ترك المماليك في مدينة "حلب" العديد من الأبنية العمرانية والدينية التي تشهد على التنوع الثقافي والحضاري للمدينة ومن هذه البنية الباقية إلى اليوم "جامع الرومي".
حول الجامع التقى موقع eAleppo في حي "داخل باب قنسرين" بتاريخ 16/12/2011 السيد "هيثم خليل" الذي قال: «مدينة "حلب" كما هو معروف مدينة غنية بالجوامع والمساجد الجديدة والقديمة، الحديثة منها تم بناؤها مع تطور المدينة خارج أسوار المدينة القديمة بينما المساجد القديمة والتي تعود إلى مختلف العهود الإسلامية فهي ما زالت داخل الأسوار كجامع الرومي الشهير.
في حوض الحديقة غرب القبلية كتابة أبعادها 143 -12 سم، نصها: "أنشأ هذه الحنفية المباركة الفقير إلى الله الحاج عبد الله ابن الحاج يحيى وأوقف عليه الدكان الذي في جانب النصر في سنة ستين وتسعمئة". وعلى جدار القبلية في الصحن نص كتابي بأبعاد 75 -45 سم نصه: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، جدد بناه سنة 1269"
الجامع كما تشير الكتابة الموجودة عليه يعود إلى فترة حكم المماليك في "حلب" أي قبل حوالي 700 سنة والشيء الجميل فيه هو أنه ما زال ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم يحتضن المصلين كل يوم خمس مرات وهذا يساهم في عملية التقارب الاجتماعي بين الناس في الحي وخارجه فيرسخ بينهم أواصر المحبة والأخوة والاحترام.
الجامع شهد منذ سبعة قرون الآلاف من سكان الحي والمدينة الذين جاؤوا إليه للصلاة والعبادة في تواصل اجتماعي وديني طويل وجميل».
الأستاذ "حسن بيضة" الباحث في التراث والتاريخ الحلبي وأمين "مكتبة الصابوني" في كلية الآداب بجامعة "حلب" يقول حول الجامع: «يقع الجامع بين حيّ "السفاحية" غرباً و"باب قنسرين" شمالاً وهو جامع في غاية البهاء والحسن، محرابه من الرخام الملون والفسيفساء ومنبره نهاية في الحسن من الرخام الأبيض وكذلك سدته.
كان الحاج "أحمد الصابوني بن الحاج عبد الله" قد أنفق عليه مبلغاً وافراً بحسب ما ورد في كتاب "نهر الذهب في تاريخ مملكة حلب" للغزي.
"جامع الرومي" ضخم البنيان عظيم الشأن يقع بين دور عربية وأزقة شعبية حيث تشعر بالمهابة عندما تقف أمامه أو تدخل إليه فتعتريك نشوة السكينة التي يحياها سكان مدينة "حلب" فالجوامع تلقي عليهم وميضاً ساحراً من الهدوء وترشق على أيديهم عطر المحبة وتضمخ رقابهم بأريج التواضع.
الجوامع في الأحياء القديمة من مدينة "حلب" كثيرة ومنها "جامع الرومي"، هذه الجوامع تحتضن البيوت وتطل على الساحات وكأنّ المآذن تدفع عنهم شر المهالك بابتهالها إلى الله والجوامع تنثر عليهم درر الثقة لذا فهم أغنياء بالفطرة أثرياء بالعمل».
ويقول الأستاذ "عامر رشيد مبيض" مؤرخ "حلب" المعاصر حول الجامع: «"جامع الرومي" هو الاسم الشعبي للجامع أما اسمه التاريخي فهو "جامع منكلي بغا الشمسي" وهو جامع مملوكي يقع "داخل باب قنسرين" في حي "ساحة بزة"، والنقش الكتابي الموجود على بوابته والمحفور ضمن الحجر يشير إلى أن تاريخ بنائه كان في العام 767 هجرية 1365م.
للجامع مئذنة عالية وجميلة مبنية بمتانة وهي مثمنة الشكل وقاعدتها مكعبة لها بوابة قليلة العمق مغطاة بقنطرة مع مقرنصات ضعيفة ورفيعة».
