"مروان بركات".. من الوجوه الثقافية المعروفة في منطقة "عفرين" من خلال إسهاماته المتنوعة في إغناء المكتبة الثقافية الحلبية عبر انجازه لعدد من الكتب والدراسات الهامة التي تتضمن أرشفة منطقتي "جبل ليلون" و"عفرين" أثرياً وتاريخياً واجتماعياً.
بدايات الأستاذ "مروان بركات" كانت صعبة حيث لم تتوفر وسائل النقل والاتصالات في قريته "صوغانكة" التي كانت قرية نائية في الستينيات من القرن المنصرم، وحول هذه البدايات تحدث لموقع eAleppo الذي زاره في منزله قائلاً: «قريتي اسمها "صوغانكة" وهي تابعة لمنطقة "عفرين" وقد كانت قرية نائية خلال طفولتي فلا اتصالات ولا وسائل النقل ولا طرق معبدة كانت متوافرة فيها، وضمن كل هذه الظروف استطعت تحقيق ما كنت أصبو إليه بالجد والمثابرة والإصرار والإرادة.
لذة نجاح الإنسان هو أن يحوّل ما هو صعب وشاق في حياته إلى انجازات في مختلف الميادين ليستفيد منها وطنه وأبناء وطنه وتبقى بصمات فاعلة في حياة مجتمعه تخلده طول الدهر، كما أتوجه بالشكر لمدونتكم الكريمة على عملها الإعلامي الذي يخدم البلد في مسيرة إعلامية تتمم أعمال الآخرين من أدبية وأثرية وفكرية تخدم الأمة والمجتمع
فقد درست أول سنة روضة في مدينة "حلب" في العام 1969 ومن ثم انتقلت للقرية لدراسة الابتدائية وبعد حصولي على الشهادة الابتدائية عدت للدراسة في مدينة "حلب" لدراسة المرحلتين الإعدادية والثانوية التي حصلت على شهادتها في العام 1981 والدخول إلى المعهد المصرفي وإعادة البكالوريا ومن ثم دراسة الأدب الانكليزي.
لقد كان جدي المرحوم "حسن بركات" من عشاق العلم في مرحلةٍ كان الناس في تلك المنطقة يفضّلون العمل الزراعي على التعلم بل كان البعض مقتنعاً بأنّ صرف المال على التعليم هو ذنب كبير سيعاقب صاحبه بأشد العقوبات في الآخرة، لكن جدي كما قلت كان متحرراً من هذه العقلية المتخلفة وكان له الفضل الأبرز في ما حققته اليوم لمنطقتي وبلدي من خلال تشجيعه المعنوي والمادي الكبير لي ولأبنائه لإتمام الدراسة فقد كان يعطيني في تلك الفترة 150 ليرة سورية كلما رجعت من "حلب" إلى القرية في نهاية الأسبوع وفي نهاية العام أثناء نجاحي الذي كان يعتبره من أفضل الأخبار بالنسبة إليه.
وقد دفعني كل ذلك التشجيع لتحقيق المزيد وحب الاطلاع والقراءة، فمبدئي في الحياة هو أن النجاح الحقيقي واللذيذ هو ما يولد من رحم معاناة الإنسان ومن الظروف الصعبة التي يعيشها في حياته.
في مدينة "حلب" في تلك الفترة كان هناك دار نشر اسمه "دار الفجر" كان يبيع الكتب حينها بأسعار مقبولة ومناسبة فكنت أشتري منه أسبوعياً ما يلفت نظري من الكتب والمجلدات وقد ساهم ذلك في تفتح آفاقي المعرفية وتوسعها في مرحلة مبكرة من حياتي».
وأضاف: «في عصر كل يوم الخميس من الأسبوع كنت آتي إلى القرية وفي صباح السبت كنت أعود إلى "حلب" وبما أنّ القرية كانت تفتقر إلى طريق معبد فقد كنت مضطراً للمشي على الأقدام لمسافة عشرة كيلومترات ومعي كتبي ومئونتي الأسبوعية وذلك من الطريق العام "حلب" –"عفرين" وحتى القرية وذلك في ظروف صعبة حيث الوحل والثلوج والأمطار الغزيرة وبرد الشتاء.
كل تلك الظروف القاسية والصعبة التي عشتها في تلك الفترة من عمري لم تثني عزيمتي وإرادتي في تحقيق النجاح في حياتي وانجاز ما يستفيد منه أبناء بلدي ».
وحول أهم ما أنجزه للمكتبة الثقافية قال: «أهم كتابين صدرا لي في هذا الإطار هما: "عفرين عبر العصور" و"جبل ليلون في مرآة التاريخ"، وهما كتابان يتضمنان أبحاثاً تاريخية وأثرية مهمة حول تاريخ منطقة "جبل ليلون" الذي يُعتبر من أغنى المناطق الأثرية في سورية وكذلك تاريخ منطقة "عفرين" من مختلف النواحي.
