النثر وهو برأيي الوزن فالوزن هو متكأ القصيدة التي لا تسمو إلا بالفنية، لذلك أعتبر النثر نص جميل دون أن أعطيه مواصفات الشعر، حتى إنني أعتبر الشعر العمودي الخالي من الفنية والصور بأنه نظم شعري، الأمر فقط يتعلق بتصحيح المصطلحات فأنا لست ضدها كنص فني ولكني لست معها في تسميتها شعراً.
** أولا أنا مع أي جديد يظهر على الساحة الثقافية ولكن هذا الجديد لا يعني بالضرورة أنه دائماً جيد وحسن، برأيي النصوص التي تُكتب هي الكفيلة بجذب الناس إليها أو النفور منها، القصة القصيرة جداً هي ظاهرة عصرية وأنا لا أدافع عنها ولكني أخشى منها وعليها، أخشى منها لأنها تجعل الأمور سهلة وتختصر الواقع المعيش وتكثفه وقد كتب الكثيرون /في البدايات/ طرفة أو حكاية أو مثلاً واعتبروها قصة قصيرة جداً، كما أخشى على الأجيال القادمة منها لأنها لا تعطيهم الجملة الفنية المنبسطة البليغة وبالتالي افتقارها إلى الشاعرية والجمالية اللغوية.
** الملتقى الثامن للقصة القصيرة جداً الذي أقيم مؤخراً في مدينة "حلب" أسس لفعل جماعي بين الأشقاء العرب وأملنا كبير بالمتابعة والاستمرار فيه ومد يد العون من الهيئات الحكومية لأنه مرتع خصب ومبعث للحوار، المستويات فيه أخذت تتطور والندوات إحدى منجزاته وتكريم القاص الراحل "أحمد دوغان" مبادرة طيبة فيه.
** النقد بشكل عام هو آلية فعالة يفتح للآخرين فسحة للحديث وتوضيح الأمور وتقديم الأجمل، النقد برأيي له جانبان: جانب معرفي ذوقي موضوعي ووجداني وهو مبعث السرور والأمل لدينا إن توافر وهو بكل أسف قليل في المشهد الثقافي الحلبي، والجانب الآخر مردوده عكسي تماماً لأنه يشوّه ويخالف المنطق ويعادي الحقيقة ويغدر بالذوق وهو- وللأسف- موجود بكثرة في المشهد الثقافي في المدينة، ولذلك ابتعد الناس عن الحضور والمتابعة لأنهم ببساطة يبحثون عن الصدق.
هناك من يقول إن الأدب ناقد نفسه وهذه المقولة برأيي واردة إلى حد كبير وأعتقد أنه بالتجربة والتريث يستطيع الأديب أن يرسم مساره ويقرأ نتاجات الآخرين بوعي عندها يستطيع التمييز بين النقد الموضوعي والمصلحي.
* والمشهد الشعري؟
** المشهد الشعري في إطاره الوظيفي والدوائري /نسبة إلى الدائرة/ يبدو هزيلاً وجامداً دون حراك فالأنشطة روتينية وهي تقام أصلا كرفع عتب والقائمين على هذه الأنشطة بشكل عام هم موظفون في الدوائر، إنّ إجراء استفتاء للأنشطة في المراكز الثقافية يعطيك واقع المشهد الثقافي بدقة.
أما بالنسبة للمشهد الثقافي كعلاقات ونشاطات ذاتية فهو جيد وهي تُقام أساساً بالجهود الخاصة والشخصية للأدباء مثل حفلات إصدار الكتب وملتقيات القصة القصيرة جداً لثماني سنوات في "حلب" والسهرات الرمضانية الثقافية وغيرها وكلها مبادرات فردية.
هذا المشهد برأيي يحتاج إلى الكثير لتنشيطه وتفعيله وفي مقدمته مد يد العون له على مستوى النقابات والمحافظة ومجلس المدينة والفعاليات الاقتصادية /رجال أعمال/، وبالنسبة لرجال الأعمال أقول لهم يجب أن يكون لهم دور فاعل وكبير في تفعيل الحركة الثقافية كما يجب عليهم دعم الثقافة على غرار دعمهم للرياضة وتبنيهم للأندية الرياضية وذلك من خلال رعاية الأنشطة الثقافية وتبني مطبوعات الكتاب والأدباء المهتمين بحلب، ومن اقتراحاتي أيضاً الموافقة على إصدار دوريات ثقافية جديدة حيث لا توجد في مدينة "حلب" سوى دوريتين هي: الكلمة والضاد، وأخيراً أريد التذكير بالدور البارز والفاعل الذي تقوم به إذاعة وتلفزيون حلب في مواكبة الأنشطة الثقافية المختلفة في المدينة وتقديمها بشكل مباشر في الكثير من الأحيان.
** لقد حصلت على العديد من الجوائز التقديرية والتكريمية أهمها: جائزة المقالة الأولى على مستوى سورية من قبل المكتب التنفيذي لنقابة المعلمين وجائزة المركز الثالث في مسابقة نقابة المعلمين الشعري في سورية وجائزة المركز الأول في القصة من المركز الثقافي في معرة مصرين في ادلب والجائزة الأولى في مسابقة صحيفة /الاتحاد/ الإماراتية على مستوى الشعر /مناصفةً/ والمرتبة الأولى بمناسبة حلب عاصمة الثقافة الإسلامية 2006 /مناصفةً/ وأخيراً المرتبة الثالثة في مسابقة مجلة /تراثنا/ الإماراتية.
يُذكر أنّ الشاعر "محمود محمد أسد" هو من مواليد حي "السكري" في "حلب" العام 1951 يحمل إجازة في اللغة العربية، صدر له ست مجموعات شعرية هي: قطاف المواسم 1997- اعترافات برسم القلق 1998- نزيف الأرصفة المتعبة 1999- أحزاني تعلن العصيان 2000-من مقامات العشق الحلبي 2009- تراتيل للموت المقدس 2010 وصدر له في العام 2006 كتاب /قراءة في الإبداع الأدبي الحلبي/ بمناسبة حلب عاصمة للثقافة الإسلامية وهو عضو مؤسس ومساهم في كتاب / من أدباء حلب في النصف الثاني من القرن العشرين/ والذي صدر منه أربعة كتب وهو أيضاً من الأعضاء المؤسسين لملتقيات القصة القصيرة جداً في "حلب"، يكتب في الدوريات المحلية والعربية.