من عوالم "حلب القديمة" وبساطة الحياة فيها وصدقها، خطّت "هبة ماردين" أولى أحرفها الشعرية لتكون بحارة في عالم الإحساس والكلمة الرقيقة التي تنساب إلى القلوب لتبحر من جديد في عالم الإحساس، وهنا نرى في أشعار "هبة ماردين" العاطفة التي قد تظهر أحيانا حزينة لكن حزن العاطفة قد يكون بداية لنهاية الأحزان.
ولنترك "هبة ماردين تتحدث أكثر عن مشوارها في الأدب من خلال حوارنا معها في eAleppo ولتكون الانطلاقة حديث البدايات، فتقول:
اختلجت روحي بين ذراعيك.. ## في أعماق ضلوعك دفنت ## عبرات روحي ## وعلى كتفك سكبتُ دموعي.. ## حباً لكَ.. ## بل خوفاً من فراقك.. هنا ارتميت على صدركَ الدافئ ## وأمطرت عيناك فوق وجهي.. ## فتفتح الياسمين
** الشاعر لا يكتب حتى يقرأ ويغذي فكره بالكلمات الكثيرة ليستنبط فيما بعد مما قرأه كلماته، عشقتُ الشعر مما قرأتُ من الكتب وكان مستواي الجيد في اللغة العربية أحد أسباب تعمقي في الأدب ففي المدرسة كنتُ من المتفوقات في مادة اللغة العربية، حيث إنني كنتُ أجد المتعة في شرح القصائد وكتابة مواضيع الإنشاء، ما لفتَ انتباه مدرسيّ اللغة العربية لذلك.
قرأتُ كثيراً لعدة أدباء وأكثر ما أحببتْ كتابات الأديب العالمي "جبران خليل جبران" أعجبتُ بحواره مع الطبيعة وصوره الجميلة ومحاكاته للنفس بكل رهف، قررتُ الكتابة في المرحلة الثانوية فكتبتُ بحثا اجتماعياً عن زواج الأقارب ومخاطره، وآخر عن المراهقين وكيفية التعامل معهم. ثم كتبتُ الخاطرة وكانت أولى مشاركاتي في رابطة "زكي الأرسوزي" لاتحاد شبيبة الثورة التي احتضنتني لعامين /2002-2004م/.
ثم تطورت مشاركاتي خارج نطاق الشبيبة شاركتُ في العديد من المنابر الثقافية مثل النادي الفلسطيني العربي ونادي التمثيل العربي اتحاد الكتاب العرب ونادي صف ضباط حلب والعديد من المهرجانات والمسابقات الأدبية».
** الأديب "أحمد بالو"، هذا الرجل الطيب له فضل كبير عليّ، فهو مَنْ عرفني على الأدباء والأديبات وهو مَنْ ينظم أمسياتي ويرسل قصائدي إلى الصحف كما أنه ضمني إلى ناديه الراقي نادي "عشتار" الثقافي، إنه حقاً يستحق كلَّ احترام وتقدير. وهو من دعاني لأول أمسية لي في نادي التمثيل».
** الأديب الراحل "أحمد دوغان" عرّابي وأبي الروحي- رحمه الله- لا تسعني الأبجدية لوصفه، إنه أطيب رجل قابلته، علاقتي معه كانت علاقة الورد بالماء إذا ما ارتوى ذبل. بداياتي معه كانت من خلال حضوره كناقد في أمسيات اتحاد شبيبة الثورة حيث حضر أول مشاركاتي، قدمتُ خاطرة "بلا عنوان" أعجب بها كثيراً وبالصور التي احتوتها وأعجب بإلقائي لكوني أول مرة أقرأ.
لا أنسى ذلك اليوم ما حييت حين أشار إلي قائلاً: أنتِ يا ابنتي تستحقين لقب شاعرة المستقبل فما سمعته منك أطربني وأكثر ما أعجبني أنكِ تحتفظين بكتاباتكِ داخل كراس، كراسكِ الذي تحملين أعطاني صورة عن استمرارك في طريق الأدب، فالكاتب حين يكتب على أوراق ويرميها بعد أيام لا يصبح أديباً..! وطلب مني أن أنشر في الصحف.
** أكتبُ الشعر النثري ولي بعض القصائد لكني ما وزنتها بعد، لذلك لم أقرأها في أي منبر ثقافي. والسبب أني عرضتها على الأديب "أحمد دوغان" فقال لي: لا تدخلي بحور الشعر كي لا تغرقي فيها، كتاباتكِ تمتاز بالحس المرهف والحرية، ساحتك واسعة لا تضيقيها بالوزن، فالوزن يقيد قلمك الحر ويخنق شفافية روحكِ، فأنتِ تكتبين أحاسيس وليس كلمات، وفعلاً أرى في النثر حرية أكبر فأنا أستخدم ألفاظاً سهلة يفهمها الجميع، لا أحب أن أكتبَ مفردات يضيع القارئ في البحث عن معناها لكني أحاول أن أكتب القصيدة الموزونة.
** ملهمي الوحيد هي الحياة، والمعاناة، ألمي يجر قلمي للكتابة، وحيي هو حبي للآخرين والدخول لأعماقهم وقراءة مكنوناتهم وتصوير معاناتهم. ليس كل ما أكتب يحكي حياتي الشخصية وهذا ما أعانيه مع النقاد فهم يفهمون كتاباتي على أنها تحكي عني كلها. أنا أكتب عنكَ وعنها وعنه وعن الوطن وحتى أشياء خيالية لا وجود لها. لا أنكر أن هناك بعض القصائد التي تحكي "هبه" وأنا أحبهم جداً. أما إلهامي فقد يكون من قصة تجري أمامي أجسدها في كتاباتي أو أحد الأشخاص قد يروي لي مكنوناته فأصورها له بقصيدة.
