الشاعر "الياس سلوم الياس" هو صاحب تجربة متميزة ورائدة في الشعر الزجلي في سورية وعموم بلاد الشام من خلال نتاجاته المكتوبة بلغة بسيطة وقادرة على إيصال رسالته إلى الناس بأسلوب سهل فيدخل قلوبهم وعقولهم دون استئذان.
موقع eAleppo التقى الشاعر "سلوم الياس سلوم" وأجرى معه اللقاء التالي:
كتاب "تغاريد وهمسات" للشاعر "سلوم الياس سلوم" ليس ديوانا للشعر الشعبي فحسب بل هو كتاب منهجي يقدّم دراسة رائدة للشعر الشعبي تمكّن الدارسين لكتابه من الإحاطة بظاهر الشعر الشعبي وتنبّههم إلى الجوانب المشتركة بين الفصيح والشعبي وإلى ما في الشعبي من جوانب فنية تثير في القارئ المتعة والجمال فيتوقف على مصادر إحساسه المريح كلما سمع هذا اللون فلا يرفضه متوهماً ولا يتعصب له تعصب الجاهلين
** أنا عقيد ركن متقاعد من مواليد قرية "حينه" الواقعة في السفح الشرقي لجبل الشيخ في منطقة "قطنا" التابعة لمحافظة "ريف دمشق" في العام 1946 وأنا من عائلة جميع أفرادها يحبون الشعر ويكتبون الزجلي أو الفصيح.
بدأت رحلتي مع كتابة الشعر منذ الطفولة ولكنني حينها لم أكن أحتفظ بما أكتبه، وفي العام 1975 ذهبت ببعثة إلى "الاتحاد السوفييتي" وهناك ازدادت شاعريتي بسبب بعدي عن الوطن والأهل والخلان فدفعني ذلك لأكتب الشعر ولكن مع الاحتفاظ بها، وبعد عودتي إلى الوطن أصبح لدي مجموعة من القصائد الشعرية فيها الزجلي وفيها الفصيح، هذه فكرة مختصرة عن البدايات وبينت فيها أن تعلقي بالشعر سببه أنني من عائلة معظمهم شعراء ويعشقون الشعر هذا من جهة ومن جهة ثانية أنّ ظروف ابتعادي عن الوطن وشوقي له ساعدني على متابعة الكتابة وصقل التجربة.
** يتحدث كتاب "تغاريد وهمسات" المطبوع في "دار الرضوان" للطباعة والنشر والتوزيع بحلب عن أنواع الزجل وألوانه وأوزانه المختلفة وفق منهج تعليمي كامل في كل أنواع الزجل والغناء الشعبي وأغاني التراث مع إعادة كل نوع إلى بحر من البحور الخليلية /نسبة إلى "الخليل بن أحمد الفراهيدي"/ وهذه تجربة لم يسبقني إليها أحد لا في سورية ولا لبنان.
كما تضمن الكتاب قصائد وجدانية وشيء من الغزل وقصائد وطنية واجتماعية وكذلك على بعض القصائد التي قدمتها في حفلات ومناسبات مختلفة.
** السبب هو طبيعة قريتي التي ولدت ونشأت فيها فجميع الناس فيها يميلون إلى الشعر الزجلي ولا تجد بيتاً من بيوت قرية "حينه" إلا وفيه شاعر أو شاعرة يكتب الزجل، إضافةً إلى بقية الناس فهم من متذوقي هذا النوع من الشعر، وبالنسبة لأسرتي فقد كان والدي وأخي وأختي ووالدتي وعماتي كلهم شعراء زجليون.
** الزجل هو الشعر المحكي بمختلف اللهجات في الوطن العربي وفي "حلب" بالذات نجد الزجل على لسان العامة على شكل "الدور" و"القدود" و"الموال السبعاوي" أو "الشرقاوي"، كما نجد نوع من "العدّيات" التي تأخذ شكل السجع أو المونولوج.
