المرأة في الصحافة- مجلة الثقافة- وداد سكاكيني

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

أسس مجلة (الثقافة) وأشرف عليها كل من الأستاذ خليل مردم بك (1895-1959) والدكتور جميل صليبا (1902-1976)، والدكتور كاظم الداغستاني (1898-1985) والدكتور كامل عياد (1901-1987).

وقد صدر عددها الأول في نيسان عام 1933 في دمشق، وكانت مجلة شهرية جامعة تبحث في الأدب والفنون والاجتماع والتاريخ والعلوم والفلسفة، وغايتها نشر الثقافة العامة في بلاد الشرق العربي، وخدمة النهضة فيها، كما عرفت عن نفسها،وهي مجلة مصورة، تقع ضمن (104) صفحات،وقد استمرت لمدة عام واحد، وصدر منها عشرة أعداد فقط.

وقد استقطبت أشهر أقلام عصرها في مختلف الاختصاصات كما استقطبت عدة أقلام نسائية، وقد استفتت مجلة الثقافة عدة أديبات حول سؤال هو (ما سبب انصراف الفتيات عن الأدب العربي؟) وكيف تلافي ذلك؟

ونجد في العدد الرابع الصادر في تموز عام 1933، جواب الأديبة وداد سكاكيني (1913-1991) عن استفتاء المجلة.

 

 

- جواب السيدة وداد سكاكيني على استفتاء المجلة -

(شاءت مجلة (الثقافة) الغراء أن تنظمني في عداد الأديبات اللواتي وجهت إليهن هذا السؤال (ما سبب انصراف الفتيات عن الأدب العربي، وكيف تلافي ذلك؟) معتقدة – وشكرا لحسن اعتقادها بي – أنها ستقع على خبيرة وافرة الإطلاع كثيرة البحث والاستقصاء للخواطر والآراء التي يتطلبها سؤالهم القيم، ولست أنكر أن شيئا من الذهول تولاني عندما أخذت سؤال (الثقافة) فقد وجدتني أمام معضلة قومية – إن صحت التسمية- لا يجوز لنا إهمال شأنها وترك الأمور التي تتفرع عنها تسير في غير طريقها المستقيم وذلك رغبة منا في تدارك هذا النقص البارز في أدبنا النسائي فيكون عملنا هذا ترويجيا للأدب العربي بين حاملات رسالة الأدب النسوي فيقبلن عليه بلذة وشغف إقبالا يؤدي حتما إلى رفع قيمته في نظر الأدباء والمتأدبين.

تولتني هذه الفكرة فعكفت على السؤال أدرسه بقدر ما تسمح معرفتي وطاقتي متلمسة في ذلك وجه الصواب، وها أنا أبسط لقراء (الثقافة) وقارئاتها ما وصلت إليه بإيجاز راجية أن يجدوا فيه ما ينفع الغلة ويروي الأوام، وإلا فحسبي أني حاولت معالجة الموضوع ورائدي الإخلاص وليس من ملام على المجتهد الذي له من إخلاصه ما يشفع به أن أخطأ سهمه الهدف، والتوى عليه القصد.

ألقيت على نفسي السؤال ورحت أناقشها فيه فألفيتني انتهى دون قصد إلى صوغه على وجه آخر وهو (ما سبب انصراف الفتيان عن الأدب العربي) وما كنت أجيز لنفسي إدخال هذا التعديل على سؤال (الثقافة) المحترمة لولا أن التفكير قد ساقني إلى ملاحظة ذلك التأثير الذي يتركه أو يحدثه الأدب (الرجالي) في الأدب النسائي، ولست أجيء بشيء جديد إذا لحظت أن نهضة الرجل الأدبية قد سبقت نهضة المرأة فكان طبيعيا والحالة هذه أن تتأثر نهضتنا بنهضته وأن تحمل تضاعيف أدبها وثناياه بعض الخصائص الموجودة في أدبه دون أن يشغلنا ذلك عن ملاحظة الفارق بين عناصر الأدبين، وهي هذه العناصر التي تنبثق عن بيئة كل منهما وتطبع بأدبهم نثرا وشعرا عناية تستحق الإعجاب ولكني أريد أن أقرر أمرا لا سبيل إلى إغفاله ولا مندوحة لنا عن تقدير قيمته وخطره، وهو هل كان الأدباء في فجر نهضتهم الحديثة يدرسون الأدب العربي ويصيغون فنونه ويذوقون ما فيه من روعة وجلال كما هو شأنهم اليوم على رغم ما يجدون من عنت وعناء وجهد في بحوثهم ودراساتهم في الكتب الأدبية الباقية في أيدينا من تراث أسلافنا، وهي كما لا يخفى على الباحث كثيرا البلبلة والتشويش والتشتيت، تحتاج إلى استثمارها واكتناه أسرارها لتجاري لغة عصرنا ومنهجه وروحه ومصطلحاته.

