حينما تسمع قصائده وهو يهمس من خلالها في جوارحك لابد أن تذهب بك تلك القصائد إلى العالم الخاص بالشاعر "أحمد عبد اللطيف"، ذاك العالم الذي امتزجت فيه الموهبة مع الصنعة الشعرية في قالب جميل أنجب قصائدا استطاعت ان تلامس مشاعر ووجدان من يسمعها، فشكلت بمجملها نمطا شعريا ببصمة "أحمد عبد اللطيف".
وللغوص أكثر في تجربة الشاعر "أحمد عبد اللطيف" الشعرية كان حوارنا معه في موقع eAleppo والذي انطلقنا به من أيام الشباب الأولى التي ساهمت في انطلق موهبته الشعرية، وعنها قال:
** لا يستطيع أحدنا أن ينكر ما لعمر الشباب من تأثير في صقل وتكوين شخصيته وبلورتها، بالإضافة إلى نشأتي في مدينة "منبج" التي كان لها الأثر البالغ في تنمية موهبتي الأدبية وصقلها،. حيث إن "منبج" تعتبر من المدن الرائدة في مجال الشعر والأدب. وكما هو معروف أن "سورية" فيها مدينتان تتنافسان شعرياً هما "السلمية"، و"منبج". فنشأتك في مدينة كـ "منبج" مع بعض العوامل البسيطة المساعدة لا بد أن تجعل منك شاعرا.
كما أن المشاعر الإنسانية تلعب دورا مهما في صقل الموهبة وأهمها الحب الأول، هذا ما يساعد في التعبير الأدبي والإبداع الفني، وهذه أهم العوامل الأساسية المكونة لانطلاقتي.
** لا يمكن أن يكون هناك إبداع دون أن تكون هناك موهبة والموهبة بذرة، هذه البذرة إما أن تنميها أو أن تقتلها في مهدها. الموهبة موجودة وهي هبة من الله، وصقل هذه الموهبة يتم عن طريق المطالعة والقراءة. أذكر أنني على مدى سنوات كنت أذهب إلى المركز الثقافي في منبج واستعير مجموعة من الكتب لقراءتها، وكان معدل قراءتي يصل إلى أكثر من ثمان ساعات يوميا، هذا الشيء يمنحك أفقا فكريا واسعا ويقوي ارتباطك بالأشياء، ويجعلك تنظر إلى الأمور نظرة أخرى يجعلك ترى الشجرة تتنفس.
فالقراءة والمطالعة مع الاحتكاك بتجارب أخرى كالتقائك مع عينات مختلفة من الأدباء يمنح موهبتك صقلا جيدا. كنا مجموعة من الشباب نجلس معا ونتناقش في كتاباتنا بلا مجاملة او محاباة، وهذا جعل من كل واحد منا شاعر-إلى حد ما- يتميز بطابع الأصالة والقوة والجزالة لأن شخصيته الأدبية صقلت بشكل جيد.
** لكل قصيدة كيان مستقل بذاته، قد تخرج قصيدة فيها بعض الإضاءات والإيماءات ولكن ليست بالمستوى الجيد، وقد أكتب قصيدة في وقت آخر تكون ممتلئة بالصور الجميلة والكلمات العذبة وهذه من أحتفظ بها. لابد للشاعر أن يكون قوي القلب في التعامل مع ما يكتب، أن لا يكون مجاملا لها بشكل كبير. أن متفق مع كل اللذين يقولون أن قصائدي هم أولادي، ولكني شخصيا عندما أكتب قصيدة ما أخضعها لعدة عوامل، فلربما كانت القصيدة دون المستوى الفني الذي أرضى عنه، حينها يجب أن تكون لدي الجرأة والقوة لأمزق هذه القصيدة وأنساها، ربما تبقى في طيات الذكريات لكن لا أنقلها إلى الناس. فالشاعر الذي يريد أن يتميز ويبقى ذكره لابد له من طي القصائد التي تستحق الطي.
القصيدة الجميلة كالفتاة الجميلة، كل ما فيها جميل. مع احترامي لكل المبادئ والأسس والمقومات العلمية الإبداعية التي تقاس عليها القصائد. القصيدة مبنى ومعنى وأفق تأخذك إلى عوالم أخرى تسلخك عن الواقع الذي أنت فيه. إذا استطاعت القصيدة ان تؤثر فيك تأثيرا ما فإن هذه القصيدة جميلة.
