اللغة المسرحية .. بين التأصيل وإيصال المعنى (2)

كسار مرعي – الحسكة

المسرح هو تلك الخشبة التي تفردت عن باقي خشبات العالم، فهي الناطق الوحيد بينهم، والمعبر الذي يوصل أفكار وحركات من يعتلونه إلى المتلقي الذي يمزج بين المفردات ليخرج بلغة واحدة، فهو بمثابة جسر العبور بين المرسل والمستجيب.

وتتنوع ادواته بين الإنسان والجماد واللغة ليكمل أحدهما الآخر، لكن في النتيجة تكون الفكرة هي الهدف المراد نشره وايصاله، لذا تعتبر اللغة المنطوقة الحامل الأول في معادلة العرض، إذ أنها لغة التواصل العالمية بين جميع المكونات الفكرية، بغض النظر عن الاختلافات اللغوية أو التباين فيما بينها.

يقول المخرج "إسماعيل خلف" في حوار للمفكرة الثقافية: «يستخدم الكاتب اللغة ليقول ما يريد لكنه قد يفقد بعض الضوابط؛ العقلية والعاطفية أحياناً كثيرة، هنا تصبح اللغة ثوباً أوسع من الفكرة أو أنها تزيد عن الحاجة لتصبح شيئاً أشبه بالترهل، ويقال في هذه الحالة إن المسرحية قد أصيبت بالترهل اللغوي، ما يبعدها عن الخط السليم في استخدامها، وهذا يعني أن الاستخدام الصحيح للغة ينطبق عليه إلى حد كبير؛ قواعد الاقتصاد اللغوي، والحاجة إلى هذا الاقتصاد في اللغة المسرحية، هو الذي يخدم قضيتها الأساسية التي تتمثل في الحوار المعبر عن درامية النص . لذا يمكن القول إن لغة المسرح في المحصلة هي المسرحية ذاتها، وهذا لا يعني اختزال اللغة المسرحية بالتراكيب اللغوية المتعارف عليها في بناء الأدب فقط، لأنها قد تكون أيضاً إشاراتٍ وفترات صمت وحركات معينة تؤديها شخوص المسرحية، فكما أسلفنا لا يمكن التعبير عن العمل المسرحي بلغة واحدة مهما اتسع أفقها، كما تندرج الفكرة في اللغة المسرحية بمعنى أن لكل فكرةٍ لغتها التي تختص بها، وعلى الرغم من أن كل كاتب يمتاز بلغةٍ معينة، إلا أنه في حال أرادت الفكرة تحقيق ذاتها عليها أن تختار اللغة المناسبة، وهذا يعني أن اللغة التي لا تتناسب مع الفكرة قد تقضي عليها؛ أو أنها لن تحقق المأمول منها في أي حالٍ من الأحوال».

ويضيف: «بناءً على ما سلف يمكننا القول إن المسرح كشكل فني ووجود إبداعي لا يتحقق إلا بلغته، ولهذا فإن ارتباط "شكسبير وموليير" بالفرقة المسرحية كان له بالغ الأثر في تشكيل لغة المسرح السليمة عند كليهما، ومن قبل كان كل من "سوفوكليس ويوربيدس" يقودان تنفيذ الدراما بنفسيهما، وأدى ارتباط "تشيخوف" برجل المسرح الشهير "ستانسلافسكي"؛ إلى اكتمال لغة المسرح عند كاتب كبير بحجم "تشيخوف"، وهنا يجدر القول إن وحدة اللغة بين العامية والفصحى أو بمعنى أدق اللغة الرسمية، هي التي تقود العمل إلى القمم، ذلك مرهونٌ بعدم تقيد كاتب النص بمعايير تفرضها قيود محلية، من هنا يطلق الكاتب العنان لفكره ليحلق بالعمل ويأخذ معه الجمهور إلى عوالم جميله يرسمها العمل بكل مفرداته».

هذا فيما يخص الحوار في المسرح العالمي، أما الحوار في منطقتنا فهو بحسب "خلف": «"الحوار مشكلةٌ مزمنة"، فالنص العربي يعاني منها بشكلٍ كبير، ويتمثل  ذلك بالاضطراب بين اللغة الفصحى واللهجات الدارجة، وتزداد حدة هذه المشكلة دائما، وهي اليوم أكثر الحاحاً مما كانت عليه يوم كتب "توفيق الحكيم" عن اللغة الثالثة في أوائل التسعينيات، وتكمن المشكلة الحقيقية الآن بالتزاور بين الفرق المسرحية العربية، الأمر الذي نشط هذه المسألة وفاقمها، مما جعل أزمة لغة الحوار في المسرح العربي تطرح نفسها بقوة أكثر من الحقبة التي سبقتها، حتى قيل إن قلة الانتاج المسرحي في الأدب العربي مع وفرة الشعر والقصة والرواية، تعود إلى احساس الأديب برهبة مشكلة اللغة في الحوار، وعلى الرغم من أن حل هذه المشكلة قد بدأ يلوح في الأفق، من خلال زيادة حركة التواصل المسرحي بين أقطار الوطن العربي؛ وتبادل الأعمال المختلفة عبر السينما والإذاعة والتلفاز، وأيضاً من خلال المشاركة في المهرجانات والتجمعات المسرحية، إلا أن المشكلة ما زالت قائمة ولم يتم تجاوزها أو تداركها بشكل نهائي».