إن الرجل الأديب لم يزج بنفسه تحت أعباء هذا العمل المرهق إلا بعد أن قطع شوطا قصياً في مضمار الثقافة، وتأثر عقله بدراسات الغربيين لأدب أسلافهم ولا ريب في أن محاولته الأولى كانت شاقة ومضنية لأنه لم ينشأ فيها شيء من الاستعدادات لذلك، فالبعث الأدبي الذي تقوم عليه نهضتنا الحديثة تشوبه روح أجنبية وتعاليم غير عربية بثهما فيه رجال غير عرب حريصون على ترويج ثقافتهم وطبع المتعلمين عليها، فهل نعجب والحالة هذه إن وجدنا المرأة مقصرة عن الرجل في هذه الحلبة، لا سيما وهي لا تزال في فجر نهضتها يطلب منها كأديبة ناشئة إن تلم إلماما صحيحا بأحوال عصرها وتلاحظ ما يتعاوره من المظاهر المتأخرة وتدرس ما قد يقع تحت حسها وعقلها من قضايا الحياة لتفهم بواعثه وأسبابه وتفقه أغراضه وآثاره وتدرك مراميه ونتائجه؟ وبعد فإني أسأل هل أخذت المرأة من كل ذلك بنصيب يذكر حتى نريدها إن تعكف على الأدب العربي فتدرسه دراسة صحيحة منها لذة ومسرة ومنفعة، وقد رأينا عناء الرجل فيه ثم تحدثنا عنه في لهجة المتفهم له؟ لا ريب عندي إن انصراف الفتيات عن الأدب العربي يتأثر إلى حد بعيد بالعوامل التي ذكرتها آنفا باقتضاب، وتقع فيما أرى تبعة ذلك على عاتق الرجل الذي هو قدوة المرأة في كل لون من ألوان الحياة، تجاريه في خطاه باعتباره أرسخ منها قدما في ممارسة هذه الأمور فلو أحسن أعمال الترويج للأدب العربي ودرسه كما يدرس آداب الأمم التي تثقف في معاهدها واستمد من مواردها متداركا ما يعتوره من بلبلة وتشويش تستبهم بهما معالم جماله ورونقه- لما وجدت الفتيات بعد أن يذقن ما فيه من روعة وبهاء – سبيلا إلى الإعراض عن دراسته ولما كن يفضلن عليه أدبا مهما يكن له من قيمة في نظرهن، وعلى ذلك فالجهل بقيمة الأدب العربي عامل آخر يصدر الفتيات عن تذوقه وترشفه بلذة وشوق والإنسان كما قيل في الأمثال عدو لما جهل.

 

خلاصة القول: إن الأسباب التي أدت إلى انصراف الفتيات عن الأدب العربي ترجع إلى عدة عوامل نقتصر على ذكر أهمها وهي:

أولا- إننا امة شديدة الافتقار إلى مدارس وطنية للفتيات تعنى بالثقافات العالية، ولا عبرة في المعاهد الأجنبية المنتشرة في الحواضر والعواصم، فهي إن كانت تعنى بشيء من ذلك فهو طبعا لا يعدو حدود الترويج لآداب قومها وبث تعاليم أمتها في نفوس ناشئتنا، لأنها إنما وجدت للعمل على تحقيق هذه الغاية مهما كلفها الأمر من عناء وتضحية، فتأتي عن ذلك هذا الضعف الظاهر في ميل الناشئة إلى الأدب العربي وكان حتما على الفتاة التي ما برحت في دور التكوين العقلي أن يكون لها نصيب من ذلك.

ثانيا- إن المرأة عندنا لا تزال في فجر نهضتها التي لا نستطيع إلا أن نسمها بالضعف والاضطراب لما يعتورها من عقبات كأداء تقتضي ردحا من الزمن حتى تذلل وتكون سنة التطور قد فعلت فعلها في تكوينها وتنظيمها كما فعلت ذلك من قبل في نهضة الرجل حتى أصبحت كما نراها اليوم دانية القطوف.

ثالثا- عدم توفر أسباب الدعوة والترويج والتنشيط للأدب العربي، والتعاون قولا وفعلا على إحياء معالمه وآثاره من قبل الحكومة والشعب.

وهناك عوامل غيرها تأتي في الدرجة الثانية، كاندفاع ناشئتنا شبانا وشابات مع تيار التقليد، والتسامح المريب في الشؤون الوطنية والقومية وتسرب الأفكار المتطرفة والمبادئ الملتوية والأدب الماجن والفاسق إلى مختلف بيئاتنا، إلى غير ذلك مما تسهل مطالعته في الكتب والصحف والنشرات غير العربية.

أما كيف نتلافى ذلك الجفاء الذي يجده الأدب العربي من الفتيات فأجمله بعبارة واحد؟، وذلك أن نتعاون حكومة وشعبا على مكافحة هذه العوامل كلها في غير هوادة ولا رفق، وبديهي إن إزالة المسبب تؤدي حتما إلى زوال السبب.