المرأة في الصحافة - مجلة الجندي- سهام ترجمان

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة الجندي، وهي مجلة ثقافية أسبوعية، في دمشق في 1/8/1946، وكانت تصدر عن الشعبة الثالثة في الأركان العامة، استمرت مجلة الجندي دون انقطاع أثناء قيام الوحدة السوية المصرية عام 1958، وكذلك استمرت في فترة الانفصال، وبعد الثامن من آذار عام 1963 لفترة ثم تحول اسمها إلى مجلة (جيش الشعب) كانت متنوعة الأبواب وجامعة، ولم تغفل ناحية من النواحي الثقافية العسكرية والمدنية، واستقطبت خبرة الأقلام في مختلف الاختصاصات، ويمكن القول انها كانت مجلة الأسرة والمجتمع في مختلف شرائحه.

صدرت (الجندي) بالحجم الكبير وضمن (54) صفحة مع الغلاف الأول والأخير.

ومن الأقلام النسائية التي حررت في مجلة (الجندي) "سهام ترجمان" فقد اهتمت في صفحة المرأة وكذلك اهتمت في التحقيقات الصحفية المتعددة وفي عدة أبواب أخرى، و"سهام ترجمان" من مواليد دمشق، وهي مجازة في الفلسفة، وموظفة في إدارة التوجيه المعنوي، وقدمت عدة برامج إذاعية وقد صدر لها كتاب (يا مال الشام) عام 1969 وأعيد طبعه عدة مرات.

نجد في العدد رقم (390) السنة الثانية عشرة، الصادر في 22/1/1959، تحقيقا صحفيا أجرته سهام ترجمان عن نشاط المرأة في منطقة الفرات السورية فيما يتعلق بمختلف مظاهر الحياة، جاء في التحقيق تحت عنوان (أينما ذهبت ... التقيت بوجوه متفائلة) ما يلي:

(الحركة النسائية في منطقتي الجزيرة والفرات حركة ناشطة قوية تعمل على تطويرها سيدات وفتيات متعلمات واعيات نكاد لا نعرف عنهن شيئا لبعد المنطقة وانعدام الصلة والإهمال الذي لا نبرر له في العهود السابقة.

هذه المنطقة الشمالية الشرقية من بلادنا.. هذه الأرض الغنية بالخيرات المادية... هي أيضا منطقة غنية بالخيرات الفكرية والروحية والمعنوية غنية بالمواهب والمؤهلات العلمية التي جعلت مدن تلك المنطقة وقراها تقف صفا واحدا إلى جانب بقية مدن الأقاليم الشمالية.

إن التطور الذي لمسته في تلك المدن النائية في أراضي الجزيرة والفرات تطور رائع يسير بسرعة وبقوة لا تقف في وجهه تقاليد بالية ويحاول كل جهده أن يتغلب على الإهمال وأتحدث اليوم عن التطور النسائي لأنه جدير بأكثر من حديث ... ولأنه جعلني أؤمن بأن المرأة السورية ... هي هي المرأة العربية الذكية الواعية حتى لو كانت في أبعد نقطة عن حدودنا....

أينما ذهبت كنت ألتقي بوجوه نسائية متفائلة وقلوب وعقول نيرة في محافظة الفرات وفي دير الزور أكبر مدن المحافظة التقيت ببعض الوجوه النسائية وكانت نخبة متعلمة راقية .. تلعب دورا كبيرا في تطور تلك المدن الحبيبة.

المعلمة الأولى: السيدة لبيبة حسني مديرة ثانوية دير الزور للبنات ورائدة العلم الأولى في تلك المنطقة هي أول من شق طريق العلم في مدينة الدير... إنها من الميادين.. تخرجت من دار المعلمات في حلب سنة 1932، وأتت إلى دير الزور سنة 1937 أول مديرة لمدرسة ابتدائية للإناث وفي سنة 1945 أصبح في الدير أربع مدارس ابتدائية وقالت: وبعد إلحاح شديد .. وطلبات مستمرة تأسس في الدير صف سادس على شرط أن أعلمه وحدي ومعي معلمتان وفي سنة 1948 تخرجت في الدير أول دفعة من بنات الدير يحملن الشهادات المتوسطة وأخذنا نطالب حتى تأسست عندنا دار للمعلمات سنة 1954-1955 وأخذت أديرها بنفسي.

وقالت أيضا: في السنوات الماضية لم يكن أمام الفتيات في الدير إلا الدخول في دار المعلمات ليخرجن منها معلمات، إن أهل الدير لا يزالون  يتمسكون بالعادات القديمة ويمنعون بناتهم من السفر إلى دمشق أو غيرها من المدن لإتمام المرحلة الجامعية كغيرهن من مواطناتهم ، لقد تأسست في دير الزور الصفوف الثانوية وإنني أتطلع إلى المستقبل وكلي أمل بأن تتحرر بعض العقول في هذه المدينة وتفسح أمام البنات مجال العلم والأعمال الحرة المتعددة.

إن هذه السيدة تعرف ما هي المشاكل الأساسية التي تقف في سبيل الفتاة في منطقة الفرات... إنها تشعر بحاجة المدينة إلى المدارس في جميع مدن المنطقة وإلى مدرسات وأخصائيات وموظفات وطبيبات ومهندسات ومحاميات من بنات المنطقة نفسها ... لأنها منطقة بعيدة عن الداخل ... ولا يمكن أن يتفهمها إلا أبناؤها وبناتها... لأن الموظف الذي يأتي إليها من بقية المدن يعتبر نفسه منفيا... وهذا ما كان يجري، فالموظف مهما كان ممتازا عندما عندما يرسل إلى هنا يحس أنه معاقب ... مع أن المنطقة بحاجة إلى أشخاص نساء ورجال يتفهمون المنطقة وعادات أبناءها ويسعون لرفع مستواها الاجتماعي والاقتصادي والعلمي.

