اللهجة السورية في الدراما: الانتشار والشهرة

من يسافر من أهل سورية كثيرا، سينتبه إلى إنصات الناس وخاصة في البلدان العربية لسماع اللهجة الشامية التي يتحدث بها المتحدث باهتمام وانتباه، وهذا لم يأت من فراغ، ففي الوقت الذي كانت فيه اللهجة المصرية هي الطاغية والمفهومة على صعيد الوطن العربي، كانت اللهجة الشامية غير مفهومة إلا من خلال الكثير من التفسيرات لمن يسمعها ، لكن النقلة النوعية في الدراما السورية كان لها كبير الأثر  في التحول الكبيرالذي طرأ على هذه اللهجة فباتت مفهومة بل ومطلوبة أكثر من كل اللهجات العامية العربية.

اللهجة السورية(1):

هي اللهجة المستعملة في التخاطب اليومي بين معظم السوريين، وقد أصبحت متداولة نتيجة تزاوج بين اللغة الآرامية - السريانية – والتي كانت تتحدث بها سورية منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد،

ونتيجة علاقتها مع اللغة السريانية وتقاربها مع اللهجات المجاورة في سائر أنحاء الشام، يمكن تصنيف اللهجة السورية ضمن اللهجة الشرقية - التي تعرف أيضًا بالشامية .

أهمية اللهجة الشامية في الدراما السورية:

ارتبطت أعمال البيئة الشامية في الدراما السورية ارتباطاً وثيقاً بذاكرة الجمهور مثل مسلسل "أيام شامية" (2) الذي قدم  شخصيات تتحدث اللهجة بطريقة محببة رغم اعتراض البعض على المبالغة في إثبات أن الناس تحب هذه اللهجة، وقد أدى الكثير من الممثلين والممثلات أدوارا أحبها المتلقون لأنها تمثل بهذه اللهجة مثل الزعيم، والعقيد، والحلاق، والحكواتي، والداية، ولما لهذه الشخصيات من رمزية لقيم الشرف والشجاعة والوطنية.

وانطلقت شهرة هذه الأعمال عربياً بصورة واضحة بعد مسلسل "باب الحارة" بأجزائه الستة التي حققت متابعة مهمة جدا من المشاهدين العرب على مختلف الشاشات العربية، كذلك مسلسل "أهل الراية" ، و "طالع الفضة" (3)  اللذين وثقا للتاريخ السوري وليس فقط للبيئة الشامية.

وفي حديث مع فنان الشعب "رفيق سبيعي" الذي شارك في العديد من الأعمال الشامية قال: «إن سبب شهرة المسلسل السوري يعود إلى سبب طرحه مثلاً عليا للإنسان الشعبي والبيئة».

ورأى الفنان "وفيق الزعيم" الذي عمل على تأريخ وتوثيق مصطلحات اللهجة الشامية أن البيئة الشامية الحقيقية تحمل الكثير من العمق التاريخي والروحي والثقافي والحضاري للمنطقة العربية ككل وهي اختصار لبلاد الشام بتاريخها وعراقتها.

قدمت الدراما السورية الكثير من المسلسلات التي تحدثت بغير اللهجة الشامية، وكان لها النصيب المهم من المتابعة والمشاهدة أيضا مثل مسلسل "نهاية رجل شجاع" الذي كان أبطاله يتحدثون بلهجة أهل الساحل، ومسلسل "خان الحرير" بلهجة أهل حلب، ومسلسل  "عيلة خمس نجوم" باللهجتين الشامية والحمصية، ومسلسل "الجرح القديم"  الذي تحدث بلهجة أهل حوران.

بعض الفنانين كان لهم اعتراض على أن  ثمة خطر بتكريس لهجة معينة على حساب عناصر العمل الأخرى مثل الفنان المرحوم "طلحت حمدي" حيث أشار في حديث معه الى أن الكثير من المناطق عندنا لاتتقبل أن تتحدث عنها بالأمور السلبية، بل فقط بالخصال الحميدة على اعتبار ان تحديد اللهجة يحدد بيئة العمل ومكانه وهذا ما حصل معه سنة /1984/ في مسلسل "السنوات العجاف".

الدبلجة وغزو اللهجة العامية:

إن انتشارالمسلسلات التركية ودبلجتها باللهجة الشامية ومتابعتها من المشاهد السوري والعربي عموما، كان له دور سلبي في تراجع الدراما السورية ولهجتها، وعلى كل الأحوال فإن للهجة العامية الفضل في الانتشار الواسع للأعمال المدبلجة بشكل عام لأنها اللهجة المتداولة بين الناس.

دور السينما:

لاشك أن الممثلين الكبيرين "دريد لحام" و "نهاد قلعي" كان لهما الدور الأكبر والأسبق في انتشار اللهجة العامية الشامية في أفلامهم حين أصرا على التحدث بها رغم وجود كم كبير من الممثلين العرب في جميع أفلامهما.

الأستاذ "عبدالرحمن حمادي" قال في مقالة له بجريدة الجماهير(4): «في عام 1964 ظهر فيلم "عقد اللولو" من بطولة  "صباح، ودريد لحام، ونهاد قلعي، من إخراج "يوسف معلوف"، ثم فيلم "خياط السيدات، واللص الظريف، وغرام في استنبول، و لاعب الكرة"، وكل هذه الأفلام كانت سبباً في انتشار اللهجة السورية في الوطن العربي، والدراما السورية الآن تدين لتلك الأفلام باعتماد الجمهور العربي للهجة السورية في الأعمال الدرامية السورية».

لاشك بأن اللهجة العامية في سورية سيبقى لها ذلك الألق الذي جعلها من اللهجات الشائعة بفضل من نقلها بأمانة ومصداقية كما أهل البلد، ولتكون من أشهر وأكثر اللهجات طلبا في وقتنا الحالي للمسلسلات العربية سواء الممثلة، أو المدبلجة.

 

المراجع:

(1) ويكيبيديا

(2) (3) مسلسلات سورية هامة

(4) حلب- فضاءات الجماهير الثقافي- عبدالرحمن حمادي