القدود.. منظومات غنائية متوارثة عن الأجداد

سمر وعر  

نشأ فن القدود كضرورة ثقافية وفنية في أواخر القرن الثامن عشرفي الأندلس، ثم انتقل إلى بلاد الشام وخصوصاً حمص وحلب ، وهو عبارة عن صياغات جديدة لكلمات مرتكزة على ثلاثة مصادرأساسية وهي:  « " الموشحات والأناشيد الدينية المتداولة في الموالد والأذكار، والأغاني والموشحات الأعجمية التركية والفارسية على وجه الخصوص، والأغاني الشعبية والفولكلورية والتراثية ذات السوية الشعرية المبسطة، ولاحظ الشعراء والموسيقيون أن بعض تلك المصادر تتمتع بألحان جميلة يجب الحفاظ عليها وتداولها ونقلها عبر الأزمنة، ولكي يتمكنوا من غنائها في مجالس الأنس والسمر عمدوا إلى استبدال كلماتها بكلمات شعرية جديدة على قد الكلمات الأساسية، مع الحفاظ على اللحن الأصلي لذلك سمي الواحد منها "قد" وجمعها " قدود"، أما من الناحية الموسيقية فالقد ليس قالبا موسيقيا بحد ذاته، لكنه يأخذ شكل القالب الأساسي الذي نشأ منه، سواء كان موشحاً أوطقطوقة أوأغنية، لذلك اشتهرت القدود بأسماء مؤلفيها وليس بأسماء ملحنيها المجهولين على الغالب، إذ ألّف القدود شعراء لكنهم يمتلكون ذائقة موسيقية جيدة، ومنهم من كان موسيقيا أيضاً».

القدود في اللغة :

« القد في اللغة هو القامة والمقدار، واصطلاحآ هو أن تصنع شيئا على مقدار شيء، وشيء على قد شيء في الايقاع والموسيقا وما يوافقهم، وفي القد قد تتماثل القافيتان وحرف الروي في المجمل، وهذا هو القد في أحد معانية، ويمكن تمييز نوعين من القدود:« الأول" الشعبي" : وهو عبارة عن منظومات غنائية متوارثة عن الأجداد، والقسم الأكبر منها لا يُعرف كاتبه أو ملحنه، مثل أغاني “عموري” و”يا حنينة” و”برهو” و”ربيتك زغيرون” و”يا ميمتي”، ومنها ما هو معروف مثل “يا طيرة طيري يا حمامة” و”سيبوني يا ناس” و”الفل والياسمين” .

 والنوع الثاني: هو" القد الموشح "، وعادة يكون مبنيا على نظام الموشح المعروف من حيث الشكل الفني، وما يميزه عن الموشح المتكامل، هو الصياغة اللحنية التي تأخذ في الأول طابع القدود، وفي الثاني طابع الموشح، وفي كليهما تظهر النكهة المحلية التي ترتكز على الخصوصية في تناول النغمة الموسيقية».

وقد نشأت القدود في سورية بمدينة حمص على يد الشيخ " أمين الجندي" ، لكنها لم تستطع المحافظة على مكانتها بحمص ، بل انتقلت الشهرة لمدينة حلب حيث وجد هذا الفن الاهتمام الكبير، والإنتشارالواسع في المناسبات والاحتفالات الخاصة والعامة، وتحول لفلكلور غنائي أساسي، في حين بقي الغناء في مدينة "حمص "مقتصراً على الجلسات المنزلية الخاصة والنزهات التي كانت تُقام على ضفاف نهر العاصي.

البعض يقول إن القدود عرفت بحلب منذ زمن القس السرياني "مار افرام" 306 م الذي دعى الناس وعمل على ترغيبهم للحضور إلى الكنيسة، وإدراج الألحان الدينية التي يألفها الناس في طقوس يوم الأحد، ومن ضمنها كانت انطلاقة القدود، وكما هو معروف قدود القس "مارافرام" في الكنيسة السريانية هي أقدم القدود في حلب.

وللقدود الحلبية معنى آخرغيرالذي سبق ذكره عن معاني القدود،  فيقال إن القد والموشح متجانسان ومتشابهان، لكن القد نوع موسيقا وغناء يختلف عن الموشح ، وهو أكثر تقصيدآ، والموشح أمتن تأليفا وأعلى صنعة، وأشد ترابطا وأبسط وأسهل من حيث إيقاعاته، هذا من الناحية الموسيقية واللحنية، أما من حيث النص الشعري فالقدود والموشحات صنوان، ونحن نتابع ونستمع لكليهما نرى شعراً رائع الألفاظ، رفيع المعاني، جميل المحتوى.

 وقد ساهم في انتشار القد في "حلب" وجود الإذاعة السورية في أوائل القرن الماضي التي رعت العديد من المطربين الحلبيين، ومنهم "صباح فخري،  محمد خيري،  مصطفى ماهر، مها الجابري،  حسن الحفار"، وكلهم غنوا هذا القالب بكثرة، واكتسبت القدود شهرتها من خلال مجموعة من الأصوات المهمة، فعرفت هذه المدينة كيف تصون هذا التراث الغنائي حتى وقتنا، وكان للموسيقيين الحلبيين مساهمة كبيرة في ترسيخ هذا الفن وتحقيق استمراريته، ومن مشاهير القدود الحلبية: «الشيخ " عبد الغني النابلسي"، الشيخ " عمر اليافي "، الشيخ " القرلقلي"، الشيخ " أمين الجندي"، الشيخ " أبو الهدى الصيادي"، " محمد النشار"،  " محمد الدرويش"،"  شاكر الحمصي"،"أبو أحمد سكيف"، جمال الدين ملص"،" حسن حساني"، " بكري رجب"، " رضا الأيوبي"، ومن أشهر القدود الحلبية "يا مال الشام، قدك المياس، تحت هودجها "».

من كلمات  بعض القدود :

قدك المياس يا عمري ....يا غصين البان كاليسر

انت احلى الناس في نظري ..جل من سواك يا قمري.

*****

يا طيرا طيري يا حمامة

وانزلي بدمر والهامة

هاتيلي من حبي علامة

ساعة وخاتم ألماس.

*****

ياربة الوجه الصبوح

أنت عنوان الأمل

أسكري باللثمِ روحي

خمرة الروح القبل

إن تجودي .... فصليني

أسوة بالعاشقين

أو تضنّي ... فاندبيني

في ظلال الياسمين.

 

المراجع:

-http://jalalshaban.blogspot.com/p/blog-page_17.htmlموقع الموسيقي جلال شعبان .

-حلب المدينة الخالدة " هيئة الموسوعة العربية  ".

القدود الدينية؛ بحث تاريخي وموسيقي في القدود الحلبية" محمد قدري دلال".