 

 

وقالت لي ابنتها الطالبة مها عبد القادر فرحان فياض بلغتها الديرية العربية السليمة: أحب أن أكمل تعليمي الجامعي... وأحب أن أتحرر من بعض العادات البالية التي تفرضها على الفتاة البيئة وبعض العقليات الرجعية، لقد انخرطت أكثر الفتيات في سلك المقاومة الشعبية... وإنني سعيدة لأن المجتمع المحافظ جدا هنا قد رحب بهذه الحركة الجديدة .... وشجع الفتيات والسيدات على مشاركة الرجل حمل السلاح .... كما أن أكثر فتيات المدينة مشتركات في فرق الكشافة... فأنا مرشدة وعواطف وروضة مشهور مرشدتان..

الفتاة الشاطرة: التفت إلى الطالبتين الشقيقتين عواطف وروضة مشهور ... غنهما لا تضعان العباءة وتتحدثان بطلاقة وحرية عن حقوق الفتاة والتقيت بوالدتهما السيدة فكرية حداوي في بيتها ... زوجة السيد عبد الرحمن مشهور.... لقد أردت أن أدخل أحد البيوت الديرية لأخذ فكرة عن عقلية المرأة ... عن مدى تطورها ومسايرتها لتطور بلادها .... وكان بيتا أنيقا لطيفا...

وكانت صاحبته سيدة متعلمة حدثتني عن الوضع الاجتماعي في الدير .. وعن الأمور التي وقفت في سبيل تقدمها... وعن بعض العادات السيئة المنتشرة في ذلك المجتمع.

قالت لي : إن الشرف يا بني ليس  في تغطية الرأس س وليس في لبس العباءة أو وضع المنديل ... وإنما عندما تكون الفتاة واثقة من نفسها... وعندما يمنحها أهلها الحرية المعقولة وتتصرف هي بهذه الحرية بشكل لا يتعارض مع سمعتها وسمعة أهلها ... يجب على الفتاة أن (تكون شاطرة) إنني أعلم كل بنت من بناتي أن تتصرف دون أن تخرج عن الأدب والحشمة والأخلاق والدين ، أنا قبل زواجي ... كنت أذهب إلى المدرسة دون أن أضع العباءة وكنت أسمع كلمات كثيرة تنعتني بالخروج على التقاليد وكان أبي وأمي (يزعلان) مني ... وكنت قوية الشخصية فلم أسمع لكلام الناس لأنني كنت لا أخاف من تصرفاتي المعقولة... والمرأة الشريفة شريفة لا يتكلم عليها الناس.. وعندما تزوجت تحجبت لشدة تعصب البيئة التي أعيش فيها رغم أن أفكار زوجي متحررة للغاية، إنني أربي بناتي اليوم بشكل يجعلهن متعلمات وأديبات... إنني أعطي كل واحدة الحرية وأعلمها كيف تستعملها... المثل يا ابنتي يقول: (حرة كوني بين مية (مئة) دوري) وأنا لا يهمني كلام النساء فالمرأة الجاهلة الثرثارة هي التي تتلكلم عن الأخريات والمرأة المتقدمة المتفوقة تتلكلم عليها التي تغار منها، علمي المرأة ولا تخافي عليها ... والمرأة الجاهلة لا تعجب زوجها، وقد تؤدي إلى خرابها... إنني لا أحسب حسابا لكلمات النساء لأبدا.

والسيدة فكرية حداوي تؤمن بأن كل امرأة متعلمة تساوي (50) رجلا جاهلا لا يعرف معنى الحياة ، وهناك من  نساء دير الزور ما يعادل الربع متعلمات والأرباع الثلاثة الباقية جاهلات وأكثر هؤلاء الجاهلات يرغبن بالعلم إلا أنهن يخفن إما أزواجهن أو إخوانهن أو آبائهن.

أول جمعية خيرية: وقالت السيدة فوزية شعرنا نحن المدرسات بحاجة ملحة للقيام ببعض النشاطات النسائية ومنذ عام 1951 كانت هناك فكرة لتأسيس جمعية أو ناد تشرف عليه بعض السيدات والفتيات... ولم تتحقق في حينها الفكرة وقالت السيدة أمية عبد الله زوجة المحامي الأستاذ حسن السراج: رغم أنني لا أدرس ... فإنني أشعر بضرورة اشتراكي في الحركة النسائية وإنني مستعدة لخدمة مجتمعي كما أخدم بيتي تماما، لقد كان هذا حلمنا منذ أن كنا طالبات والحمد لله لقد كان نصيبنا أزواجا متعلمين متحررين تقدميين يسمحون لنا بالقيام بهذه الأعمال خارج بيوتنا.

هؤلاء السيدات هن صاحبات فكرة تأسيس جمعية نسائية في دير الزور... ولم تكن فكرة فحسب بل إن الجمعية تأسست وأصبحت تحمل اسم جمعية النهضة النسائية في دير الزور، والأعضاء المؤسسات هن: السيدات أميرة حج حسين وفوزية طبال وأمية عبد الله وازدهار برحوش وحكمت هنيدي وهيفاء صواف ولبيبة حسني ووداد طبال وليلى مدلجي والآنسة خديجة عبد الله.

إن قيمة الانتساب إلى الجمعية (10) ليرات سورية تدفعها مرة واحدة كل من تريد الانتساب إلى الجمعية وبعد ذلك يكون الدفع (3) ليرات سورية في الشهر، كما أن الجمعية تعقد أملا كبيرا على وزارة الإرشاد والثقافة حتى تستطيع أن تؤدي دورها كما يجب وبشكل مفيد)