الصحافة الساخرة- المضحك المبكي

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

حفل تاريخ الصحافة السورية بالصحافة الهزلية والفكاهية والانتقادية والساخرة، منذ بدايات القرن العشرين وكانت أول جريدة من هذا النوع في دمشق هي (أعطيه جَمَلَهُ) وعرفت عن نفسها بأنها جريدة هزلية ضحكية لعبية، وقد صدرت في 2/4/1909 ولم يعرف صاحبها فقد حجب اسمه عن عنوانها.

 وفي حلب كان أولها (تنوير الأفكار) وعرفت عن نفسها بأنها جريدة سياسية أدبية فنية مزاحية انتقادية وقد أصدرها عيسى زادة وابراهيم زادة وذلك في 2/4/1911، وكانت أولها في اللاذقية جريدة (أبو النواس) والتي عرفت عن نفسها بأنها صحيفة عربية هزلية جدية انتقادية وقد أصدرها محمد صبحي عقدة في 23/7/1911.

 وفي حمص صدرت أول جريدة من هذا النوع باسم (ضاعت الطاسة) وعرفت عن نفسها بأنها جريدة هزلية جدية انتقادية، وقد أصدرها يوسف الخالد المسدي في 2/7/1910، أما في حماة فأولها كانت تحت عنوان (انخلي يا هلالة) وعرفت عن نفسها بأنها جريدة هزلية جدية عمومية، وقد أصدرها عبد الرحمن المصري في 20/7/1910، وتتالى صدور هذا النوع من الصحافة في سورية حتى بلغ أكثر من 60 صحيفة.

من هذه الصحف مجلة (المضحك المبكي) وهي مجلة سياسية فكاهية كاريكاتورية، وقد صدر عددها الأول في دمشق في شباط عام1929 وكانت مجلة أسبوعية تصدر كل يوم جمعة، وكان اشتراكها السنوي 300 غرش سوري في السنة، وادارتها في سوق الحميدية كما كتب على غلاف عددها الأول، وقد تميزت بأبوابها الساخرة الناقدة وبرسومها الكاريكاتورية، ومن أبواب المجلة على سبيل المثال (حديث سياسي حشاش) و(محكمة المضحك المبكي) و(حكمة حمار) و(فتشوا عن مغزاها) و(لكل سؤال يا بثين جواب) وغيرها من الأبواب التي اشتهرت بها المجلة.

أصدر مجلة المضحك المبكي حبيب كحالة (1898-1965) وقد ولد في دمشق وتلقى علومه الابتدائية فيها، وتابع تحصيله في بيروت، وتخرج في الجامعة الأميركية حاملا دبلوما في التجارة، أصدر بالاشتراك مع توفيق اليازجي جريدة (سورية الجديدة) التي صدر عددها الأول في دمشق في 27/12/1918 بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تركها بعد فترة وراسل عدة صحف، ثم أصدر مجلته الشهيرة (المضحك المبكي) وقد مارس العمل السياسي إلى جانب عمله الصحفي، ففي عام 1947 انتخب نائبا عن دمشق في المجلس النيابي السوري عن القائمة الوطنية.

نشرت مجلة المضحك المبكي في عددها الخامس الصادر في عام 1929 النص التالي تحت عنوان: الشرف والمال

"نعت الجرائد الألمانية منذ أيام الجندي الألماني المتقاعد الذي كان له مع الإمبراطور الألماني غليوم الثاني حادثة لطيفة تحدثت عنها الصحف في حينها، وأحببنا أن ننقلها إلى القراء.

وقف هذا الجندي في حالة استعداد، كما هو شأن الجنود تجاه رؤسائهم، فكيف أمام غليوم الثاني، الذي قال للجندي وهو ينعم عليه بوسام الصليب الحديدي: بلغني أيها الجندي أنك فقير وتعيل والديك، وليس سواك المعيل لهما، فاختر لك أحد الأمرين: أما الوسام أو مئة مارك بدلا منه!! فأجابه الجندي: وما ثمن الوسام يا مولاي؟ - ثمنه بخس لا يزيد على ماركين، ولكن الشرف العظيم الذي يتحلى به الوسام ذا قيمة عظيمة لا تقدر.

أجاب الجندي: اذا أعطني يا مولاي الوسام، وادفع لي 98 ماركا، وبذلك أحوز الشرف والمال..

فضحك الإمبراطور وأجابه إلى طلبه، وقدم له مئة مارك والوسام، فكسب الجندي بذلك الشرف والمال معا!.".

ونشرت المجلة في العدد 120 الصادر في 14/6/1932 نصا حول الشيخ تاج الدين الحسني تحت عنوان: الشيخ تاج كتوم

".... من المعروف عن فخامة رئيس الوزراء الشيخ تاج أنه كتوم جدا، فلا أحد يقدر أن يعرف باطنه مهما كان صديقه، وربما كانت هذه المزية من أهم المزايا التي ساعدته لنجاحه في السياسة.

إلا أنه في بعض الأحيان يزيدها علينا حتى صار حديثه في الكتمان ضربا من المبالغة.

فإذا تكلمت أمامه عن جريدة الشعب مثلا، أو عن غيرها، يقول لك: هل هذه الجريدة تصدر في دمشق أم في بيروت!!

وإذا قصصت عليه حادثة سياسية وقعت يقول لك: "ليش في شي من هاد".

وإذا ذكرت أمامه الكولونيل كاترو مثلا يسألك من الكولونيل كاترو، وماذا يشتغل وما وظيفته؟

وأغرب حادثة له تدل على غرابته في الكتمان أننا كنا مرة بمعيته في نزل رويال في بيروت، فجاءه أحد الصحفيين ليجري معه مقابلة صحفية، فقال الصحفي:

هل لكم أن تخبروني عن السبب الذي جئتم فيه إلى بيروت؟

فأجابه الشيخ تاج (ليش أنا في بيروت؟!)، فنظر إليه الصحفي متعجباً وما عاد أكمل حديثه.

 

الأستاذ حبيب كحالة