الأغنية الصوفية في الموسيقا السورية

إيمان أبوزينة

 التصوف هو مصطلح عربي الأصل، استعمله الصوفيون للدلالة على الإنشاد الديني والذي يكون ضمن مجالسهم العلمية أو التعبدية، وبالأخص المولوية. ويتضمن السماع عادة الدعاء والإنشاد الديني وترديد الأذكار واسم الله، والالتفاف حول النفس عند المولوية. (1)

 وضع الموسيقي والصوفي الكبير "علي بن عبد الله الششتري" الذي ظهر في العهد المريني (2)  قواعد الأغنية الصوفية في "نوبات المألوف" الأربعة عشر التي تنشد بتونس على الطبوع الأندلسية، فظهرت للأغنية الصوفية قوالب وأشكال متباينة بتباين الطرق ومناهج غنائها وأنواع رقصها، ثم تطورت في أسلوب الأداء، حيث فضّل البعض الغناء بشكل فردي، والبعض الآخر فضل الغناء الجماعي لأنه أكثر تأثيرا وأشد قوة، وحافظ البعض على طريقة غناء بسيطة مثل البدو، أما البعض الآخر ففضل الغناء بظهور الغّنة في اللفظ.  لكن هذا النمط الموسيقي لم يتطور كثيرا مما أدى الى تدني سماعه في أيامنا هذه رغم أن الكثيرين يرفضون هذه الفكرة. 

 في لقاء مع العازف "عابد عازارية" في مدونة وطن (3) قال: « الصوفية فكر لاهوتي فلسفي نشأ في القرن التاسع وانتهى في القرن الثالث عشر، واليوم هناك أناس يسمون أنفسهم "دراويش" يدقون ويغنون، فيأتي أناس دجالون من بلادنا ومن غير بلادنا يقولون عنهم صوفيين لأن الكلمة منتشرة على الموضة، فالتصوف هو إبداع فكري لاهوتي وموقف من الكون، وعندما تقف "رابعة العدوية" لأول مرة في تاريخ الأديان وتقول أنا لا أخاف منك يا الله ولا أخشاك، أنا أحبك، اصبح الله عندها صديق وحبيب حميمي، فالله موجود في كل شيء، وفي هذا المعنى التصوف كانت مدرسة فلسفية إنسانية كبيرة جداً، واليوم يمكن أن نتعلم منه أشياء كثيرة، لكن أن نقول إننا صوفيون فهذا من الافتراءات الكبيرة على النفس.

الانشاد الديني والموسيقا الصوفية:

ينسب وضع أوائل الألحان الموسيقية للسماع إلى السلطان ولد (بهاء الدين محمد ولد) وهو الابن الأكبر لجلال الدين الرومي، وتدور موضوعات الغناء الصوفي حول حب الله ورسوله.

وينقسم الإنشاد الدينى إلى الإنشاد الصوفى الذي كان منشدوه ينشدون السيرة النبوية الشريفة، والتواشيح الدينية التي تعتمد صياغة لحنية تبدأ بالسلطنة على درجات أنغام المقام ، والابتهالات الدينية التي تقوم على الارتجال الفورى للمبتهل بقصيدة معينة ، والمديح الدينى الذي يستخدم فيه المنشد الموسيقا البسيطة التى تجذب الناس إليها ، أما الغناء الدينى فهو كلام يلحنه متخصص فى صياغة الألحان ويغنيه مطرب أو مطربة.

 تعتمد الأغنية الصوفية على ألحان موسيقية مميزة ، هى فى الغالب مزيج من الطبوع والمقامات المستعملة فى أنماط الموسيقا العربية ، وحركة الرأس مع حركة الجسد تكون عادة للهيام بالأجواء الروحانية الصافية .

اعتمدت الأغاني الصوفية في يومنا هذا علىالإنشاد الصوتى وفق الأنغام الموسيقية وليس على الانشاد مع مع الآلات الوترية، وآلات النفخ، والنقر.