وإضافةً لذلك صدرت لي عدة مجموعات شعرية وقصصية لا تبتعد في مضامينها عن عشق المنطقة بجمالها وآثارها وهوائها العليل.
"كتاب جبل ليلون في مرآة التاريخ" صدر في العام 2006 عن "دار عبد المنعم ناشرون" في "حلب" ويبلغ عدد صفحاته 240 وهو عبارة عن بحث جيولوجي تاريخي أثري اجتماعي موثق عن منطقة "جبل ليلون" حيث قمت بانجازه بعد الرجوع لمختلف المراجع والمصادر التاريخية للتعرّف على أهم الحضارات التي تعاقبت على حكم المنطقة ومعاني أسماء المواقع الأثرية فيها وكذلك اعتمدت على اللقاءات الميدانية مع المواطنين وخاصة مع كبار السن من أبناء المنطقة للتعرّف على أهم العادات والتقاليد والشخصيات المؤثرة فيها.
وأهمية الكتاب نابع عن أهمية المنطقة ذاتها فجبل ليلون يحتوي على أكبر كنيسة في الشمال السوري هي كنيسة "سمعان العمودي" وعلى أقدم كنيسة مؤرخة في العالم كله وهي الكنيسة الموجودة في قرية "فافرتين" وعلى ضريح "المار مارون" مؤسس الطائفة المارونية في العالم وغير ذلك ولذلك رأيت أن من واجبي كأحد أبناء المنطقة العمل على أرشفة هذه المواقع في كتاب وتحديد مواقعها ليسهل على السائح الأجنبي والعربي والمحلي التعرّف والوصول إليها بسهولة ويسر.
أما كتاب "عفرين عبر العصور" فقد صدر في العام 2008 عن "دار عبد المنعم ناشرون" بحلب ويحتوي على 462 صفحة من القطع الوسط ويتضمن أبحاثاً جيولوجية وتاريخية وجغرافية وأثرية وسياحية، وقد قضيت سبع سنوات في البحث والتحري لانجازه وذلك في عشرات المراجع المتوفرة في المكتبة الوطنية بحلب التي كنت مداوماً فيها وبشكل يومي تلك الفترة، وهنا لابد من توجيه جزيل الشكر للأستاذ "عدنان كوسة" الذي وفّر لي الكثير من المراجع الجيولوجية الخاصة بالمنطقة.
الكتاب هو عبارة عن أرشيف متكامل لمنطقة "عفرين" يبدأ ببحث جيولوجي حول المراحل التاريخية المبكرة للمنطقة والحضارات التي حكمتها وكذلك الاستيطان البشري فيها والذي يرقى إلى حوالي 100000 عام حيث تم اكتشاف هيكل لطفل نياندرتالي في "كهف الدودرية" في المنطقة مع الوقوف على أهم الديانات التي سادت فيها من وثنية وغيرها من الديانات الفاعلة كالإيزيدية والمسيحية والإسلامية، ويتضمن الكتاب أيضاً أهم المواقع الأثرية في المنطقة وتواريخها، وأخيراً فصل خاص عن السياحة حيث أبرزتُ فيه أهم مناطق السياحة والاصطياف في المنطقة وطرق الوصول إليها ليكون الكتاب في هذا الفصل وهو الأخير دليلاً سياحياً لجميع السياح والزوار كي يصلوا لهذه الأماكن بكل سهولة ويتمتعوا بجمال الطبيعة العفرينية الرائعة».
وحول العوامل التي ساعدته ودفعته لانجاز هذه الكتب التاريخية الهامة والتي أغنت المكتبة الثقافية بحلب وعموم سورية: «في الحقيقة هناك عدة أسباب وراء ذلك ويأتي في مقدمتها عشقي الكبير للتاريخ بشكل عام منذ طفولتي وقد تأسفت كثيراً عندما لم أتمكن من دخول هذا الفرع، والسبب الثاني هو أن منطقة "جبل ليلون" من أغنى المناطق من حيث المواقع الأثرية في سورية وقد عشت ضمنها كل حياتي ففي المنطقة ترى الحجارة والقلاع والكنائس أينما التفت، أما منطقة "عفرين" ففيها العديد من أهم المواقع الأثرية وأقدمها مثل "كهف دودرية" و"معبد عين دارا" ومدينة "قورش" وغيرها، إنّ هذا التعايش اليومي مع الآثار زادني في عشقها فقمت بالكتابة عنها لتوثيقها وأرشفتها.
