أعلام النقد الفني في التاريخ.. للناقد د. عبد العزيز علون

هيسم شملوني

صدر مؤخراً كتاب "أعلام النقد الفني في التاريخ" للناقد والباحث التشكيلي "عبد العزيز علون"، الذي يتناول فيه سبعة شخصيات كان لكل منها دور مهم في تاريخ الحركة التشكيلية العالمية، في حقب تاريخية مختلفة، وأماكن وبلدان مختلفة أيضاً.

للمفكرة الثقافية كانت وقفة مع الناقد د. عبد العزيز علون الذي قدم فيها عرضاً لكتابه وجاء فيه:

في الحقيقة كتاب "أعلام النقد الفني في التاريخ" هو المادة التي لخصت فيها أن هناك كثيراً من اللغط في الإعلام الفني، في الصحافة بشكل خاص، حول موضوع أن الفنانين غير مرتاحين لكاتب كتب عنهم، أو كتب لهم مقدمة لمعرضهم أو هاجمهم في نهاية معرضهم.. إلخ، فكان في كل فترة في الصحافة السورية بشكل خاص والصحافة المصرية تخرج مقالات تتحدث عن النقد، فالفنان يخرج ويقول أن النقد ليس هكذا، أنا فكرت في أن الحل السليم أن تقدم نماذج عن النقاد في العالم.

ما معنى الناقد في الأساس، وما معنى النقد الفني؟؟، الواقع أن الدخول على موضوع النقد هي لغة عربية للفنون الجميلة غير سليمة، لأن الكتب الأساسية في النقد الفني ليست متداولة كثيراً في اللغة العربية، لأننا لم نحدد من الكتب في النقد الفني في اللغة العربية، فمعظمها كتب منتقدة، لكتاب "الأصنام" لـ"أبي الهشام الكلبي".

ليس تاريخ الفن مجرد استعراض لأسماء وسير الفنانين وأعمالهم، وإنما هو قراءة معمقة في التحولات الفلسفية والجمالية التي تهيئ لإنتاج فني، يستظل بظلها، ويدلل على دورها، ثم يدرس استجابة المجتمعات لهذا الفكر الفني أو ذاك. وتاريخ الفن هو صفحة استعراضية تحتاج قبل الإطلاع عليها إلى دراسة ما يسمى في العلوم الحديثة بفن النقد الفني الذي يقوم بجمع تأثيرات الفلسفة الفنية على صفحة إنتاج الفنانين.

 

يقوم النقد الفني على بناء جسر يبين صلة الفلسفة الجمالية بالإنتاج الفني، وتأثيرات هذا الإنتاج الفني على المجتمع. وليس النقد الفني مجرد استعراض تاريخي أو تجميع لردود أفعال المشاهدين. ونحن لم نعمل في اللغة العربية على وضع أبحاث حول النقد الفني وأعلامه في التاريخ، ودأبنا على ربط الفن الرافدي والفن الفرعوني وفنون سورية القديمة واليونان بالتتابع المتسلسل للأسر المالكة والسلالات وسير حكام المدن والمقاطعات. وأكثرنا من التسجيل التاريخي للحقبات الزمنية، التي درجنا على تسميتها بفن يوناني وفن رافدي وفن آشوري وفن فينيقي وفن فارسي وفن فرعوني وفن أموي...الخ. وحددنا الحقبات التاريخية بأبعاد زمنية، وربطناها في بعض الأحيان بملوك وحكام في حين أن الشكل الأصح والمعروف أكثر على الصعيد العالمي هو ربط الإنتاج الفني بالنظريات الفلسفية والأديان والتحولات الاجتماعية ذات الأسس الفكرية، مثل ربط الفسيفساء الأموي الكبير بدمشق، واللوحات الجدارية في قصر عميرة بازدهار الدولة العربية بعد العصر الراشدي، وربط الحركة الفنية في سورية  بعهد ما بعد سقوط الدولة العثمانية.