بعد ظهوري على المنابر الثقافية المختلفة في "حلب" أحب الحلبيون تجربتي وراحوا يتذوقون الشعر الزجلي الذي أكتبه وهو المعروف باللهجة اللبنانية أو الساحلية عموماً ويطلبونه مني باستمرار حتى جنح بعض الشعراء الحلبيين إلى كتابة الشعر الزجلي المكتوب باللهجة اللبنانية وخاصّة بعد قراءتهم لكتاب "تغاريد وهمسات".
* فكرة عن الشعر الزجلي؟
** الزجل في المعجم هو التطريب والغناء بصوت مرتفع مع اللحن الطروب والشعر الزجلي بشكل عام هو شعر كلماته فصيحة غالباً ولكنه لا يأخذ بالصرف والنحو فيلجأ الشاعر إلى تسكين بعض الحروف مخالفاً بذلك علم الصرف والنحو شرط أن لا يصيب المعنى بالتغيير، مثال:
يا ضيعتي بحضن الجبل / حرمون غذّى عيونها
وسهول طفحت بالسّبل / وكروم غضّة غصونها.
** تختلف ألوان وأنواع الشعر الزَّجلي في بلاد الشام بحسب اللهجات بين منطقة وأخرى فهناك البدوي /الشروقي والنبطي/ والفراتي والساحلي /البحري/ والجبلي /اللبناني/ والأخير هو الأكثر تميزاً والأقرب للفصحى، إن كل هذه الألوان بأنواعها تقال في جميع أنحاء بلاد الشام ولو بلهجات مختلفة لكن الأبرز منها والأكثر شيوعاً بين عامة الشعب ما يقال في قرى ومدن سلسلة جبال لبنان الغربية والشرقية على حدٍ سواء، ويعود سبب ذلك للكثافة السكانية في المناطق الغربية من بلاد الشام إضافةً لمستوى التعليم والثقافة في هذه المناطق فضلاً عن نشاط الشعراء فيها ووصولهم إلى البث الإذاعي والتلفزيوني الذي ساعد كثيراً بانتشارها عن طريق الأغاني والتمثيليات المختلفة.
** تقيم "جمعية شعراء الزجل" في سورية العديد من الأنشطة والمهرجانات في "دمشق" ومختلف المحافظات السورية وإلى اليوم لا يوجد مهرجان خاص بالشعر الزجلي، وتسعى الجمعية حالياً إلى إقامة مهرجان زجل سنوي مركزي في "دمشق".
** ورد في النظام الداخلي لجمعية شعراء الزجل في سورية أنّ الجمعية تسعى إلى توحيد اللهجات المختلفة في سورية في لهجة واحدة هي أقرب ما تكون إلى اللغة الفصيحة وذلك عن طريق الأغاني والأناشيد التي يكتبها أعضاء الجمعية للمطربين والأغاني المرافقة للمسلسلات الدرامية في التلفزيون وبالتالي تمكينها على السنة الناس.
إنّ نشر الأغاني بلهجة سليمة ولغة قريبة من الفصيحة التي تسمى اللغة الثالثة ستؤدي إلى نشر اللهجة السورية /بعد توحيد اللهجات/ في مختلف الأقطار العربية مثل الأغاني والأفلام المصرية والخليجية، والجدير بالذكر أنّ اللهجة السورية هي أقرب اللهجات إلى اللغة الفصيحة ورأى فيها الكثير من المواطنين العرب أكثر سلامة ونطقاً وسيساعد على تمكين اللغة العربية بعكس ما نراه في الزجل المصري أو الخليجي أو المغربي.
