لم يعد الأدب النسوي محصوراً قاب قوسين أو أدنى، إذ إنه شهرياً إن لم نقل يومياً تطالعنا أخبار عن روايات لروائيات عربيات أبدعن في مجال الأدب والرواية. تناولن قصصا محظورة كالجنس وحتى الفساد بوجهات نظر أنثوية أضفت روح النقد والإبداع على مواضيع تمسنا بشكل يومي.
أما في موضوع الرواية السورية فنجد تقدما ملحوظا عند الروائيات اللواتي كسرن قاعدة احتفاظ الذكر بالمرتبة الأولى في نشر رواية سورية بحتة. إذ إنه لمعت أسماء كبيرة في عالم الرواية السورية الشبابية والعصرية أمثال "بيانكا ماضية" التي صدر مؤخراً لها رواية "هو في الذاكرة" لتأتي مؤكدة قدرة الأدب النسوي على المنافسة وتقديم منتج روائي مبدع ومثير. eAleppo التقى الروائية والصحافية "بيانكا ماضية" وأجرى معها الحوار التالي:
تنسج الكاتبة هذه التجربة العاطفية عبر حبكة سردية تبدأ من الزمن الراهن لحظة لقائها غسان، لتعود عبر تقنية الاسترجاع إلى الماضي ومحاولتها استعادة جمجمة سليمان الحلبي
** تعتبر "هو في الذاكرة" رواية اجتماعية وسياسية بنفس الوقت، إذ تجمع قصة حب بين "كارمن" و"غسان" اللذين التقيا في باريس، غير أن سرعان ما تتلاشى قصة حبهما بسبب استلامها رسالة من صديق يخبرها بموت رسام عزيز على قلبها. ثم تعود إلى مدينتها حلب وهي مشتته بين نسيان قصة حب قديم آثره الشك، وحب جديد آثره الخداع. وبينما تجري الأحداث وفق تسلسل عاطفي حزين ومخز، هناك خط روائي آخر يعتبر سياسيا واجتماعيا في آن واحد، إذ إن البطلة "كارمن" المتعثرة بقصة حب مخادعة تحاول مع صديقها "مراد" استعادة جمجمة سليمان الحلبي، لتبدو القصة مطعمة الخط العاطفي مع الخط الوطني.
** لم يكن تأثراً بشخصية "سليمان الحلبي" وإنما وظفت هذه الشخصية في صلب الرواية لكونها نوعا من السيرة الذاتية. مشاركة في الحملة الخاصة باستعادة جمجمة "سليمان الحلبي" والمواقف التي حدثت أثناء زيارتي لباريس، جعلتني هذه الرواية التي هي نوع من السيرة الروائية.
** قد تلعب دوراً في الرواية التاريخية وحتى الاجتماعية والسياسية، لكن قد لا يكون توظيفها جيداً في رواية تأخذ طابع اجتماعي.
** ربما البعض حكم على الرواية من عنوانها، لم أقصد بالضمير "هو" شخصية معينة، فقد يكون أي قارئ هو المقصود. وبالنسبة إلى "سليمان الحلبي" لم أوظفها بشكل اضطراري أو لإكساب الرواية عمرا طويلا، بل لأن الرواية هي سيرة روائية وتعرفي على بطل الرواية تم أثناء عملية البحث عن جمجمة "سليمان الحلبي"، أي إن "كارمن" في الرواية نوعاً ما هي أنا.
** توظيفي لتقنيات العصر نابع من كونها متوافرة بين أيدينا، فعلى كل قاص أو روائي أن يستخدم العناصر المتوافرة بين يديه، حيث كان الحمام الزاجل هو صلة الوصل في إيصال الرسائل والآن الإيميل والموبايل، لذلك يجب على الأدب أن يكون نابعا من البيئة التي يعيشها الكاتب وإلا فسيكون غريبا عن مجتمعه.
** بداياتي كانت في الشعر ولم أتمكن في رواياتي الجديدة من إخراج الشاعرية الموجودة بداخلي، حيث إن الأسلوب الشعري طغى على السرد. وهذا طبيعي حيث إن الكثير من الروائيات الموجودات في هذا العصر يستخدمن ذا الأسلوب الشعري.
** أغلب التجارب النسوية الروائية خصوصاً الروايات الأولى تكون من حياة الكاتبة نفسها. ففي البداية لا يسعى الإنسان إلا إلى الحب، أي إن الموضوع يتعلق بثقافة الكاتبة والمواضيع التي تشغل تفكيرها، لذا في أغلب الروايات يكون موضوع الحب هو المسيطر.
وعما حملته رواية "هو في الذاكرة" من جديد يقول الأديب "محمد بشير دحدوح"، في حديث خاص بموقع eAleppo: «لقد أضافت على الرواية النسوية استخدام الجملة القصصية الشعرية التي تميز الأدب النسوي بشكل عام، أي إن الجملة الشعرية وظفت في خدمة النص. قصة "سليمان الحلبي" لم تكن متكأ قويا يتناسب مع أحداث الرواية، لكون الكاتبة سبق أن وظفت هذه الشخصية في عمل روائي سابق، لذا كان من الأفضل توظيف حدث ذي إثارة أكثر».
في الجهة المقابلة يرى الناقد "نذير جعفر"، «أن رواية "هو في الذاكرة" تضرب عرض الحائط من خلال استخدام الكاتبة لترسيمات نقدية وخروجها عن المألوف، المتأمل لكل ما قدمته الروائيات الشابات الحديثات يرى أن حساسية جديدة وتيارا مختلفا في كتابة الرواية النسوية بدأ يفرض حضوره وسماته العامة رغم خصوصية كل رواية».
ويضيف: «تنسج الكاتبة هذه التجربة العاطفية عبر حبكة سردية تبدأ من الزمن الراهن لحظة لقائها غسان، لتعود عبر تقنية الاسترجاع إلى الماضي ومحاولتها استعادة جمجمة سليمان الحلبي».
يذكر أن "بيانكا ماضية"، كاتبة وشاعرة وقاصة ورئيسة القسم الثقافي في جريدة الجماهير الحلبية، ولها العديد من المقالات الأدبية النقدية. كما سبق أن صدر لها رواية بعنوان "سليمان الحلبي أول منتقم من العدوان الغربي الحديث". حازت جائزة الدكتورة "سعاد الصباح" للإبداع الفكري في مجال النقد للعام 1995، وإضافة إلى عملها في جريدة الجماهير، تمارس "بيانكا" نشاطات أخرى، حيث إنها عضو أسرة تحرير مجلة ديوان العرب الإلكترونية، وعضو هيئة تحرير مجلة الضاد الحلبية لمؤسسها "عبد الله يوركي حلاق"، وكذلك عضو جمعية "من أجل حلب" المختصة بالشؤون الخدمية والثقافية لمدينة "حلب".