الصحافة الناقدة –مجلة الإخاء– جبران مسوح

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة الإخاء في حماة، في 2/4/1910، وهي أول مجلة تصدر في هذه المدينة، وكان صاحبها ومديرها المسؤول جبران مسوح، وكانت مجلة ثقافية اجتماعية شهرية، وجاءت ضمن (80) صفحة من القطع الصغير، وقد استمرت حتى بداية الحرب العالمية الأولى 1914، وكان جبران مسوح يوقع بعض مقالاته تحت اسم (ابن جلا) والمجلة تحوي العديد من الأبواب مثل: (خواطر) و(مفكرة الشهرة) و(آخر ساعة) و(فكاهات) و(حديقة الشعر) وغيرها، كما حوت العديد من الإعلانات.

وجبران مسوح ولد في حماة عام 1890، وتلقى علومه الأولية فيها، وانصرف إلى العمل الصحفي باكرا، وبعد أن توقفت مجلته أثناء الحرب العالمية الأولى، عاد وأصدرها عام 1919 بشكل جريدة أسبوعية عامة، وفي نفس العام نقلها إلى دمشق لتصدر ثلاث مرات في الأسبوع، ومع بداية الانتداب الفرنسي على سورية أغلق جريدته وهاجر إلى الأرجنتين، وأعاد إصدار (الإخاء) هناك في مدينة (توكومان) وحرر هناك في جريدة الشبيبة المتحدة عام 1923، وأصدر مع حبيب اسطفان مجلة (التمدن) ثم انتقل إلى العاصمة، وشارك في إصدار جريدة (الزوبعة) وعمل في جريدة المختصر، وكان لحين وفاته يراسل الصحف السورية واللبنانية ويرسل المقالات الطويلة حول السياسة العالمية، وله عدة مؤلفات منها: الاشتراكية البسيطة وكتاب كلمات لأشخاص في الاشتراكية وكتاب المسرحيات والنواعير وكتاب في النقد الاجتماعي.

ونجد في العدد الخامس من السنة الخامسة لمجلة الإخاء الصادر في حماة في 1/8/1914 في باب مفكرة الشهر نقدا لبعض الصحف والصحفيين في ذلك الوقت، تحت عنوان (بعض جرائدنا):

 "بعض جرائدنا حرسها الله وإن كانت على شفار الموت هي تنادي أنها نزيهة وحرة وجريئة وأنها تستحق مناصرة الجمهور، لأنها تخدم الجمهور ولا تميل مع الهوى... إلى آخر هذه الدعوى الطويلة العريضة، والذي نلاحظه أحيانا أن هذه الدعوى غالبا يعقبها الموت الفجائي، فبعد أن تملأ الجريدة الدنيا صراخا بأنها حرة نزيهة تموت فجأة وتتوارى عن العيان ولا نعود نسمع لها صوتا.

والصحيح أن النزاهة لا تحتاج إلى من يعلن عنها لأنها هي تعرف الناس بها، والنزيه الحقيقي لا يعلن ذاته بل أعماله تعلنه ويصير معروفا عند الناس من الأعمال التي يعملها وليس من الأقوال التي يتبجح بها، لذلك كلما رأينا جريدة تعلن عن نفسها أنها نزيهة وحرة وصادقة نضحك كثيرا لأن مثل هذه الدعوى تدل على قصر العقل وقلة الذوق فقط، ولا يمكن أن يقول الناس عن جريدة إنها حرة نزيهة لمجرد دعواها هذه الصفات فقط.

وهذه الدعوى البليدة لا تنحصر في جرائدنا فقط بل هي موجودة في رجالنا أيضا فالواحد يدعي أنه صادق والثاني مستقيم والثالث نزيه والرابع حر ويندر أن تجد رجلا شرقيا لا يدعي بشيء، مع أن الفضيلة لا تحتاج إلى أن يعلن عنها صاحبها كما قلنا فيما تقدم...

والحقيقة المدهشة في هذه الأمور أن الإنسان إذا ادعى إحدى الفضائل تكون دعواه أكبر دليل على أنه خلو منها ولا رأى لها وجها في كل حياته.

فإذا رأيت زمرة مؤلفة من خمسة أو ستة رجال اسمع حديثهم من الأول إلى الآخر تستنتج منه أن كل واحد منهم يدعي شيئا والآخرون يعرفون أنه خلو من الشيء الذي يدعيه ولكنهم يصادقون على دعواه كذبا ورياء لكي يصادق هو أيضا على الأشياء التي يدعونها على ذات الطريقة.

هذه إحدى عوائدنا التي يجب أن نتنازل عنها في هذا العصر، عصر النزاهة الحقيقية والحرية الحقيقية.

نحو ستين بالمئة من الجرائد والمجلات التي ظهرت بعد إعلان الدستور-  يقصد الكاتب دستور الاتحاديين بعد الانقلاب على السلطان عبد الحميد عام 1908- ماتت الآن وأصبحت كأنها لم تكن وهذا يدل على أن أصحابها غير أكفاء لإنشاء الصحف أو أنهم لا يعرفون الصفات التي يجب أن تتوفر في الصحفي الذي يريد أن ينجح، ومع كل ذلك ترى إلى الآن بعض الشبان يتهورون في إنشاء الصحف فبدون أدنى فكر وتبصر ينشئون الجريدة أو المجلة ويأخذون يخاجلون بها أصحابهم وذويهم، وبما أن هذه الطريقة لا تكفل نجاح صحيفة لا تلبث أن تموت الجريدة بعد أن يكسب صاحبها كره أصحابه وذويه له لأنه ابتلاهم بها كل مدة حياتها.

والذي لابد من ذكره لأنه مجهول عند الكثير هو أن موت الصحيفة ليس بالأمر اليسير بل هو انتحار أدبي ولا يقل الصحافي الذي تموت صحيفته عن التاجر الذي يفلس محله التجاري وكلاهما منتحران أدبيا لا بل الصحافي في عاره أكبر لأنه أشهر اسمه بين كثيرين من الناس في البلدان وعرف كل من قرأ صحيفته أنه انتحر أدبيا.

ونحن لا ننكر أن كثيرين من الذين أغلقوا جرائدهم خرجوا من ميدان الصحافة طاهري الذيل فلم ينصبوا على أحد ولا خدعوا أحدا فهؤلاء عندهم حسن قصد وصلاح نية في أعمالهم ولم يتركوا الصحافة إلا لأنهم غير أكفاء لها وأنها ليست سهلة المراس كما كانوا يظنون ولكن الكثيرين أيضا من الذين أغلقوا جرائدهم انسحبوا من ميدان الصحافة بعد أن سودوا وجهها وأفسدوا ذكراها بين الناس بالاحتيال الذي عملوه والنصب الذي نكبوا به كل من اغتر بهم وهؤلاء أكثرهم من الشبان الذين غرهم الطيش وحركهم الغرور ورافقهم سوء القصد وفساد النية في الأعمال ولم تجد هذه الصفات المشؤومة نافذة تظهر منها غير نافذة الصحافة فابتلت بهم الصحافة كما ابتلى بهم الناس
ولاسيما أصحابهم وذويهم.

ونحن نقول كل ذلك لبعض الشبان الذين يريدون أن يحترفوا الصحافة لكي يعرفوا ما هي الصحافة، وقبل أن يتورطوا بها يجب أن يفتكروا قليلا لكي لا يضطروا في المستقبل لقفل الصحيفة التي أنشؤوها وليس هذا بالأمر اليسير كما قلنا فيما تقدم بل هو انتحار أدبي ضروري أن يتوقاه كل إنسان عاقل.