** لدي قيد الطبع ديوان زجل مخطوط بعنوان "ومضات من نهج المقاومة" حول نهج المقاومة في بلاد الشام وديوان زجل مخطوط بعنوان "غُرّة الزجل" ومخطوط ديوان شعر فصيح جاهز للطباعة بعنوان "سر أسراري"، كما أنشر نتاجاتي في الصحف والمجلات المحلية والمواقع الالكترونية وأشارك في الأمسيات الأدبية التي تقام في المراكز الثقافية في سورية، إضافة إلى ذلك فأنا عضو في "رابطة المحاربين القدماء" و"نادي شباب العروبة" بحلب و"جمعية شعراء الزجل" بدمشق وعضو مؤسس لجمعية "أصدقاء اللغة العربية" بحلب وقد حزت على شهادة تقدير من جمعية "إحياء التراث الشعبي" بدمشق 2005.
ومن نتاجاته اخترنا قصيدة زجلية بعنوان "ضيعتنا" يقول فيها:
بضيعتنا وبعموم الريف / بسورية المصيف حليان
برودة وما بدّو تكييف / الثلج علا جبالوا عليان
مندعي ضيوف علا التصييف / علا التصييف مندعي ضيوف
منقري ألوف بكف نظيف / بكف نظيف منقري ألوف
مناسف رز وبخواريف / رجال وبالسمنة بتطوف
صدور فواكه الخضرة شليف / خير مصايفنا مليان.
ومن قصيدته سورية والتشريع العالمي اخترنا:
الفكر السوري العلماني / ببلاد الشام
أصل الشرع الإنساني / وأصل الأحكام
من الفكر السوري الوضعي / من ماضي سنين
سنوا القانون الشرعي / وغير قوانين
وتاالحق يظلو مرعي / ولا مظلومين
بقوة للحق مندعي / يخسوا الظلاّم.
يا سورية الخلقاني / قبل التاريخ
فيكي العقل الإنساني / عرف المريخ
ومنك طلع العلماني / يشنّ صواريخ
دارت درب التبّاني / بسبعة أيام.
وحول تجربة الشاعر "سلوم الياس سلوم" وأهمية كتابه "تغاريد وهمسات" يقول الأستاذ الشاعر "عبد الله خبازة" في مقدمة الكتاب: «شاعرنا في هذه المجموعة التراثية الرائعة هو مفكّر يرسم بالكلمات فيلتقي الشعر لديه بالفكر.. بالخبرة وبالوطنية فيسحر الألباب ويأخذ بمجامع القلوب، وإذا كانت اللغة أصلاً هي أصوات معبّرة لا أكثر ولا أقل فيكون الشعر المحكي الذي مخر عبابه شاعرنا المجد والمجيد.. هو الأمثل والأجدى بالإفهام والتبيين وهو الأكثر واقعية والتصاقاً بالواقع الحياتي لشعبنا وأمتنا.. من جلجامش سومر وأكاد إلى أخناتون طيبة وهليوبوليس ومن الرها إلى فينيقيا وكنعان.
هذا المؤلّف /"تغاريد وهمسات"/ هو مرجع مهم وبحث قيم للشعر الزجلي.. أنواعه وأوزانه ومصادره ومراميه وجذوره، بذل شاعرنا الجميل جهوداً خيرة ونيّرة لجمع شتاته ونظمه عقداً فريداً في جيد الأدب المحكي».
ويقول "مطانيوس قيصر مخّول" في كتاب "أدباء من حلب في النصف الثاني من القرن العشرين" –إعداد مجموعة من الأدباء -2011 ما يلي حول كتاب "تغاريد وهمسات" للشاعر "سلوم الياس سلوم": «كتاب "تغاريد وهمسات" للشاعر "سلوم الياس سلوم" ليس ديوانا للشعر الشعبي فحسب بل هو كتاب منهجي يقدّم دراسة رائدة للشعر الشعبي تمكّن الدارسين لكتابه من الإحاطة بظاهر الشعر الشعبي وتنبّههم إلى الجوانب المشتركة بين الفصيح والشعبي وإلى ما في الشعبي من جوانب فنية تثير في القارئ المتعة والجمال فيتوقف على مصادر إحساسه المريح كلما سمع هذا اللون فلا يرفضه متوهماً ولا يتعصب له تعصب الجاهلين».