لم يفكر يوما بأن يكون له مشروع أدبي معين رغم أنه يكتب الشعر منذ سني الشباب الأولى. فطالما تناثرت أوراقه، وتمزقت كثيرا، واندثرت قصائد عدّة، فحتى جمع قصائده التي يكتبها لم يكن يوما مثيرا لاهتمامه، وربما لان القصيدة عندها تنتهي لحظة سماعها.
هو الشاعر "علي عبود المناع" الذي جمعه موقع eAleppo لقاء أدبي يسرد لنا في مطلعه بديات تعلقه بالشعر واهتمامه به، فيقول:
دفنت السر في صدري/ فما وسعت مساحاتي أطل برأسه حنقا / وشق الصمت في ذاتي دموع العين تنسجها / وراء الشمس آهاتي لتلهب في ملوحتها / على مهل جراحاتي تحوك في مغازلها / خمارا من مصيباتي فيبكي القلب من دمه / على أنغام مأساتي أرقت العمر مغتربا / بليل الظلمة الشاتي أتنكرني جنى عمري / لقد ضاعت حساباتي
** كان ذلك في المرحلة الثانوية وليس من خلال مدرس اللغة العربية كما جرت العادة، وإنما تأثرا بمدرس اللغة الإنكليزية الأستاذ "حمادة الحمادة"، الذي اعتبره المحرض الأول لدخولي عالم الأدب. تأثرت كثيرا بالأبيات الشعرية التي كانت تتخلل الدرس، وما زالت أبيات الشاعر الكبير "بدر شاكر السياب" تلامس وجداني. فسماعي لتلك الأبيات دفعني لاستعارة ديوان "السياب" وقراءته، ومن ثم ليزداد حبي للشعر وتعلقي به فكنت حريصا على متابعة جميع البرامج التي تهتم بالشعر والتي تبثها الإذاعة، وزادت زيارات للمركز الثقافي واستعارتي لدواوين الشعراء.
أما كتاباتي التي اعتبرها شعرا حقيقيا فقد كانت في سنوات الجامعة الأولى لكني للأسف لم أكن مهتما بتجميع أشعاري أو نشرها حتى عام 2002 عندما كنت أعمل مدرسا للغة العربية في دولة "الإمارات" حضّني زملائي على الاهتمام بما أكتب ونشر قصائدي، وفعلا بدأت ذلك فصرت أنشر ما أكتب في العديد من الصحف والمجلات الإماراتية.
** ربما لأني لم أفكر يوما بامتهان الشعر، فكتابة الشعر عندي لا تتعدى كونها هواية أفضي من خلالها ما يجول في خلدي من مشاعر مختمرة جراء المواقف الاجتماعية التي أتأثر بها، فأنا أرى في ما أكتب تجسيدا لحالة شعورية أتعايش معها ومن ثم أنظمها شعرا وأسمعها للآخرين كيف يستفيدون منها. وعلى الرغم من أني صرت أحتفظ فيما أكتب منذ العام 2002 مع ذلك لم أفكر يوما بأن أطبع ديوانا أو حتى أشارك في مسابقة أو مهرجان أدبي على الرغم من نشري لقصائدي في عدد من الصحف والمجلات.
** كثيرا ما أميل في قصائدي للتطرق للظواهر الاجتماعية، وكثيرا ما أتأثر بالمواقف الاجتماعية التي أعيشها، أو أسمع عنها، ولذلك أي حالة اجتماعية أتأثر بها لابد أن تكون لها قصيدة تعبر عنها. وببساطة لأني أرى في الشعر رسالة، وهذه الرسالة لابد أن يوصلها الشاعر إلى المعنيين بها. فالقصيدة لها تأثير يفوق كثيرا الكلام العادي.
** لاشك أن الغزل يحتل مكانة مرموقة ليس عندي فقط بل في كتابات معظم الشعراء، فمحرك الإنسان هو القلب، فالكل يلاحظ أن بدايات أي شاعر لا بد أن تكون في الغزل، والغزل هو حالة شعورية مرتبطة تماما بعمر الشباب وتغيراته. والاهتمام بالغزل لا يقتصر بالشعراء فقط، لأن اهتمام الجمهور لا يقل عنهم وقد يفوقهم.
كما أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك شخصية حقيقية تدور حولها القصيدة الغزلية، فأحيانا أريد أن أعبر عن حالة شعورية معينة فأفترض شخصية معينة ذات اسم وأوصاف، وهي في الحقيقة ليست إلا شخصية خيالية استخدمها لتقريب الحالة للأذهان.
** ترتبط الحالة الشعرية لدى أي شاعر بالمواقف التي تثيره ليكتب شعرا، فلدي ترتبط بالمواقف التي أعيشها وأتأثر بها، فأحيانا يمر أكثر من شهر دون أن أنظم بيتا واحدا، وأحيانا وأنا أمشي في الشارع تولد القصيدة وتختمر أبياتها ليأتي الليل أانظمها، فدائما أعيش الحالة نهاراً ويأتي دور النظم ليلا.
** الإلقاء نصف الشعر، كثيرا ما أنتهي من إلقاء القصيدة وأعود غير راض عن إلقائي، دائما ما يكون للقصيدة المسموعة تأثيرا أكبر من القصيدة المقروءة، ومن هنا يأتي اهتمامي بالإلقاء. فكثيرا ما يلغي أسلوب الإلقاء جمالية القصيدة، فيجب مراعاة المواقف والحالة التي تجسدها القصيدة فبعض العبارات تحتاج إلى الهمس وبعضها الآخر يحتاج إلى الخطابية، فنبرة الصوت لابد أن تساهم في تجسيد الحالة العامة والخاصة لكل بيت بل حتى كل كلمة في القصيدة.
* كلمة أخيرة..
** أقول فيها: الشعر تعبير عن الذات، ذات الشاعر أولا وذات المجتمع، فالشعر هو الشعر وسيبقى أصيلا بما يحمله من قيم ومعايشة حقيقية وأمينة للواقع، ولابد له أن يولي المجتمع اهتماما خاصا لأن المجتمع هو البيئة التي نعيشها وتلقي بظلالها علينا بحلوها ومرها وهنا لابد أن نساهم في رقي هذا المجتمع.
بقي أن نذكر أن الشاعر "علي عبود المناع" من مواليد "منبج" عمل مدرسا للغة العربية في دولة "الإمارات" ويدرس اللغة العربية حاليا في ثانوية "منبج" للبنين يكتب الشعر الفصيح ونشره في العديد من الصحف والمجلات العربية، كما الشعر الشعبي. له العديد من الأمسيات الأدبية في المنابر الثقافية السورية.
ومن قصيدته "صقيع العمر"، اخترنا:
«دفنت السر في صدري/ فما وسعت مساحاتي
أطل برأسه حنقا / وشق الصمت في ذاتي
دموع العين تنسجها / وراء الشمس آهاتي
لتلهب في ملوحتها / على مهل جراحاتي
تحوك في مغازلها / خمارا من مصيباتي
فيبكي القلب من دمه / على أنغام مأساتي
أرقت العمر مغتربا / بليل الظلمة الشاتي
أتنكرني جنى عمري / لقد ضاعت حساباتي».