"محمود الوهب" قصصي معروف على الساحة الثقافية وأحد الأسماء البارزة في الخارطة الأدبية في "حلب" وعموم سورية، صدر له حتى الآن ثلاثة مجموعات قصصية، إضافةً إلى العديد من الدراسات الأدبية التي تنتظر الطبع والتي من شأنها إغناء المكتبة الأدبية السورية.
موقع eAleppo أجرى لقاءً مع الأستاذ "محمود الوهب" تناول خلاله تجربته الأدبية وقضايا أدبية أخرى، وفيما يلي اللقاء:
القاص "محمود الوهب" له صوته الخاص في المشهد القصصي السوري فهو لم يتوقف عند اتجاه فنيّ محدّد في كتابة القصة بل مزج بين اتجاهات متعدّدة كالواقعية والرمزية والفانتازية وإن كان الواقع الحيّ بما يدور فيه من تناقضات يشكّل مرجعيته الرئيسة في كل ذلك، فبدءاً من عمله "تخاريف العمّ لطوف" نلمح لديه نزعة عجائبية في تصوير شخصياته تشدّ القارئ وتثير مخيلته وهو لا يتخلى عن هذه النزعة في عمليه الآخرين "إشراقات الزمن الماضي" و"سفر" لكنه يهتم أكثر بتنويع أشكاله الفنيّة فيوظف تقنية "القرين" ويسعى إلى الترميز الشفّاف للتعبير عن مقاصده الخفيّة والمعلنة، إنه باختصار مبدع لا يتوقف عن تجديد أدواته وخوض مغامرة الكتابة بأشكال مختلفة في كلّ مرّة وهذا ما يكسبه القدرة على تقديم الجديد والمثير في كلّ مرّة
** يعود تاريخ تعلقي بالأدب قراءةً إلى زمن بعيد نسبياً أي إلى أيام بداية تشكل الوعي عندي وأظنّه بدأ في المرحلة الإعدادية. لا أذكر بالتحديد الكتاب الأول الذي قرأته خارج إطار منهاجي المدرسي فربما كانت قصصاً للأطفال من تلك التي يُحضرها المعلمون إلى تلاميذهم أيام زمان، لقد كنت واحداً من بين التلاميذ الذين يقرؤون القصص جهراً أمام زملائهم بطلب من المعلم وقد كان ذلك في الصف الثاني الابتدائي.
الأديب العربي الأول الذي لفت انتباهي بقصصه ورواياته هو "نجيب محفوظ" ولعل بعض رواياته كانت أولى مقتنياتي التي ركزتها بحرص شديد في الكتبية الموجودة في غرفة البيت، وكانت الكتبية تؤسس في البيوت العربية التي لحقها جيلنا لا لوضع الكتب بل لوضع بعض أدوات الزينة أو الحاجات البيتية الصغيرة.
بعد "نجيب محفوظ" جاء الكثير، وفي سن اليفاع ونحن طلاباً في دار المعلمين أسسنا فرقة مسرحية في مدينة "الباب" كتبتُ عنها ذات يوم في مجلة "الحياة المسرحية" التي تصدرها وزارة الثقافة، في تلك المرحلة اندفعت لقراءة الكثير من المسرحيات ومنها معظم مسرحيات "شكسبير" ومن الكتب الهامة التي قرأتها في تلك المرحلة كتاب "فن كتابة المسرحية" وهو كتاب نقدي لكاتب أجنبي ترجمه إلى اللغة العربية "دريني خشبة".
في روايات "نجيب محفوظ" كنت أجد نفسي وواقع المجتمع الذي أعيش فيه ومع أدبه دخلت إلى مجاهل النفس الإنسانية وكذلك مع بعض روايات الأدب الروسي وخصوصاً روايات "دوستويفسكي" و"مكسيم غوركي"، لقد قرأت الكثير من الأعمال الأدبية في مرحلة ستينيات القرن الماضي وكذلك الكثير الكثير من المجلات الأدبية كمجلة "القصة" و"الشعر" و"المسرح" ومجلة "المجلة" و"الثقافة" و"الهلال" وكلها مجلات مصرية كانت تصدر في ذلك الزمن إضافة إلى سلسلتي "كتابي" و"اقرأ"..الخ.
** لم أفكر في كتابة القصة إلا في وقت متأخر جداً، وبعد أن كتبت عشرات المقالات الأدبية والاجتماعية شعرت في ذلك الوقت المتأخر أنني بحاجة إلى كتابة مواربة إن صح التعبير، ولعلّ الشعور بالخيبات الكبيرة أو بتسرّب الأحلام وخصوصاً على الصعيدين الوطني والقومي هو ما دفعني للكتابة الأدبية.
** الأدب عندي هو ذلك الذي يغترف من آلام هذا الواقع ومن عذاباته مع قليل من التهذيب والتلطيف والتنقية والتقنية اللغوية، أحاول لفت قارئي إلى ما في هذا الواقع من تجنّ على الإنسان ولعلّني أصوّر له ما يمكنّه من الإيمان في القدرة على جعله أفضل بإظهار ما فيه من جماليات ومباهج ولا أرى ثمة ضرورة للبهرجة الأدبية ولا للدخول فيما هو ذاتي غامض، إنّ مهمتي أن أقصّ على الناس حكاياتهم على نحو ممتع ومشوق وأفضل ما وصلنا من الأدب القديم ولم نزل نحس بمعاصرته والتمتع بجماله هو ذلك الذي قرأ علينا حياة من عاصرهم من الناس مصوّراً إياها ببساطة ووضوح وعمق أيضاً.
