الصحافة الساخرة– مجلة المضحك المبكي

صدرت مجلة (المضحك المبكي) في دمشق في عام 1929، وكانت مجلة سياسية كاريكاتورية أسبوعية، تصدر كل يوم جمعة، أنشأها حبيب كحالة (1898-1965)، وكان قد أصدر قبل ذلك جريدة (سورية الجديدة) عام 1918 بالاشتراك مع توفيق اليازجي (1880-1957).

استمرت مجلة المضحك المبكي (37) سنة بالصدور إذ إنها توقفت عن الصدور عام 1966، وقد بلغ مجموع الفترات التي تم تعطيل المجلة أثناء مسيرتها أحد عشر عاما.

عطلت مجلة المضحك المبكي في 30 نيسان عام 1932 لمدة ثلاثة أشهر، فتابعت صدورها بمجلة شبيهة بها تماما ولكن باسم (ماشي الحال)، وصرحت (ماشي الحال) بأنها بديلة عن المضحك المبكي.

وجاء في افتتاحية العدد الأول من مجلة (المضحك المبكي) عام 1929 مايلي:

(... أما خطتنا فإننا نعاهد القراء على أن تكون المجلة صريحة صادقة ولو أغضبت البعض، ولا نجعل موقفنا موقف الأحنف الذي كان يسمع مدح الشعراء بيزيد بن معوية وهو ساكت، فلما سأله معاوية، مالك ساكت؟!

قال: إنني أخاف الله تعالى إذا كذبت وأخافكم إذا صدقت!! فنحن سنسعى إلى أن نخاف الله في صراحتنا، وأما عبيد الله فإذا غضبوا، ونحن نقول الحقيقة، فليشربوا البحر!!).

جاء في العدد (887) الصادر في دمشق في 20 آذار سنة 1954 وتحت عنوان (لعبة طاولة في السجن بين دولة صبري العسلي والأستاذ علي بوظو– علي بوظو يغلب صبري العسلي بالطاولة على أكلة فول مدمس وينفذ الغلب) جاء مايلي:

(.. يقول محدثنا، إن سجن المزة قد صهر الأحزاب كلها في بوتقة واحدة، فلم يبق هناك حزب شعب ولا حزب وطني ولا حزب بعث أو عربي اشتراكي، بل كانوا كلهم كتلة واحدة متراصة يجمعهم هدف واحد مشترك هو إزالة الطغيان عن الصدور والعمل صفا واحدا  لحمل عبء هذا الوطن بعد أن انتابته تلك المحن ونزلت به تلك المصائب– المقصود بذلك الحكومات الانقلابية التي مرت بسورية من عام 1949 حتى عام 1954- وهكذا فقد زالت الأحقاد القديمة من نفوسهم جميعا على اختلاف ميولهم وفرقهم وتباين برامجهم وأصبحوا كعائلة واحدة في الجد والسياسة وفي اللعب والمزاح أيضا.

ومن الأمور التي مازال الإخوان المعتقلون يذكرونها عن أيام المزة هي تلك المباراة في لعب الطاولة (الشيش بيش) وقد جرت بين دولة الأستاذ صبري العسلي رئيس مجلس الوزراء اليوم ومعالي الأستاذ علي بوظو وزير الداخلية، فقد جرت اللعبة على "أكلة فول مدمس" وتبارى اللاعبان والجميع من حولهم شهود يراقبون بكل اهتمام تنقل الحجارة والتفنن باللعب، وكانت النتيجة أن غلب الأستاذ علي بوظو دولة صبري العسلي وانتهى الإشكال.

وفي اليوم التالي نفذ هذا الرهن فأحضرت "أكلة فول مدمس"، ويصفها أحد الإخوان بأنها كانت ألذ أكلة ذاقها في حياته، فقد كانت عبارة عن أربع جرر فول وست مسودات زيت، وقد كلفت مبلغ عشر ليرات سورية عدا ونقدا.

ولا يزال طعمها تحت أسنان الإخوان، حتى أن الأخ إحسان بك الجابري الذي عرف بشدة صعوبته في اختيار الأكل ولجوئه إلى الحمية  في أكثر الأوقات فإنه قد شمر عن ساعده وغاص في هذه الأكلة، أكلة "الفول المدمس" حتى قراريط أذنيه كما يقولون.

والذي يرجوه الوطنيون على اختلافهم من أهل البلاد الذين يغارون على مستقبلها ومصلحتها أن يبقى طعم أكلة الفول المدمس تحت أسنان هؤلاء الزعماء ليشعروا بأنه قد صار بينهم خبز وملح وأنه لم يبق مجال للأحقاد الماضية لتذر قرنها من جديد وتفرق بينهم.)...