حققت مدينة "حلب" خلال تاريخها الطويل توسعاً عمرانياً كبيراً وذلك في مراحل مختلفة وفي جميع الجهات بالنسبة للمدينة القديمة التي شكلت مركزها القديم والأساسي، وقد فرض ذلك التوسع وضع مخططات تنظيمية متجددة لها وذلك بحسب توسعها بين فترة وأخرى.
للتعرّف على المخططات التنظيمية التي وُضعت تاريخياً لمدينة "حلب" التقى موقع eAleppo المهندس "عبد الله حجار" وهو باحث أثري ومستشار جمعية العاديات للفترات الكلاسيكية والذي تحدث حول الموضوع قائلاً: «في الحقيقة لم تكشف "حلب" حتى الآن عن تاريخها في الألف الثاني قبل الميلاد وما عرفناه عنها في فترة مملكة "يمحاض" والمراحل التاريخية جاءنا من وثائق مدينة "ماري" و"آلالاخ" و"إيمار" و"حتوشا" في تركيا ويُعتقد أنه كان هناك استيطان في المغائر وقرب "حي الكلاسة" في الفترات المغرقة في القدم، كما لم نعثر على وثائق مادية من الفترة الآرامية داخل "حلب" حتى الآن، أما الفترة الهيلينية فتبدو واضحة في التخطيط الشطرنجي للمدينة التي كانت ممتدة في "العقبة" و"الجلوم" وسواها بين القلعة و"باب إنطاكية" داخل الأسوار وكان الشارع المستقيم يمتد بين القلعة و"باب إنطاكية" مع وجود المعبد والسوق العامة في موقع "الجامع الأموي" و"المدرسة الحلوية".
لقد كان المهندسون السوريون يواكبون واضعي تلك المخططات بالدراسات وربما لم يكن حسهم الهندسي على المستوى المطلوب، ولكن مهندسونا اليوم والحق يقال يتمتعون بحس تراثي ناضج أفضل من مهندسي الخمسينيات حيث تم وبعد جهود حثيثة تسجيل "حلب" القديمة لدى اليونسكو في العام 1986م تراثاً عالمياً مهدداً بالخطر واتخذت الخطوات المتسارعة لحماية التراث بإنشاء لجنة /حماية "حلب" القديمة/ وإنشاء /مكتب المدينة القديمة/
وحققت "حلب" مع مرور الزمن توسعاً عمرانياً، ففي العهد الإسلامي توسع الحاضر "السليماني" خارج الأسوار في الزاوية الجنوبية الغربية وأعيد بناء الأسوار وجدار دفاعي على خندق الروم ونشأت المنطقة الشرقية في عهد المماليك، وبعد تخريب "تيمورلنك" للمدينة نشأت الضاحية الشمالية /"الجديدة"/ وبدخول العثمانيين ازدهرت المدينة عمرانياً حيث بُنيت المساجد والمدارس وغيرها، وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر أصبحت مدينة "حلب" مدينة مكتظة بالسكان حيث يذكر القنصل الفرنسي "شوفالية داريو" في مذكراته المطبوعة 1735م قائمةً بأسماء الشوارع والأحياء داخل الأسوار وكان عددها 22 حياً وخارج الأسوار وعددها 50 حياً ومجموع دورها 13360 داراً يُضاف إليها 272 جامعاً وكنيسة و35 قصراً و68 خاناً و187 قيسارية و64 حماماً وأنّ مجموع البيوت العامة يصل إلى 14100 دار.
ووضع الأخوان الطبيبان البريطانيان "باتريك والكسندر راسل" في كتابهما /تاريخ "حلب" الطبيعي/ الصادر في العام 1794م مخططاً من صنع الرحالة "نيبور" يبين وضع الأحياء والأبنية الرئيسية داخل وخارج الأسوار آنذاك، وهناك أيضاً مخطط القنصل الفرنسي "جوزيف لويس روسو" المطبوع في العام 1825م ويبين المناطق والأحياء والمباني القائمة، وبعد قيام الانتداب الفرنسي بتحقيق مسح عام للقطر ومدنه ورسم المحاضر وإعطائها أرقاماً بمخططات مناسبة بين عامي 1927- 1929م كلفت بلدية "حلب" في العام 1931م الباحث "جان سوفاجيه" بعمل جرد للآثار الإسلامية في "حلب" ومن شدة إعجابه بهذه المباني التاريخية اتخذ "حلب" كلها موضوعاً لأطروحة الدكتوراه التي نالها في العام 1941م وتبيّن مخططات أطروحته تطور مدينة "حلب" خلال الفترات الهلنستية والبيزنطية والأيوبية وفي الفترة العثمانية».