** القصة القصيرة أضاءت بعض المسائل الحياتية من شؤون الناس في وقت ما وكرست نفسها جنساً أدبياً له روّاده وعشاقه، فإنّها اليوم تشهد تراجعاً واضحاً عن تلك البداية إذ تنشغل بهندستها الخارجية تحت زعم التجديد والتحديث. وبذلك فقد صارت لها هذه الخصوصية التي تقربها من الشعر فلا يقارفهما الجمهور الواسع من القراء على قلتهم أصلاً، وهكذا هما اليوم يتعيشان على بعض أفراد النخبة!.
** الرواية استطاعت أن تشقّ طريقها إلى حياة البسطاء من الناس وأن تعيشها جداً ولهواً.. حزناً وفرحاً، وأن تدوّن مفرداتها الصغيرة ومكوناتها الرئيسة وبالأسلوب القريب من مفاهيمهم وتصوراتهم ومن حسهم الجمالي أيضاً، وكذلك باللغة الحية التي يعالجون شؤونهم بها، ويفهمون أسرارها. وها هي ذي الرواية تعيش حياة الناس العاديين حياة المجتمع كله بما فيها من حراك سياسي واقتصادي وثقافي، إنها المؤرخ الحقيقي، وإن على طريقتها، لأحوال الناس الذين يصنعون الحياة ويعانون همومها، وتفصّل الرواية في أبعاد تلك المعاناة وفي أسبابها المخفية، فتبرز بطولات هؤلاء الناس وتناصر قضاياهم ولا تغفل عن تلمس خلجات قلوبهم وهواجس أرواحهم.. وبكلمة يمكن القول إن الرواية اليوم هي المرآة الحقيقية، المرآة التي تعكس صادقة حياة الناس الذين أغفلهم التاريخ، متعمداً، زمناً طويلاً!..
** لحلب دور بارز في اللوحة الثقافية السورية ولها باع طويل في فن القصة والرواية وثمة أسماء بارزة كثيرة ساهمت في تحديد ملامح القصة السورية وثمة أيضاً من تجاوزت شهرته الساحة السورية إلى الساحتين العربية والعالمية، ومن القاصين الحلبيين البارزين المتوفين "جورج سالم" و"أديب نحوي" و"فاتح المدرس" و"نادر السباعي"، ومن أعلامها الأحياء أطال الله أعمارهم وبارك في إنتاجهم: "وليد إخلاصي" و"محمد أبو معتوق" و"فاضل السباعي" و"فيصل خرتش" و"نهاد سيريس" و"نيروز مالك" و"عبد الرحمن سيدو" و"نضال الصالح" و"عبدو محمد" و"أحمد زياد محبك" و"زياد كمال حمامي" و"عدنان كزارة" و"محمد خليلي" و"جمال طحان" و"محمود حميدان" و"بسام سرميني" و"إياد محفوظ" و"علي حافظ" و"مأمون الجابري" و"أحمد خيري" و"محمد كامل مسقاني" و"بسّام الرمال"، ومن القاصات أذكر "ضياء قصبجي" و"ندا الدانا" و"علياء الداية"، بعض هؤلاء انشغل بالرواية أو بالدراما أو بالنقد الأدبي ولكن أثرهم في القصة باق. وهناك من مال أو يميل إلى ما يسمى القصة القصيرة جداً وخصوصاً بين جيل الشباب وهؤلاء كثر ولهم ملتقى سنوي في "حلب" يديره الدكتور "جمال طحان" وآخرون.
** نعم، لقد كثرت الأحاديث والتحليلات حول هذه المسألة ما أعتقده أنّ المشكلة في جوهرها تعود إلى تفشي الأمية في البلاد العربية إذ تصل نسبتها إلى 40% ناهيك بأنظمة التعليم المتخلفة التي لا تؤسس لتقاليد علمية تعتمد البحث والتقصي العلميين وتحرض العقل على المتابعة، مدارسنا تكاد تخلو من المكتبات كلياً وفي حال وجودها فالوقت لا يسمح للطالب بالدخول إليها أو الاستعارة منها كما أنّ البطالة وانخفاض المستوى المعيشي يجعلان الناس يبحثون عما هو أكثر ضرورة لحياتهم.
ويقول الروائي والناقد الأدبي "نذير جعفر" عن تجربة "محمود الوهب" القصصية لموقعنا: «القاص "محمود الوهب" له صوته الخاص في المشهد القصصي السوري فهو لم يتوقف عند اتجاه فنيّ محدّد في كتابة القصة بل مزج بين اتجاهات متعدّدة كالواقعية والرمزية والفانتازية وإن كان الواقع الحيّ بما يدور فيه من تناقضات يشكّل مرجعيته الرئيسة في كل ذلك، فبدءاً من عمله "تخاريف العمّ لطوف" نلمح لديه نزعة عجائبية في تصوير شخصياته تشدّ القارئ وتثير مخيلته وهو لا يتخلى عن هذه النزعة في عمليه الآخرين "إشراقات الزمن الماضي" و"سفر" لكنه يهتم أكثر بتنويع أشكاله الفنيّة فيوظف تقنية "القرين" ويسعى إلى الترميز الشفّاف للتعبير عن مقاصده الخفيّة والمعلنة، إنه باختصار مبدع لا يتوقف عن تجديد أدواته وخوض مغامرة الكتابة بأشكال مختلفة في كلّ مرّة وهذا ما يكسبه القدرة على تقديم الجديد والمثير في كلّ مرّة».
يُذكر أنّ القاص "محمود عبود الوهب" هو من مواليد مدينة "الباب" في العام 1945 وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب، صدر له ثلاثة مجموعات قصصية هي: "إشراقات الزمن الماضي"- دمشق 2003، "تخاريف العم لطوف"- مطبعة "اليازجي"- دمشق 2003، "سفر"- منشورات اتحاد الكتاب العرب 2006، ومجموعة أخرى تحت الطبع.