"الربابة"...اختلاف النشأة وابداع العرب

كسار مرعي – الحسكة

لم يتمكن احدٌ من حصر تاريخها ولا معرفة العام الذي وجدت فيه، لكن الباحثين في مجال التراث أرجعوها إلى عصور ما قبل الميلاد، وعلى الرغم من بساطة تكوين هذه الآلة وصناعتها، إلا أن الصوت الذي تصدره يدخل إلى القلب والوجدان دونما استئذان، ومع أنها تعمل بعيداً عن النوتة والسلم الموسيقي إلا أنها تلزم بمقومات الفن، وذلك تبعاً لشاعرية العازف.

يقول الباحث في مجال التراث الشعبي "عايش الحسين": "الربابة آلة وترية قديمة قدم التاريخ؛ يرجع أصلها إلى آلة "راڤانا سترون" "Ravana Stron" النابع من الهند، ويقول الباحثون أنها وجدت في عام 5000 قبل الميلاد لكنها عادت واندثرت بسبب عدم استعمالها في العصور التالية، وهنا جاء دور العرب الذين يرجع إليهم الفضل في إعادة احيائها من خلال إيجاد آلة ذات قوس أطلقوا عليها اسم "الربابة"، وهي آلة وترية أيضاً، قاموا بزيادة وتر آخر عليها لتصبح بوترين؛ في حين كانت "راڤانا" تعتمد على وتر واحد، وبقيت الربابة تعتمد الربابة على وترين متساويين في السماكة لفترة طويلة من الزمن، ثم تطورت إلى 4 أوتار تختلف سماكة كل وترين عن غيرهما، بعد هذا التطور انتشرت هذه الآلة في العالم الاسلامي فوصلت إلى المشرق والمغرب في آنٍ معاً، بعدها سارت مع الفاتحين فوصلت "الأندلس" و"صيقيلية"، وما لبثت أن حطت رحالها في "أوربا" وذلك في القرن الحادي عشر".

ويتابع :" في أوروبا عرفها الناس والعازفون باسم "ڤيولا" "Viola" أي "الكمان"، وراح أهل تلك البلاد يدخلون عليها بعض التطوير حتى أخذت شكلين "ڤيولا الذراع" وهي التي تحمل على الذراع أثناء العزف، و" ڤيولا الركبة" وهي التي يضعها العازف بين ركبتيه، وارتفع عدد أوتار الربابة عند الأوربيين إلى 6 أوتار، فظهرت مشاكل في العزف على الأوتار الوسطى، فرجعوا إلى الربابة العربية بأوتارها الأربعة".

"تُصنع الربابة من قطعةٍ من جلد الضأن منزوعة الصوف، ويفضل العازفين استخدام جلد الغزال لما يتميز به من نعومة ورقَّة، حيث يتم شدها على صندوقٍ من الخشب يأخذ شكل المستطيل، ويتم إحداث ثقوب على وجهه لضبط الصوت وتتراواح الثقوب بين 1 و3 حيث يبلغ ارتفاع الصندوق 7 سنتيمترات ويخترقه قضيبٌ من المعدن يسمى عمود الارتكاز، يمتد على طول الصندوق الخشبي ويشكل مع عمود الربابة القطب الأساسي للآلة، ويربط بين طرف العمود من الأسفل والرقبة من الأعلى وترٌ مصنوعٌ من شعر ذيل الحصان العربي يسمى "السبيب"، يرتفع هذا الوتر عن جسم الصندوق بواسطة قطعة من الخشب تسمى "الغزال"، ويُحزُّ على الوتر بواسطة قوس مصنوع من غصن شجرة الخيزران، ويكون طول الوتر مقدار نصف طول القوس، لضمان شد الوتر بنسبة كبيرة، ولكي يصدر القوس صوتاً شجياً وصحيحاً، ويوضع على الوتر مادة "الِحصْلبان" أو "حصى اللبان"؛ وهي مادة صمغية تشبه "القلفونة" التي يستعملها عازفوا الكمان، وعند تمرير القوس على الوتر تصدر عنه درجة الأساس، أما باقي النغمات فتخرج عن طريق تحريك الوتر بالأصابع الخمسة، ويصنع وتر القوس أيضاً من شعر ذيل الحصان ولكن بعد تصفيفها وترتيبها.

ويصنف المدى الصوتي للربابة ضمن إطار المساحة الصوتية أو المجال الصوتي للأصوات البشرية، أو لأصوات الآلات الموسيقية وهو عدد الدرجات الصوتية المحصورة بين أعرض نغمة وأحدِّ نغمة، ويتم ضبط وشد الربابة وفقاً لصوت المغني؛ ويعتبر الصوت الصادر عن الربابة من الأصوات الحزينة والشاعرية.

من جهته بين الدكتور "محمد الغوانمة" الباحث الأردني في مجال التراث الشعبي أن الربابة تقتصر على الرجال وغالباً ما تعزف في المجالس الشعبية البدوية وداخل البيوت، خصوصاً في المناسبات الاجتماعية الشعبية، وللربابة خمسة أصوات موسيقية وتعتبر ذات طابع شاعري وحنون وحزين. وللربابة عدة أنواع فالربابة ذات الوتر الواحد تستخدم في بلاد الشام ودول الخليج العربي، ومنها أيضاً ذات وتر واحد وتعرف بـ "أم كيكي" وتستخدم في "السودان"، أما الربابة ذات الوترين فتستخدم في "مصر وتعرف باسم "الرباب المصري"، ومنها أيضاً ذات الوترين التي تستخدم في "المغرب العربي" وتسمى "الرباب المغربي"، وأخيراً الربابة ذات الأوتار الأربعة وتستخدم في "العراق" وتسمى "الجوزة العراقية".

أما الباحث العراقي الدكتور "صبحي أنور رشيد" فيرى أن الموطن الأصلي للربابة هو "العراق"، ويدلل على كلامه أن بلاد ما بين النهرين وجوارها مثل "إيران" و"تركيا" ما زالت تعتمد في العزف على الآلات الوترية، وهذا الاعتماد الكبير على مثل هذا النوع؛ لم يأتِ من فراغ كما أنه لن يكون وليد فتراتٍ زمنية قريبة.

ويذهب الباحث اللبناني " سليم الحلو" إلى أن الربابة آلة خرجت من "اليمن" وانتشرت إلى بقاع الأرض، وأول ظهور لهذه الآلة ترافق مع نزوح أهل "اليمن" إلى "مصر"، حيث نقلوا المدنيّة معهم إلى تلك الديار ومن ضمن ما نقلوه آلة الربابة، حيث تؤكد بعض الدراسات أن أول من أبدع هذه الآلة هم اليمنيون.

أخيراً يؤكد الباحث المصري الدكتور "نبيل شوره" أن أول إشارةٍ لاستعمال القوس كان في كتاب "الموسيقى الكبير" للفارابي، ثم في "رسائل إخوان الصفا" ثم كتاب "الشفاء" لابن سينا ومن بعدهم ورد ذكرها عند "ابن زيله" في كتاب "الكافي"، كما ذكرت في رسائل "الجاحظ" ثم "ابن خلدون" في مقدمته و"القلقشندي" في كتاب "صبح الأعشى"، وهكذا عرفت الربابة في الحضارة الاسلامية في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي، ثم انتقلت إلى "أوربا" في بداية القرن الحادي عشر، كما أشار "ابن الفقيه" في جغرافيته إلى أن أمهر من عزف على الربابة هم "أقباط مصر"، كما ذكرت الربابة في مخطوطة "كشف الهموم والكرب في شرح الطرب"، التي تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي.