يقع "جامع المهمندار" الذي يعود إلى الفترة المملوكية في مدينة "حلب" في أول طريق "باب النصر" مقابل "المحكمة الشرعية" سابقاً وهو أحد أقدم الجوامع في "حلب"، ويتميّز بمئذنته الجميلة ذات الطراز المغولي المتأثرة بالمآذن السمرقندية بحسب الباحثين والمهتمين بتاريخ العمارة الإسلامية في "حلب".
يقول المهندس والباحث الأثري "عبد الله حجار" عن الجامع لموقع eAleppo: «لقد قام بإنشاء هذا الجامع "حسن بن بلبان" الذي كان يعرف بابن المهمندار وذلك في أواسط القرن السابع الهجري والرابع عشر الميلادي ويشتهر الجامع بمنارته الجميلة والبديعة، وفي العام 1822م تعرّض الجامع إلى زلزال مدمر فآل إلى الخراب في أروقته وقد تم ترميمه ونُقضت مئذنته في العام 1946م حيث أعيد بناؤها بعد تقويتها بالبيتون المسلح وهي تتميز بطرازها المغولي الفريد من نوعه».
"المهمندار" هو لقب بمعنى ممسك الضيف وهو المسؤول عن مطابخ السلطان
وحول مئذنة الجامع يحدثنا الأستاذ "حسن بيضة" مؤلف /كتاب "حلب"- بحوث وأعلام/: «إنّ طراز المئذنة هو مغولي وهي متأثرة بالمآذن السمرقندية، إنّ المئات من مآذن مدينة "حلب" الشهباء ترتفع إلى السماء لتبلغ مواطن الرحمة ومعارج القدس ولكن مئذنة "جامع المهمندار" أرادت أن تبتهل إلى بارئها بأدائها الخاص فزخرفت بنقوش نادرة وتثنت بخصرها وتطاولت، يُطلق على الجامع أيضاً اسم "جامع القاضي"».
وحول الجامع أيضاً يقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض" مؤرخ "حلب" المعاصر: «"جامع المهمندار" مملوكي بناه "الحسين بن بلبان حسام الدين المهمندار" الذي كان من أمراء "حلب" وهو أخو الأمير "علاء الدين"، وكان حاجب الحجاب بمدينة "حلب" وقد كان البناء في أواسط القرن السابع الهجري /الثالث عشر الميلادي/ ووقف عليه وقفاً عظيماً من قرى "حلب" ومنها المنزل الكائن أمام الجامع وذلك في شهر شوال سنة 702 هجرية 1302 ميلادية».
ويضيف "مبيض": «أهم ما في "جامع المهمندار" هو المئذنة التي يبلغ ارتفاعها ستة عشر متراً وقد تهدمت مع أروقة الجامع اثر الزلزال المدمر الذي ضرب "حلب" وما حولها في العام 1822م وأعيد بنائها من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف في العام 1946م».
وحول الكتابات الموجودة في الجامع يقول: «على يمين باب الجامع مكتوب "ملعون من يتعاطى تصوير ما فيه روح بقرب هذا الجامع أو يرفع صورة ما فيها روح ليجمع الناس عليها أو يبيعها ومن فعل ذلك كان داخلاً في عموم قوله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم والحمد لله"».
وحول معنى كلمة "المهمندار" يقول "مبيض": «إنّ كلمة "المهمندار" لقب موظف من العهد المملوكي اتصلت وظيفته بتلقي الرسل واستقبال السفراء القادمين من الخارج إلى بلاط السلطان ومن يرغبون بمقابلته»، بينما يقول الأستاذ "حسن بيضة": «"المهمندار" معناه المسؤول عن مطابخ السلطان»، أما "عبد الله حجار" فيقول: «"المهمندار" هو لقب بمعنى ممسك الضيف وهو المسؤول عن مطابخ السلطان».
وأخيراً يقول الدكتور "محمود حريتاني" المدير السابق الآثار ومتاحف "سورية" الشمالية: «حين جاء المماليك إلى محلة "باب النصر" شيّدوا فيها عدة أبنية عامة كالحمامات والمساجد والمدارس من تلك الأبنية "جامع المهمندار" الذي تم بنائه في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي وتعد مئذنته من أجمل المآذن في القطر العربي السوري بل وفي بلاد الشام كلها وقد وضع نموذجان لها في أكبر فنادق مدينة "حلب" وهو فندق "شهباء الشام"».
وفي المصادر التاريخية الخاصة بتاريخ مدينة "حلب" يقول مؤرخها الشهير "كامل الغزي" 1853 -1933م في كتابه /نهر الذهب في تاريخ مملكة "حلب"/: «"جامع المهمندار" المعروف بجامع القاضي تجاه "المحكمة الشرعية" أنشأه "حسن بن بلبان" المعروف بابن المهمندار في أواسط القرن السابع الهجري ووقف عليه قرى وطواحين و"حمام طوغان" خارج "باب الجنان" المحدود من قبليه وشماليه بنهر قويق وهو وقف عظيم.
إنّ هذا الجامع معمور تُقام فيه الصلوات والجمعة ورأيت صورة وقفية واقفها "محمد بن موسى بن علي" مهمندار المملكة الحلبية وقف فيها على هذا الجامع عدة أراض أعشارية من قرى "حلب" تاريخها 852 هجرية».