لذلك فإننا نرى أن نتوقف عن الاستعراضات التاريخية واختصار شخصيات الفنانين بالأرقام الزمنية، والعودة إلى تاريخٍ للفن لبيان تأثير وتأثر التحولات الاجتماعية الكبرى وعقائدها وفكرها الفلسفي من خلال طرق تقديم الأعمال الفنية. وهذا يقودنا إلى البحث عن الفكر الفني والجمالي في الأعمال الفنية ومدى ترجمتهما بأشكالٍ من المواد والتقانات، ونبحث أيضاً عن أشكال التقانات والأدوات والمواد من جانب المهارة والضعف في التعامل معها، حسب كل فنان من الفنانين ومدى تعبير العمل الفني عن الفكرين الجماعي والفلسفي.

تركن مهمة الناقد الفني بالنسبة للعمل الفني بجملة من الوظائف المباشرة نعد بينها: توصيف العمل الفني وتحديد شخصيته، وإدخال الجمهور إلى دنيا العمل الفني الجديد، من أجل تذوقه، وكشف مواطن الجمال فيه، ومساعدة الفنان ذاته في تطوره نحو المستقبل، وتحديد مكانة العمل الفني بالنسبة لإنتاج الفنان وتاريخ الفن في الإطارين الاجتماعي والإبداعي اللذين ظهر فيهما العمل الفني، والتعريف بقيمة هذا العمل الفني بالنسبة لمسيرة الحركة الفنية  المحلية والعالمية.

والنقد الفني ليس علماً، تطبق قوانينه على مواد جامدة، وإنما هو فن مرتبط بأطراف متبدلة، ومتحركة، ويحتاج الإلمام بعناصره إلى ثقافة واسعة بصرية وعملية، ومخزون كبير من معرفة العلوم المكملة والإطلاع على الصنائع الداخلة في التقانات المعتمدة، هذا بالإضافة إلى التمكن من علوم اللغات التي يكتب بها الناقد ونقصد بها علوم النحو والصرف والبيان والبديع، ومعرفة حدود الاشتقاقات، وأصولها في اللغات الكلاسيكية، وطرق استخدام المعاجم المقارنة والإنسكلوبيديات المختصة، والاستناد إلى مكتبة متخصصة تحيط بتاريخ الفن العام وعلم الاجتماع وعلم الآثار والعلوم الفيزيائية والكيميائية ذات الصلة بالتقانات.

وإن من يظن أن النقد الفني مجرد هذر صحفي عابر، يعتمد على السفسطة الكلامية، لا يجني أكثر من إضاعة وقته وأوقات الآخرين. وإن الفنانين الذين يجمعون حولهم من يصفق لهم، يضلون طريقهم عند أول منعطف، ونحن نعتقد أن تاريخ الفن، لم ينتج فناً بدون نقد فني سابق له أو لاحق بعده. وقد نقع على مصادفات فنية في تاريخ الفن، ولكن هذه المصادفات تبقى معزولة وتنبذها الحضارة ما لم تدخل في سياقها.

وإن تاريخ الفن الذي لا يقوم على نقد فني قادرٍ على الربط فيما بين الفلسفة الاجتماعية والجمالية وأشكال التقانة المعبّرة عنها ليس له من قيمة، ولا يقدم فائدة تذكر. في حين أن النقد الفني الذي يكشف عن الأسس الفلسفية والظلال الاجتماعية ومظاهر التقانات وطرق التنفيذ التي تنتج بها الأعمال الفنية يستطيع أن يقدم للمشاهد وللقراء صوراً مفيدة ومشجعة على اكتشاف عبقريات الفنانين، ويحدد مكانة كل منهم ودوره في مجتمعه وفي مرحلته التاريخية يسمح لهذا المشاهد أن يتذوق الأعمال الفنية.

لقد حسمت مجتمعات العالم مسألة العلاقة بين النقاد الفنيين والفنانين وحددت دور كل من الفنان والناقد، فشطبت أسماء الفنانين الذين لا يستطيعون إبداع ما هو جديد وقيم، وضمت أسماء المنتجين بدون طرافة أو إبداع إلى ذيل لائحة فناني العصر، ومسحت المواد النقدية التي لا تحسن قراءة الأعمال الفنية بعلاقتها مع الفلسفات التي تركن إليها، سواء أكانت فردية أم جماعية.

