اللغة المسرحية .. بين التأصيل وإيصال المعنى (1)

كسار مرعي – الحسكة

المسرح هو أحد أوجه التنوير والتثقيف في عصرنا الحالي؛ لكن هذا الوجه بحاجة ماسة إلى طريقة لإيصاله وبثه، فعلى الرغم من التشاركية التي تنمو بين الحركات الإيمائية واللغة المنطوقة، يبقى الرابط وثيقاً بينهما حتى تكمّل إحداهما الأخرى.

فالإيماءات والحركات شرطٌ ملزم لإيصال الفكرة مكتملة إلا أنها تبقى منقوصة إذا لم ترافقها اللغة، ومن هنا يسعى القائمون على هذا الفن الراقي إلى صهر الجزء في الكل، على اعتبار الإيماء أحد أجزاء اللغة وطرق التوصيل، إلا أن اللغة المنطوقة تبقى الأساس ويبقى ميدان التحكم بها واسعاً لعدد من المناورات.

المفكرة الثقافية التقت المؤلف والمخرج المسرحي "إسماعيل خلف" بتاريخ 17 كانون الأول 2014 ليتحدث عن ماهية اللغة العربية بشقيها الفصحى والعامية ودورها في إيصال المحتوى للمتلقي فقال: «لكل لغة من لغات العالم وجوهاً جمالية تغرق بين الكلام العادي وبين لغة الأدب، ويمكن القول أن للغة الأدب خصائص معينة، لكن هذا لا ينفي الخصوصية عن فنون القول الأخرى، إلا أن جميعها لا يخرج عن القواعد العامة للفصاحة في مختلف فنون الأدب، وقد وضع النقاد العرب والمحدثون القدامى بعض القواعد والأصول؛ لفصاحة الكلام العربي منها وضوح المعنى وسلامة التعبير، لكن من الملفت أن جميع فنون القول – ماعدا المسرح –، يمكنها أن تستخدم قواعد الفصاحة بالشكل الذي يريده الكاتب، أما المسرح فهو مقيد بقاعدة صلبة وهي أن يُكتب النص ليقدم على خشبة المسرح، وعليه فإنه يصل إلى المتلقي مسموعاً لا مقروءاً، وهو منقول بالتناوب الذي قد يكون سريعاً بين شخصين أو أكثر، يقدم من خلال العرض كامل أركان المسرحية من القصة المحبوكة؛ بصراعها وتعقيد الأزمة فيها إلى الشخصية إلى الموضوع».

ويتابع: «في حال غياب بعض المعنى على خشبة المسرح ينعكس هذا على صلة المتلقي بالعمل، وإذا غاب المعنى مرة أخرى ما يلبث المتلقي أن ينصرف، لذا يجب على الكاتب أن يحرص في كل جملة من جمل المسرحية، على وصول المعنى بالشكل الكامل مع الدلالات النفسية؛ ودورها الكامل في الحبكة وتسلسل الحكاية، وهنا أيضاً يجدر التنويه إلى أن الأسس التي تقوم عليها لغة المسرح، لا تخلو من الصرامة أيضاً لذا يجب على الكاتب أن يحافظ عليها وعلى نصاعة أسلوب كل شخصية في العمل المسرحي على حدا، فالكاتب لا يروي الحكاية بلسانه كما يفعل الراوي؛ ولا ينظمها بإحساسه الشخصي كما يفعل الشاعر، بل يرددها على لسان الشخصيات؛ وكأن الحوار الذي يستمر لمدة ساعة أو أكثر ليس من كتابة المؤلف، بل من صناعة الشخصية المنفذة للدور،  وهذه هي إحدى صعوبات اللغة المسرحية والعمل المسرحي، لذا على المؤلف أن يبتكر في كل مسرحية عدداً من أساليب الكتابة، لذلك كان من خصائص الحوار" مناسبة الحوار للشخصية المنفِذة"، وهذا ما يترتب عليه إصدار العمل بطبعة الكاتب؛ حتى يتمكن المتلقي من معرفة مؤلف العمل دون قراءة اسمه، لذا يوجد أمام الكاتب مجموعة من المهام الصعبة؛ التي يجب أن تتحقق دفعة واحدة، حتى يرتقي عمله المسرحي إلى مرتبة الأدب أولاً، منها أن توحي بالواقع الذي يعاش لحظياً، وأن تنسل إلى قلب المتلقي وعقله بصفاءٍ وسلاسة، بحيث تردم الهوة المخيفة بين لغة الحياة اليومية، التي يتعامل معها المتلقي في يومه المُعاش وبين لغة المسرح التي توحي بلغة الحياة اليومية، وتلك هي المرتبة الرفيعة التي إن تحققت للنصوص المسرحية؛ تمكنها من تحقيق ذاتها على المسرح والانبعاث من جديد».

يختم "خلف": «لكل كاتبٍ أن ينتقي الطريقة التي يشاء لإنجاز هذه المهام مجتمعة، ولطالما تعددت أساليب الكتابة بتعدد الكتاب، لكن ثمة قواعد يهتدي بها الكاتب في صياغة الحوار المسرحي نذكر منها إضافةً لما سبق، الإيصال المباشر للمعاني لأن النص المسرحي يُسمع ولا يقرأ، فالقارئ يستطيع العودة إلى الجملة إن غاب عنه المعنى، في حين يجب أن يصل المعنى كاملاً للمتلقي؛ بكل ما يتضمنه من مواقف نفسية واجتماعية، والوصول إلى هذه النقطة هو الذي ينهض بالتأليف المسرحي ويرتقي به، لأن الحوار يشمل جميع أركان البناء المسرحي، لذا من المتوقع أن لجوء بعض الكتَّاب إلى الكتابة باللهجة العامية، ما هو إلا عجزٌ عن تحقيق الحوار بالشكل المذكور، فيستخدم الكاتب اللغة ليقول ما يريد لكنه يفقد الضوابط العقلية والعاطفية أحياناً، فتصبح اللغة ثوباً أوسع من الفكرة أو أنها تزيد عن الحاجة لتصبح شيئاً أشبه بالترهل».