أما البيئة فلها أثر كبير على نفس الشاعر مما تحمله من سحر ومعاناة ومفاجآت حتى الطبيعة توحي للشاعر ما توحيه للفنان التشكيلي فكما يسكب الفنان مشاعره في لوحة، يسكب الشاعر مشاعره في القصيدة. أنا من مدينة "حلب" أسكن في حلب القديمة، من عائلة بسيطة معاناتها كثيرة معاركها مع الحياة القاسية كبيرة، أسكن في بيت عربي له فسحة جميلة ملأى بالأشجار والأزهار، أستوحي من بزوغ الفجر وزقزقة العصافير وحفيف الأشجار وسكون الليل ودندنات المطر الكثير من المفردات أسكبها فوق سطوري.
** هذه الأندية لم تؤثر بشكل مباشر على حياتي الشعرية لأني مستمرة في طريق الأدب بها ومن دونها، لكنها تمنحني شيئاً من السرور، فشهرتي لم تأتِ من وراء الأندية الثقافية التي انتسبتُ إليها، شهرتي كانت بكلماتي وما ذاك غروراً إنما هذا هو الواقع، الأديب أحمد دوغان لم يترك مجالاً لأي نادٍ ثقافي أن ينتشلني من بلاطه.
** وجودي بين كوكبة من الأدباء الكبار والنقاد يشعرني بفخر كبير ممزوج بالقلق، وقوفي أمام نخبة من الأدباء الكبار ترتعش له روحي صدقاً أشعر بأن قلبي يرتعش خوفاً وسعادة معاً. إنه لشرف كبير لي أن أكرم وسط نخبة من الشعراء الكبار مؤخراً في مديرية الثقافة بحلب من بينهم الشاعر "جميل حافظ" والأديبة "سها جودت" وآخرون وحينما كرمت في العام الماضي وسط نخبة من الشعراء من مختلف المحافظات أصغر شاعرة سناً بينهم.
** لا أظن أن كل أنثى تحمل في طيات روحها هذا اللون من الحس، ربما كما ذكرتُ سابقاً حبي اللا متناهي للآخرين وغوصي في أعماق الناس يضفي على كتاباتي هذا اللون وهناك سبب آخر وهو أني أهدف للدخول لأعماق قرائي دون أن يتذمروا، لكن اسمح لي أنك نسيت أن الحزن هو أكثر شيء يغلب على كلماتي حتى إنني حين ألقي القصيدة تدمع عيناي باللاشعور وحتى إن الأدباء والحضور تدمع عيونهم حين سماعهم كلماتي وقد ذكر ذلك أكثر من ناقد وأديب.
** كل شاعر يطمح للعلياء وأنا أطمح ألا يؤثر الشعر على حياتي مستقبلاً وأن أحيا حياة هادئة وأن يلمع اسمي في سماء الشعر كما "جبران" و"أحمد دوغان" و"ابن الفارض" و"نزار" وغيرهم، كما آمل بأن أكون عضوا في اتحاد الكتاب العرب.
الأديبة "سها شريّف" تقول: «"هبة ماردين" شاعرة قادمة بثقة تحمل صدق الأنوثة العاشقة. لها خصوصية متميزة في التعبير عن الذات الأنثوية. والقصيدة عندها لحظة بوح صادقة وجياشة. أحاسيسها متوهجة للإبداع. تنسج من ألمها حكاية. لغتها تفيض حيوية وإن كانت في كثير من الأحيان تقترب من المباشرة. تستخدم الصور التي تخدم نصوصها. كان للمرحوم "أحمد دوغان" دور كبير في احتضان موهبتها وصقلها. واستطاعت أن تثبت وجودها بحس ومسؤولية».
الفنان والباحث المسرحي "هلال دملخي" يقول: «الحديث عن الشاعرة "هبه ماردين" يعني الإبحار معها في عالم مرهف الأحاسيس، مملوء بالشعور والعاطفة، تتعانق في محرابه أنات ناي حزين.. وصلوات عشق صوفي.. هذه الشاعرة الشابة الواعدة والتي سمعتها غير مرة في نادي التمثيل العربي للآداب والفنون تبشر بولادة شاعرة متمكنة من أدواتها.. وقد اعتلت صهوة الساحة الأدبية بكل ثقة وإقدام تميزت قصائدها بالروح العالية المتوثبة، وبالقدرة على إبراز خلجات النفس وتدفق الشعور ورهافة الحس».
بقي أن نذكر أن "هبة ماردين" من مواليد حلب 1982م من جذور من مدينة "ماردين" التركية، تدرس القانون في كلية الحقوق جامعة حلب. عضو مجلس إدارة نادي "صدى حواء" الثقافي. عضو في نادي "عشتار" الثقافي. بدأت الإبحار في عالم الشعر عام 1997م تنشر في العديد من الصحف والمجلات مثل الجماهير، المسيرة، الثقافة. لها العديد من المشاركات في المنابر الثقافية الحلبية، والعديد من المسابقات والمهرجانات. كرمت أكثر من مرة، وآخرها في مديرية الثقافة بحلب في مهرجان أيار الأدبي.
صدرلها كتاب "التدخين بين الحياة والموت" ولها قيد الطبع كتابين "وجه في الظلام" و"صدى حواء".
ومن قصيدتها "غياب" اخترنا:
«اختلجت روحي بين ذراعيك..
في أعماق ضلوعك دفنت
عبرات روحي
وعلى كتفك سكبتُ دموعي..
حباً لكَ..
بل خوفاً من فراقك..
هنا ارتميت على صدركَ الدافئ