ونظراً لأننا لا نملك في اللغة العربية أمثلة واضحة عن النقد الفني، ومازال النقد لدينا قائماً على الانطباعات الخاصة، لذلك قررنا أن نضع بين أيدي القراء عدداً من الأبحاث القصيرة للتعريف بأهم أعلام النقد الفني في العالم وفي منطقتنا بصورة خاصة، وراعينا أن تتوفر الأعمال الفنية أو سيرها كي يستطيع المشاهد الجمع بين العمل الفني وخلفيته الفكرية، فاخترنا كتاب "كاسيوس لونجنوس" التدمري «نحو ما هو سامٍ في الفن»، لتذكير القارئ أثناء استعراضه للأعمال الفنية في تدمر بدور الناقد الفني الكبير لونجنوس وضرورة الاحتفاء بالأعمال الفنية  المتميزة في تدمر ومحيطها. ثم انتقلنا إلى ما فعله عمرو بن لحي قبل الإسلام باستيراد مجموعة من التماثيل التي تميزت بالطابع الهيلينستي، وفن ما بعد الإسكندر، وبيّنا أسباب نقد العصر الإسلامي لعمرو بن لحي، وتكفير الرسول (ص) له، لإدخاله أساليب فنيةً وافدة إلى شبه الجزيرة العربية ، ثم انتقلنا إلى التعريف بوجهة نظر القديس يوحنا الدمشقي حول أهمية الإيقونات والقيم الجمالية التي تقدمها وجوه القديسين والقديسات واعتبرنا دفاع "يوحنا الدمشقي" فلسفة جمالية أرست قواعد ما نسميه بفن التصوير الوجهي وحمت الفن البيزنطي من السقوط.

وفي العصور الحديثة عرفنا القارئ العربي بأشهر كتب عصر النهضة النقدية (ونقصد به كتاب حياة الفنانين للناقد جورجو فاساري) الذي أضاف إلى عصر النهضة مجداً أغنى سيرة إبداع هذا العصر الناهض، ولخصنا السجال الطويل الذي دار في القرن التاسع عشر في انكلترا وأوروبا، وأسفر عن الخروج من التقاليد الأكاديمية والدخول في الحقبات المشرقة في تاريخ الفن، ونقصد بها المدارس الرومانسية والانطباعية والتأثيرية وما بعدها.

ثم توقفنا عند الناقد الفني والشاعر المشهور "غوليوم أبوللينير"  مؤسس وواضع أسس أهم المدارس الفنية المعاصرة كالتكعيبية والسريالية والأورفية والحروفية، والمدافع عن المستقبلية والدادا. وقد قمنا بنقل بعض قصائد هذا الشاعر إلى العربية لتوضيح الكلمة التي أدخلها أبوللينير إلى لغة النقد الفني ثم توقفنا عند عالم الدراسات الأنثروبولوجية، "فاسيلي كاندينسكي" الذي اكتشف الفن التجريدي، وأبدع أوضح الأمثلة عليه فقد اعتبره لغة أخرى، تضاف إلى لغة الأشكال المقروءة العادية  بالاعتماد على هندسة الصورة ذات البعدين، والخروج عن الفراغ الكوني الخالي من الشخوص (NON-FIGURATIVE)، والبعد عن تمثيل الواقع(NON-REPRESENTATIVE) والجانح نحو المادة الفنية اللاموضوعية (NON-OBJEUTIVE).

