الصحافة الساخرة- جريدة (ألف باء)

كان ليوسف العيسى (1870-1948) صاحب جريدة (ألف باء) الدمشقية المعروفة، مقالة لاذعة ساخرة قصيرة تنشر كل صباح في جريدته، أسفل الصفحة الأولى، ضمن إطار وعلى عمود إلى يسار الصفحة، وكان يصر على ألا تنشر لها بقية في الصفحات الداخلية، وأن توضع كلها في مكانها من الصفحة الأولى، لا كما هي الحال حتى الآن في جميع أو أكثر الصحف خاصة العربية منها، والتي تترك بقايا الأخبار والتعليقات والمقالات وتُدوّر إلى الصفحات الداخلية... وكان اسم المقالة (مباءة نحل) التي اشتهرت كثيرا في حينها..

وذات صباح جاء الأستاذ يوسف العيسى إلى المطبعة ليجد، ويالهول ما وجد، أن العامل المرتب لصفحات الجريدة أخطأ خطأً جسيماً عندما ترك بقية لمقالته القصيرة ودَوّرها لإحدى الصفحات الداخلية، فما كان من الأستاذ العيسى إلا أن شمر عن ساعديه وقام بإعادة مقالته اليومية إلى مكانها في الصفحة الأولى، ولم يسمح ولو مرة واحدة بترك بقية لها في الصفحات الداخلية من الجريدة..

ولما أصبح كل شيء على ما يرام، تنفس الصعداء لأن مقالته عادت بسلامة الله إلى مكانها المعتاد، ودعا مرتب الجريدة إليه وعاتبه عتاباً رقيقاً لهذا الخطأ الفادح الذي ارتكبه، وأوصاه بألا يعود لمثل هذا الخطأ مرة ثانية...

ولد يوسف العيسى في يافا بفلسطين وتلقى علومه الأولية فيها، وتابع دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت، أصدر جريدة (فلسطين) في يافا عام 1911، أقام في دمشق بعد ثورة الشريف حسين وأسس جريدة (ألف باء) وصدر عددها الأول في دمشق في 1/9/1920، وكانت جريدة سورية تبحث في السياسة والأخلاق، وكانت تصدر بشكل يومي في أربع صفحات، وبعد عدة سنوات صارت تصدر ضمن ثماني صفحات، وقد استمر في إصدارها حتى وفاته عام 1948، تولى نجله خالد العيسى بعده إصدارها حتى عام 1958 عندما عطلت بالقانون 195 بعد قيام الوحدة السورية المصرية.

وقد حرر في هذه الصحيفة عدد كبير من الصحفيين مثل أمين سعيد ووديع صيداوي وأحمد عسه ونذير فنضة ومنذر موصلي وغيرهم.

ومن هذه الزاوية التي كان يوسف العيسى يكتبها كل يوم على الصفحة الأولى من جريدته هذه القطعة التي نشرت في العدد 5709 الصادر في 18 شباط 1940 تحت عنوان:

)       سيدنا عزرائيل)

"توجد أمثال، يتوسع فيها الناس، فيطلبون منها معان لا تجود فيها، مثلا قولهم (اللي بيعمل جمّال يوسع باب داره)، فقد استند أحد المراسلين على هذا المثل، وأعتقد أني بفتحي هذه الزاوية صرت جمالا، وعلي أن أفتح بابها ليس للجمال فحسب بل للأفيال أيضا. ولهذا وجه إلي هذا السؤال الغريب قال: سيدي المحترم وبعد، فأرجو التفضل بالإجابة على سؤالي هذا: هل الغازات الخانقة التي اخترعتها الدول الغربية هي من جنود سيدنا عزرائيل؟ انتهى.

ومن أين لي أن أعرف أنواع جنود (سيدنا عزرائيل)؟ ولا استطيع الحكم فيما إذا كانت هذه الغازات الخانقة من ضمنها أو غريبة عنها!!

قيل إن رهبانا في دير كان يفرض عليهم أكل البقول فقط، وتمكن أحد الرهبان من الحصول على بيضة فخبأها في ثيابه، ولما اختلى في غرفته، أشعل شمعة وجعل يشوي البيضة فوق لهيبها، وشعر به رئيس الدير أثناء دورته الليلية ففتح الباب وقال ما هذا؟ فاضطرب الراهب وقال: طغاني الشيطان يا سيدي الرئيس! وإذا بالشيطان واقف في زاوية الغرفة يقول: أنا والله واقف أتعلم منه!.

وسيدنا عزرائيل اليوم، واقف يتعلم من الدول الغربية كيف تعمل الغازات الخانقة".

ونورد كذلك من هذه الزاوية ما نشر في العدد 1847 الصادر في 19 كانون الثاني عام 1927 تحت عنوان: (تشليح الأموات)

"قرأت أمس في جريدة أوروبية أنهم وجدوا في خرائب دار متهدمة واقعة في أحد الشوارع جثة رجل متشرد مات من البرد والصقيع، وأنهم استغربوا وجود هذا الميت عاريا كما خلقه الله، وبعد التحقيق ظهر أن أحد التعساء من أمثاله استخسر الحوائج التي عليه حين وجده ميتا فشلحه ثيابه وارتداها هو لتساعده على الدفء.

لا يستغرب القارىء اقدام الفقراء المعدمين على تشليح الأموات ثيابهم وليسمع هذه الحكاية:

كان يوجد رجل صناعته تشليح الأموات ثيابهم وسرقتها ليلاً، وكان له ابن تربى تربية حسنة واستفظع ما يفعله أبوه. أخيراً مات الرجل فغدا الولد كلما مر في سوق أو أمام جماعة يقولون: هذا ابن مشلح الأموات، لا رحم الله أباه، إلى أن ضجر الولد من هذه اللعنات الموجهة إلى أبيه، واعتمد على طريقة تريحه منها، فذهب في احدى الليالي ونبش جثة شاب مات حديثاً، وشلحه ثيابه ونصب عوداً فوق القبر و(خوزق) الجثة عليه، فلما جاء أهل الميت صباحاً ونظروا الحالة صاحوا: رحمة الله على فلان، فقد كان يشلح فقط ، وأما هذا فهو يشلح و(يخوزق) أيضاً....".