وتابع "حجار": «أُنشئت أول بلدية في مدينة "حلب" في العام 1867م وبناء على تكليف من الحكومة العثمانية في العام 1882م قام المهندس الألماني "يونغ" بعمل أول مخطط تنظيمي لمدينة "حلب" لتطوير أحياء المدينة الجديدة في الغرب وقد اعتمد الشوارع العريضة والتخطيط الشطرنجي للمدينة وكان ذلك بتاريخ 1/10/1899م أيام الوالي "رائف باشا" وقد اعتمدت دائرة الشؤون الفنية بحلب المخطط بتاريخ 29/1/1915م بتوقيع "جابري نافع أفندي زادة كمال الدين فتحي"، وقد اعتمد في المخطط التنظيمي الشطرنجي على الطريقة الأوروبية للشوارع المتوازية والمتعامدة وانفتاح الواجهات عليها وإقامة الطبقات المتعددة بعد وصول الجيزان المعدنية على شكل الحرف I المصنّعة في أوروبا.
رُسم المخطط على لوحة بأبعاد 65×100 سم وبمقياس 1/5000 وذُكر في الزاوية الشمالية الشرقية منه 60 اسماً لجوامع ومبان مباركة وفي الزاوية الغربية حوالي 60 اسماً لمبان عالية وفي الزاوية الجنوبية الغربية أسماء 48 محلة.
وفي الثلاثينيات من القرن الماضي كُلف المهندسان "إيكوشار" و"دانجيه" بوضع مخطط تنظيم وتجميل وتوسيع ومشروع عمراني لمدينة "حلب" حددت فيه مناطق التوسع الجديدة بشوارع جديدة امتدت داخل المدينة القديمة لتفرض عليها قوانين الأحياء الحديثة والمستمدة من التخطيط الأوروبي وذلك لم يتحقق بسبب معارضة سكان المدينة القديمة وضعف حركة المرور والآليات آنذاك، وفي العام 1954م وضع المعمار الفرنسي "غوتون" مخططاً تنظيمياً جديداً تم بموجبه فتح وتعريض الشارع الذاهب شرقاً من أمام "الجامع الأموي" إلى القلعة ليتم اتصال سكان المدينة بمركزها الإداري المتمثل بالسرايا والبلدية القديمة والمستشفى الوطني وقصر العدل وسبب ذلك في هدم "حمام الواساني" الأثري والجناح الشمالي لخان الوزير و"خان الصابون" وجزء من بناء وواجهة "المطبخ العجمي" و"المدرسة الشرفية".
وأتى المخطط التنظيمي لمدينة "حلب" الذي نظمه الخبير الياباني "بانشويا" في العام 1974م ليبين أهمية الأبنية التاريخية والأثرية داخل المدينة القديمة وليقترح بدوره شوارع اختراق تقطع أوصال المدينة القديمة فيما لو تم تنفيذه، وبُدئ بتخطيط مركز جديد للمدينة على جزء من أرض المدينة القديمة في القسم الشمالي الغربي وهو مشروع "باب الفرج" وبعد أن اعتمد المشروع الذي تم تنفيذ بلوكات أبنية شارع "عبد المنعم رياض" بسبع وتسع طبقات بموجب مخططه ونتيجة تقريري منظمة اليونسكو في عامي 1979 -1980م حول الحفاظ على مدينة "حلب" القديمة ومشروع "باب الفرج" اللذين قدمهما الخبير السويسري "ستيفانو بيانكا" والخبراء العاملون معه مثل المهندس المعمار "عدلي قدسي" و"جان كلود دافيد"، وإثر انعقاد الندوة العالمية لحماية "حلب" القديمة في "حلب" 1983م بمبادرة من فرع حلب لنقابة المهندسين التي كان من نتائجها تبني فكرة المحافظة على النسيج العمراني التقليدي لمدينة "حلب" القديمة فقد تم بعد ظهور السور القديم وبتوجيهات من القيادة السياسية تبني أفكار جديدة لمشروع "باب الفرج" لتأمين خدمات المدينة تنسجم فيه الأبنية مع النسيج العمراني للمدينة القديمة فألغي مشروع "باب الفرج" ذو الطبقات العالية كما تم إلغاء شوارع الاختراق المخرّبة للنسيج العمراني القديم.
وفي العام 2001م تم تكليف الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية بدراسة المخطط التنظيمي الجديد وقد تم فيه إضافة 20000 هكتار لتغطية حاجات التوسع حتى العام 2015 وقد خصص منها منطقة صناعية كبيرة بمساحة 4000 هكتار /الشيخ نجار/ و8000 هكتار للتوسع السكاني و5000 هكتار مناطق سياحية خضراء و3000 هكتار مناطق حماية حول المدينة».
وختم "حجار" حديثه عن دور المهندسين السوريين في تلك المخططات التنظيمية بالقول: «لقد كان المهندسون السوريون يواكبون واضعي تلك المخططات بالدراسات وربما لم يكن حسهم الهندسي على المستوى المطلوب، ولكن مهندسونا اليوم والحق يقال يتمتعون بحس تراثي ناضج أفضل من مهندسي الخمسينيات حيث تم وبعد جهود حثيثة تسجيل "حلب" القديمة لدى اليونسكو في العام 1986م تراثاً عالمياً مهدداً بالخطر واتخذت الخطوات المتسارعة لحماية التراث بإنشاء لجنة /حماية "حلب" القديمة/ وإنشاء /مكتب المدينة القديمة/».