"الشعر المولّد"... خروج الفرع من الأصل وارتباطه فيه

 كسار مرعي - الحسكة

 

بين التقنية الفنية والاستغراب؛ وبين الحرفة العالية والدهشة، وبين الإبداع الشعري واستمتاع المتلقي، وبين الشعر الفصيح وجزالته وامتداده التاريخي ومعلقاته وأصالة ما بني عليه من معنى ومبنى، وما بين العتابا والأبوذية ونظمها الجميل ومفردات قافيتها التي تكون متشابهة باللفظ ومختلفةً بالمعنى، يبصر النور نوع من أنواع الشعر الجميل، فلا هو فصيح بالمجمل ولا هو محكي بالمطلق.

يقول الشاعر "إسماعيل الحصن" أحد فرسان الشعر المحكي إن هذا الشعر ينبع من أنين متذوق مجروح، يشعر بكل كلمةٍ ينطقها اللسان وتدخل القلب دون استئذان؛ وكأنها سحبٌ من السماء على أرضٍ عطشى، ويبدو أن الشعر الفصيح والشعر الشعبي بينهما قرابة عظم؛ بل يكاد يكون الشعر الشعبي الأخ الشقيق الأصغر للشعر الفصيح، ويؤكد كثير من الباحثين في هذا الشأن صلة القربى هذه، فكثير من المفردات المحلية هي مفردات فصيحة لا يُشق لها غبار، وقد يقول قائل إن الشعر الشعبي لا يخضع للوزن، وهذا اتهام شائع لا أساس له من الصحة، والحقيقة أن الشعر الشعبي يخضع لموسيقا ووزن وانتظام وقافية، وقد يكون هذا الاتهام هو أبرز أسباب التي نتج عنها الشعر "المولّد"، حيث تنظم أبياتٌ من  الشعر الفصيح المغنّى يليه بيت العتابا أو الأبوذية، ليضيف جماليةً رائعة إلى جمال الشعرويتحول اسمه إلى الموال البغدادي أو "المولد"، وكتبه كبار الشعراء وغناه كبار المطربين واستمتع به جمهور عريض متذوق، ومن هذا الاستمتاع استمد الشعر المولد شرعيته، التي لاقت استحسان المتذوق العربي.

انتشر هذا الشعر في الجزيرة السورية منذ نشأته، ولا يمكن الجزم في تحديد وقت ظهور الشعر المولّد إلا أن القول الراجح يرجعه إلى عامي  1700 و 1800 من القرن الماضي، لكنني أستطيع أن أجزم بأن الشعر الفصيح المتبوع ببيت من الأبوذية هو أجمل بكثير من الشعر الفصيح المغنّى؛ رغم جمالية الشعر الفصيح المغنى الذي  لا يختلف عليه اثنان، ومما كتبته في الشعر المولّد:

طالتْ مسافاتُ الهوى عنْ خاطري ... ومسيرتي هُدت بها الأوصالُ

فالبعدُ عنها صارَ عنديَّ مقْتلي... والقربُ منها مُنيَتي  ومحالُ

وامْحال

وامحال ذبل منك ربيع الگلب وامحال... وأدوّر وداد شخصك علي ومحال

إذا چتلي بايدينك صار ومحال .... علش عَچلان ما تصبر عليه.

وباعتقادي أن من  أجمل ما قيل في الشعر المولّد وغُني بصوت الفنان الكبير "سعد البياتي"

جاذبتهُ لعناقٍ فانثنى خجِلاً ...  فكللتْ وجنتاهُ الحمرِ بالعرقِِ

فقالَ لي بفتورٍ من لواحظهِ ... إنَّ العناقَ حرامٌ قلتُ في عنقي

خيلاه..

جذبتهَ للعناق انثنى خيلاه ...  وتكلل باحمرار الوجن.. خيلاه

بفتور من اللواحظ گال خيلاه ... العناق حرام گلت الإثم ..ليه

من جهته قال الباحث في مجال الشعر المحكي السيد " أبو عبد الله الحديدي": يستقي الشاعر الشعبي معنى الشعر المولّد من أبيات الفصيح، ويعيده كاملا بأدواته الشعبية؛ إما بواسطة الزهيري أو الأبوذية أو الدارمي ومن والأمثلة:

صُبَتْ عليَّ مصائبٌ لو أنها... صُبَتْ على الأيامِ عُدّنَ لياليا

المولد منه:

كل ساعة سهم هالروح ..تنّصاب... عگب عزمه عليه النذل تنصَّاب

عليْ صُبتْ مصايب لوَّنْ تنصاب ...على الأيام صارتْ ليل هيه

مثال آخر:

أنا كلُ شيءٍ في هواكَ حَسَبْتَهُ ..... إلا فُراقُكَ لم يكن محسوبا

إنْ كُنْتَ تأبى أنْ ترانيَ عاشقاً ... فَاْردُدْ إليَّ فُؤَاْدِيَّ المَغْصُوْبَا

ما تردها..

جَرَتْ لَجْله دموعي ما تردّها ... وخَذْت روحي يَنَاهي ما تردها

عشرتي إنْ چان يا أشگر ما تردها... دليلي المنغصب رده عليه

ومنه أيضاً..

وَظبيٌ شُبِهَ خديهِ ورداً ... لقد أثِموا بما شبهوهُ

فالوردُ يَذبلُ عند لمسٍ ... وذا يحمرُّ مهما قلَّبُوهُ

يلماس..

أهلاً يا نسيمَ الروح يلمَاس .. على الشَّبهو خدّ الورد يلمَاس

سجيةَ الورد يذبل حين يلمَاس.. وخدَّه اش ما تقلبه احتمر ميَّه