العازفة" شادن اليافي" في لقاء سابق مع مدونة وطن  (3) قالت: »نجد مسحة من التصوف عند أكثر الفنانين عندما نتأمل في سير حيواتهم في تساميهم عن الأمور المادية وسعيهم إلى القيم الروحية وتفانيهم في رسالتهم. التصوف مثله مثل الفن يتطلب العزلة والتأمل والجد والمكابدة في الارتقاء والانضباط النفسي والزهد في كل ما هو مادي زائل. والمتصوف مثل الفنان يعشق الجمال ويؤمن بملكات في الروح خارج نطاق الجسد والعقل مثل الوحي والالهام وهي أمور ماتزال غامضة يعجز العلم عن تحليلها وتفسيرها. لا شك أن التجربة الفنية تشبه إلى حد بعيد التجربة الصوفية في كل ما ذكرت وأيضاً في أهدافهما المشتركة في الارتقاء بالانسانية إلى اسمى الدرجات«.

من أشهر المنشدين الصوفيين : "ياسين التهامى من مصر الذي أتاح له صوته إنشاد أصعب القصائد بمقامات رائعة الأداء، كذلك كلا من ناظم الغزالى من العراق،  وأم كلثوم من مصر،  وصباح فخرى من سورية والذي يعتبر أفضل منشد عربى فى علاقته مع الموسيقا وتوظيفه لها فى الإنشاد ، فهو يتعامل مع المقامات الموسيقية بحساسية نادرة ، ينتقل فيها ، ويزاوج بينها بمهارة لم يعرفها المنشدون الدينيون.

المنشد الكبير المرحوم "فؤاد خانطوماني" كان معلما وقدوة في الإنشاد والغناء، وكذلك المرحوم "صبري مدلل"، ومن أعلام الانشاد الديني في سورية العمالقة:     " أمين حسنين، أمين شرفاوي،  توفيق المنجد، حسن أديب، حسن حفار، رسلان الصباغ، حمزة شكور، سعيد فرحات، سليمان داوود، سيد النقشبندي، سيد شطا ، محمد عمران، محمد الفيومي، صالح المحبك، نصرالدين طوبار، طه الفشني ،  مسلم البيطار".

المرحوم "شفيق شبيب" رئيس قسم الموسيقا في الإذاعة السورية  قديما قال (5) : »أتى على الموسيقا حين من الدهر تردت فيه إلى أقصى حدود التردي والانحطاط بعد أن زالت سيادتهم على أوطانهم وصاروا محكومين بعد أن كانوا حاكمين،  وخلال هذه الفترة التاريخية انبرينا نحن الشيوخ،  شيوخ المذاهب الصوفية للحفاظ على الألحان العربية فحفظناها كما حافظ عليها أسلافنا، واستعنا بها كما استعانوا بها في زواياهم، وصاروا يضعون على غرارها روائع التسابيح الإلهية والمدائح النبوية، إلى أن أخذ العرب جانباً من حرياتهم، فردوا إليهم الأمانة التي حافظوا وحفظوا وأورثوا وكانوا من الصادقين، إن الفضل وكل الفضل يعود في النهضة الموسيقية التي نشاهدها هذه الأيام لمشايخ الطرق الصوفية الذين صانوا هذه الألحان من الضياع، وأورثوها للناس من بعدهم، جيلاً بعد جيل».

 

المراجع:

(1) ويكيبيدا

(2) "المرينيون"، "بنو مرين" أو "بنو عبد الحق " هي سلالة حكمت بلاد المغرب الأقصى من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر ميلادي

(3) مدونة وطن

(4) http://www.islamonline.net/arabia/arts/2003/05/article07.shtml

http://www.islam-maroc.ma/ar/detail.aspx?ID=1272&z=357&s=15

5- الموسيقا في سورية أعلام وتاريخ / صميم الشريف