** هذه النقطة تحديا لا تخضع لقاعدة واحدة مطلقة. القصيدة ليست فقط حالة إبداعية بل أيضا صنعة فكرية. بمعنى أنني أريد أن أبهر مستمعي.
أنا اكتب التفعيلة إلى جانب القصيدة العمودية ولا أعترف بالقصيدة الحرة، لن ما ميز الشعر عن الكلام هو الوزن والموسيقى والقافية. فإذا هدمنا هذه الجدران أصبح كلاما والكلام له بحث آخر. وربما وجدت شكلا جديدا للقصيدة- إذا جاز لي التعبير- وهو ما بين العمودي والتفعيلة أكتب التفعيلة وألتزم بقافية مقطعية.
هذه الموسيقا تعطيك متعة في الاستماع مع الابتعاد عن التكلف لأن ما يقتل القصيدة هو التكلف. دع الكلام يخرج من القلب فإن كان قلبك لا يستطيع الكلام فاصمت.
** لا يمكن أن يسمى ذلك شعر. وهذا ما سموه في الشعر العربي "النظم". والفرق شاسع بين نظم القصيدة وكتابة القصيدة، فكتابة الشعر هي الروح التي تملكها القصيدة. إذا استمعت إلى قصيدة باللغة الانكليزية لا يمكن أن تستمتع بها إلا بلغتها الأم، وإذا ترجمت فقدت روحها، كذلك الشعر العربي. عندما تنظم قصيدة فقط للصنعة ترى أن الكلمات لا تدخل إلى القلب لأنها لا تحمل الروح الواحدة.
بالفعل أميل إلى الوجداني، ولكنني أكتب في كل المواضيع، أميل إلى التزاوج بين الأفكار. فأنا أتكلم عن الحبيبة ثم لا أجدني إلا وأنا أتكلم عن الوطن وهو حبي الكبير. وأتكلم عن الأرض والتاريخ ثم اغازل حبيبتي. جربت عدة مرات ان أختار موضوعا وأكتب فيه وبصراحة فشلت، فالموضوع هو الذي يدفعني لكتابة، وعندما أخوض في غمار القصيدة ربما استطيع ان أعبر عن فكرة ما تجول في عقلي، فأجعل للقصيدة عدة محاور من ضمنها هذا المحور وأنا لست مع الإكثار من المحاور لأنها تذهب بجوهر القصيدة.
وكما أن القصيدة تدفعك لكتابتها هي أيضا تختار شكلها، ربما إذا كنتَ شاعرا متمكنا تستطيع أن تجعل من قصيدة التفعيلة عمودية، لكنك ستبذل جهدا عظيما وستُرهق، فدعها كما هي. تركت القصائد تخرج كما خرجت من فمي وهنا يكون الشاعر لديه مساحة اوسع للحركة ضمن المضمار الشعري.
** هناك إشكالية في هذه النقطة كثير من الشعراء يقع فيها، فضمن القصيدة الواحدة قد تكون أحيانا ثوريا، ثم تكون عاشقا هامسا، ثم عاشقا حزينا. فلا تستطيع أن تغازل الحبيبة بشكل ثوري، كما أنك لا تستطيع أن تتحدث عن الوطن بشكل هامس الا في حالات قليلة، فالكلمة هي التي تعطيك النبرة التي تتحدث بها، ففي القصيدة الواحدة قد يعلو صوتك ثم ينخفض ثم تهمس، ليس بشكل مسرحي تمثيلي وإنما بشكل يتماهى مع القصيدة.
بقي أن نذكر أن الشاعر "أحمد عبد اللطيف" من مواليد "منبج" 1972م، درس الابتدائية والإعدادية والثانوية والمعهد في مدينة "منبج". صدر ديوانه الأول في العام 2006 بعنوان (عند أبواب الصباح). كما حصل على الجائزة الأولى لفرع اتحاد الكتاب العرب بحلب عام 1997. نشرت قصائده في العديد من الصحف والدوريات المحلية والعربية، وله العديد من المشاركات على المنابر الثقافية في محافظة "حلب" وريفها..