هي أحد الكتب التي صدرت في منتصف القرن الثالث الهجري، والآن هناك شقّ بيننا وبينه كثيراً، وهو كتاب إخباري أكثر من كونه كتاباً نقدياً، كتاب إخباري بمعنى أنه على لسان الفقهاء ماذا ورد عن بيوت العبادة، وبيوت العبادة هي عبارة عن أروقة لعرض الأعمال الفنية، كان يجتمع العرب حولها ويقوموا بعباداتهم، وهذا قبل الإسلام،

البحث الأول كان حول "كاسيوس لوندينوس" الذي هو عالم الجمال المشهور الذي كان وزيراً من وزراء (زينب)، عمل وزيراً بالمرحلة الأولى عند "أذينة"، وبعدها عند "زينب"، وألف كتاباً ما زال يدرس في جامعات العالم وحتى في جامعة دمشق، واسمه (أونلي سابلاين - حول ما هو رفيع وسامي في الفن)، كتبه باليونانية بلغة جميلة، هو تدمري ولكن المرحلة كانت مرحلة اللغة اليونانية، اسمه في الأصل عربي، كان شاباً مثقفاً ولد في حمص وعمه عمل في الثقافة وأرسله على نفقته للدراسة في أثينا، فدرس هناك اللغة اليونانية، وعلم البيان اليوناني، وأصبح أستاذاً في أكاديمية أثينا للدراسات الفلسفية والأدبية، أصبح اسمه (أستاذ البيان)..

الشخص الثاني في الكتاب هو (عمرو بن لحي) وهو شخصية إشكالية في الثقافة العربية، وشخصية مهمة جداً، وقف الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة، وكان يخطب بالناس، وقف وصمت، ثم التفت إلى الناس وقال: (أول الداخلين إلى جهنم عمر بن اللحي)، فسألوه يا رسول الله لماذا؟ قال: (لقد رأيته يجرّ أوعية بطنه في النار)، كان شخصية سياسية، تزوج من خزاعة وانقلب على خزاعة، وأسس الأسرة القرشية الجديدة في مكة، أدخل دم جديد إلى المدينة، وانصرف فيه عن تاريخها القديم، قصة عمرو بن لحي في الكتب القديمة تأتي كملخص على النحو التالي، عمرو بن لحي كان زعيم من زعماء العرب تزوج من بنت كاهن أو سادن الكعبة، التي أسستها قبل قريش القبائل العربية القديمة، وأخذ عن عمه سدانة الكعبة، وأعاد تنظيم الكعبة من جديد وفرض على كل (كعبات) العرب، حيث كان لدى العرب مجموعة من الكعبات، أن تشتري نوعاً جديداً من العمالة الفنية، ما هو النوع الجديد؟؟ عندما تقرأ عن أي تمثال للأصنام، بالنهاية نجد أن هذا أدخله (عمرو بن لحي) بمعنى أنه جاء بهذا التمثال وباعه هو وقصته، حيث له قصة أسطورية أحضرها (عمرو بن لحي) كتبها أو أحضرها من مكان آخر، فلدينا أهم أصنام العرب (هبل – لد – سواع – يغوث – يعوق – نسر)، هؤلاء أحضرهم (عمرو بن لحي) ولدينا 11 صنم كانوا أهم تماثيل العرب جاء بها (عمرو بن لحي)، البحث الذي اهتتمت به، أخذت هذه المجموعة من التماثيل ودرست مصادرها وأشكالها، واختلافها عن الموجود، الجزيرة العربية والمنطقة الصحراوية منها، كانت تصنع أعمال فنية من نوع آخر، أعمال تعبيرية.

الشخصية الثالثة من المنطقة أخذت القديس "يوحنا الدمشقي"، وهو شخصية أيضاً مهمة بتاريخ الفن في المنطقة، يوحنا الدمشقي أحد المثقفين الكبار في تاريخ علم الأدب والفلسفة، وهو أحد المصلحين للموسيقا الكنسية، كان الرجل يتمتع بموهبة هائلة في اللغة اليونانية، كان يجيد اللغة العربية، وكان من أصدقاء يزيد بن معاوية، ومن أصدقاء الأخطل الكبير، هذا الرجل كان شاعراً، ترك مجموعة كبيرة من قصائد الشعر، كلها تتحدث عن غزله في مريم العذراء، وكتب موسيقا، ألف موسيقا للكنيسة ما زال قسم كبير منها ينشد للآن، وله يوم تحتفل به الكنائس العالمية