أما السبب الثالث فهو العمل على سد بعض الثغرات التي ظهرت في كتابات الباحثين حول المنطقة، وأخيراً ما كنت أراه من تعديات محزنة على الآثار من قبل المواطنين من كسر وخلع للحجارة من المواقع الأثرية واستعمالها في بناء بيوتهم نتيجة التخلف بقيمة وأهمية كل حجرة يقومون بكسرها، كل هذه الأسباب دفعتني للكتابة حول هذه الآثار والدعوة لحمايتها والاهتمام بها وخاصة من قبل الدولة عبر توسيع الطرق المؤدية للمواقع وإقامة فنادق ومنتزهات ودلالات أثرية باللغات العربية والانكليزية وغيرها».
وختم الأستاذ "مروان" حديثه لموقعنا بالقول: «لذة نجاح الإنسان هو أن يحوّل ما هو صعب وشاق في حياته إلى انجازات في مختلف الميادين ليستفيد منها وطنه وأبناء وطنه وتبقى بصمات فاعلة في حياة مجتمعه تخلده طول الدهر، كما أتوجه بالشكر لمدونتكم الكريمة على عملها الإعلامي الذي يخدم البلد في مسيرة إعلامية تتمم أعمال الآخرين من أدبية وأثرية وفكرية تخدم الأمة والمجتمع».
وحول كتاب "عفرين عبر العصور" للأستاذ مروان بركات يقول الأستاذ "زكريا الحصري" وهو مدرس تاريخ في حلب وعضو سابق في البعثة السورية –اليابانية التي نقبت في "كهف دودرية" في "عفرين": «من الصعب جداً الحديث عن دراسة شاملة لمنطقة "عفرين" نظراً لغناها التاريخي والحضاري والباحثين مهما علا مكانتهم وزاد علومهم يستصعبون الخوض في تفاصيلها والإلمام بكل جوانبها.
والأستاذ "بركات" هو من المعدودين الذين تصدوا لهذه المهمة الشاقة والمحفوفة بالكثير من التحديات أبرزها افتقار المكتبات للمراجع الكافية عن المنطقة موضوع الدراسة وخاصة التاريخية منها، والقليل من المراجع الموجودة هي عبارة عن مقدمات لا ترتقي إلى أبحاث منهجية كاملة والبعض الآخر منها مكتوبة باللغات الأجنبية كُتبت على أيدي الدبلوماسيين الغربيين والمستشرقين وهي لا تخلو من أجندات سياسة حسب ميول الدول .
وبالرغم من هذه التحديات التي تشكل عوائق أمام أي باحث يريد الخوض في هذا الموضوع أستطاع "بركات" أن يخوض هذه التجربة والتي بالرغم من كل ما يقال عنها أستطيع القول بأنها خرجت موفقة إلى حداً بعيد نظراً للصعوبات المحيطة بها وبالتالي وفّر مرجعاً مهماً للمكتبة الثقافية التي تفتقر إلى مثل هذه الكتب ويعتبر كتابه مدخلاً إلى المزيد من الدراسات».
وأضاف: «أستطيع أن أجزم بأن أي باحث عندما يكتب يحاول جل جهده أن يخرج بحثه كاملاً دون نقصان وذلك يكفي بأن يكون سبباً للتقدير والاحترام، الكتاب يتناول فترات زمنية طويلة وحضارات كثيرة بالإضافة إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياحية وغيرها وإنّ كل فصل منه هو بحاجة إلى كتاب مستقل وكامل فدراسة تاريخ وحاضر منطقة غنية مثل منطقة "عفرين" ربما تحتاج إلى مجلدات وليس إلى كتاب واحد وهذه ربما تكون مهمة كل الدارسين والباحثين من الأكاديميين والمهتمين بالمنطقة والمعرفة».
وختم: «يقول "مروان بركات" بأنه ومما لاشك فيه أن الذي يقوم بدراسة التاريخ لأي عصر من العصور التاريخية إنما يقوم بإحياء ذكرى الأولين وما قاموا به من حضارة قد يكون ذكرها حياة جديدة، بهذا القول الذي يعبر عن المكنونات الدافعة له في كتابة التاريخ وضرورة توخي الدقة والموضوعية والحيادية والتوثيق والأمانة في الكتابة أختم كلامي لأن التاريخ من أخطر العلوم فهو لا يتناول حياة الأفراد فقط بل الأمم والشعوب ولأن التاريخ يبنى عليه الحاضر وربما المستقبل».
يُذكر أنّ الأستاذ "مروان بركات" هو من مواليد 1964 في قرية "صوغانكة"– منطقة "عفرين" وصدر له العديد من الكتب وأهمها: "عفرين عبر العصور"- بحث تاريخي 2008، "جبل ليلون في مرآة التاريخ" بحث تاريخي 2006، "شذا الأيام" -شعر 2002، "همسات مملكة البراءة"- قصص قصيرة 2006، "من ذاكرة القلب" -شعر 2007، "فوضى الرحيل"- شعر 2010 وكلها صادرة عن "دار عبد المنعم ناشرون" بحلب.