ويضيف: «كان الناس يأتون من مدن بعيدة ومن أطراف المدينة إلى هذا الجامع سواء للتمتع بجمال عمارته أو للصلاة والاستماع إلى محدّثه وأيضاً كانوا يأتون خصيصاً لسماع صوت مؤذنه "جمال الدين يوسف الكشكاوي" الذي كان يتمتع بصوت جميل ويحفظ القرآن غيباً وأيضاً يأتون لسماع مؤذنه "شمس الدين التيزيني" ولتأدية الصلاة خلف إمام الجامع الشيخ "اسرافيل" الذي سمي بذلك لحسن صوته.
يوجد نص كتابي محفور ضمن الحجر فوق ساكف باب الجامع الرئيسي مؤرخ لسنة 769 هجرية 1367م ويتألف من ثلاثة أسطر بخط نسخي مملوكي، والنص:
"بسم الله الرحمن الرحيم، أنشأ هذا الجامع المعمور المبارك الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرفي العالي المولوي المالكي المخدومي السيفي أبو عبد الرحيم منكلي بغا الأشرفي كافل الممالك الحلبية حين كسر الفرنج على إياس في غرة صفر سنة تسع وستين وسبعمئة ويومئذ أتابك الجيوش المنصورة بالديار المنصورة المصرية أدام الله مالكها مولانا السلطان الملك الأشرف اعز الله أنصاره".
وهناك نص كتابي محفور ضمن الحجر دون تاريخ على جوانب قاعدة المئذنة الثلاث تحت بداية الجذع الثامن والكتابة نفسها مكررة فوق ساكف باب الجامع، الكتابة مكتوبة بخط نسخي مملوكي والنص: "إنشاء العبد الفقير إلى الله تعالى منكلي بغا الشمسي غفر الله له"».
وفي كتاب "تقصي خطا الدولة العثمانية في حلب" ورد حول "جامع الرومي" للدكتورين "سالم خلف" و"عدنان مامو" ما يلي: «يقع في محلة "ساحة بزة" أنشأه نائب "حلب" "منكلي بغا الشمسي" في العام 767 هجرية 1365 م ثم رممه "جانم الحمزاوي" في نهاية الفترة المملوكية مع تصغير القبلية من الجهتين الشرقية والغربية في العام 917 هجرية 1511م.
يعد "جامع الرومي" من الجوامع المملوكية المتميزة في "حلب" فمدخله يقع ضمن إيوان وعلى جانبيه مكسلتان وفوق نجفته نقائش كتابية تؤرخه وتزينه وفي طاسة الإيوان مقرنصات ومدليات دقيقة المئذنة شاهقة الارتفاع دائرية المقطع مبنية بالحجارة الكلسية البيضاء ويفصل بين كل دورين من أدوارها شريط من المقرنصات وفي أعلاها شرفة تستند الى المقرنصات أيضا وفوقها مظلة خشبية.
ما زالت مئذنة "جامع الرومي" وحيدة في شكلها وطرازها في مساجد "حلب" ولم تبن مئذنة مماثلة لها منذ أن أنشأها "منكلي بغا" وحتى الآن.
محراب القبلية يشبه المحاريب الجميلة المميزة للمدارس الأيوبية كالشاذبختية و"السلطانية" و"الفردوس" حيث يتألف قوسه من تداخل وتشابك دوائر الرخام الملون وعلى جانبيه عمودان من المرمر المحفور بزخارف نباتية جميلة كما أن المنبر بني بالرخام الأبيض المزخرف بزخارف نباتية وهندسية دقيقة وأنيقة وما زالت السدة الخشبية ترتفع فوق مدخله الأوسط.
جدد جدار القبلية الشمالي في العام 1852م ثم عمرت غرفة شمال الصحن وذلك في العام 1902م».
أما في كتاب "دراسة نقائش العهد العثماني في محافظة حلب" للدكتورة "نجوى عثمان" فقد ورد: «في حوض الحديقة غرب القبلية كتابة أبعادها 143 -12 سم، نصها: "أنشأ هذه الحنفية المباركة الفقير إلى الله الحاج عبد الله ابن الحاج يحيى وأوقف عليه الدكان الذي في جانب النصر في سنة ستين وتسعمئة".
وعلى جدار القبلية في الصحن نص كتابي بأبعاد 75 -45 سم نصه: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، جدد بناه سنة 1269"».