المرأة في الصحافة – مجلة الجندي– دعد حداد

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدر العدد الأول من مجلة (الجندي) في دمشق في 1/8/1946، وكانت تصدر عن الشعبة الثالثة في الأركان العامة، صباح كل يوم خميس من كل أسبوع، وهي مجلة ثقافية أسبوعية. وكتب أن مديرها المسؤول: رئيس الشعبة الثالثة في الأركان العامة، وأن هيئة التحرير: المجلس الثقافي العسكري.

استمرت مجلة الجندي أثناء قيام الوحدة السورية المصرية عام 1958 بالصدور، وكذلك عند حدوث الانفصال، وبعد الثامن من آذار عام 1963، وكانت متنوعة الأبواب، واستطاعت استقطاب أقلام هامة في سورية، واعتمدت عدة رسامي كاريكاتير، كما صارت تصدر بالحجم الكبير، غلافا ملون، وصارت تصدر عن إدارة الشؤون العامة والتوجيه المعنوي في الجيش العربي السوري.

تنوعت أبواب المجلة الثابتة إضافة إلى عدة تحقيقات وصفحات متخصصة مثل صفحة (المرأة) وكذلك صفحة (الأطفال) والتي كانت تشرف عليها "دعد حداد" (1937-1991) وهي أديبة وشاعرة ولدت في اللاذقية، وتلقت علومها الأولية فيها، انتسبت إلى جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم اللغة العربية عام 1960، وعملتفي مجلة الجندي في قسم التحرير وكانت تهتم بصفحات وزوايا الأطفال وفي عام 1964، انتقلت للعمل في المكتب المركزي للإحصاء ثم عملت في قسم التصحيح اللغوي لمطابع وزارة الثقافة، وأسهمت في ترجمة عدد من القصص للأطفال، كما ساهمت في مجلة أسامة للأطفال ولها عدة مجموعات شعرية.

 

نجد في العدد رقم (604) الصادر في 4 حزيران عام 1963 في زاوية (روضة الأطفال) من تقديم وإشراف "دعد حداد" قصة بقلمها موجهة للأطفال تحت عنوان (الطالب النجيب) ما يلي:

(حمل سمير الصغير كتابه، وذهب إلى شاطئ النهر ليدرس قربه... رأى سمير الطبيعة الجميلة من حوله فقال لنفسه: كل شيء هنا رائع وجذاب... يالله ما أروع الجلوس هنا، ماء وأشجار، وطيور وهواء ناعم لطيف... واسترسل مع أحلامه قائلا عندما أكبر وأحصل على شهادتي العالية سأبني لي بيتا هنا... وسأجعله أجمل بيت في المنطقة كلها، سأهيئ فيه كل وسائل الراحة..... وسأعيش كالملك في هذه البقعة التي لا تحوي إلا الأشياء الجميلة.. ولكن... كم يستغرق ذلك من الوقت؟

لا بد أنني سأمكث عشر سنوات أو خمس عشرة سنة لأحصل على بيت كهذا، أما إذا سبقني أحدهم وابتنى بيتا له قبلي فإنني سأتشاجر معه وأغلبه... لأنني حتما سأكون قويا جدا.

وماذا إذا لم يرض صاحب الأرض أن يبيعني ما أريد لأبني بيتي الجميل؟ لا لا حتما سيقتنع بوجهة نظري فإنني عندما أكبر سأكون ذكيا جدا ومثقفا جدا!

وإذا طلب مالا كثيرا فسأعطيه ما يريد لأنني سأكون غنيا جدا! ومازال سمير غارقا في خيالاته حتى أغفى فوق الحشائش..... عند شاطئ النهر وأخذ الهواء يداعب الكتاب الراقد قربه في دعة، ويطير به بعيدا هنا وهناك إلى أن استقر به أخيرا في النهر فذهب في رحلة طويلة.. وأخذت أسراب الطيور تزقزق فوق رأس سمير بمرح فكأنها كانت تقول له: يالك من طالب نجيب)....

ونجد في نفس الزاوية في العدد (603) الصادر في 28/5/1963، إن دعد حداد قد قدمت للأطفال قصة من كتاب كليلة ودمنة بعد أن قامت بتبسيطها وتوضيحها لتكون ملائمة للأطفال وأشارت إلى المصدر، وعنوانها (الفيل والقبرة) وجاء فيها مايلي: (في غابة عظيمة الأشجار، كثيرة المياه، كانت تعيش فيها حيوانات كثيرة، وعصافير حلوة تعشعش هنا وهناك سعيدة راضية.

رأت قبرة أم– وهي نوع من أنواع العصافير– أن تضع صغارها في مكان أمين لكي تنمو وتكبر وتصبح طيورا حلوة تزقزق وتملأ الفضاء مرحا، إلا أن هذه القبرة المسكينة وضعت صغارها في مكان كان يرتاده الفيل العظيم الذي كان ملكا لتلك الغابة.

فلما أتى الفيل كعادته، ليشرب من نبع الماء الذي يجاور صغار القبرة، وطأ عش القبرة فهشم بيضها، وقتل فراخها، وبعد قليل رأت القبرة ما صارت إليه حالها، فبكت بكاء شديدا وعرفت أن الفيل هو الذي أهلك صغارها فذهبت إليه باكية وقالت له:

أيها الملك لم هشمت عش صغاري، وقتلت فراخي، وأنا جارتك؟ هل فعلت ذلك احتقارا لي، فرد الفيل وقد ظن بأن كونه ملكا يعطيه حق التسلط وظلم الآخرين:

نعم لقد فعلت ذلك استصغارا لك.

ذهبت القبرة وقد بيتت في نفسها أمرا... وطارت حتى وصلت إلى جماعة الطيور الأخرى.... وشكت لها ما حل بها على يد الفيل... فقالت لها الطيور نحن سننتقم لك منه فلا تحزني... وذهبت جموع الطيور إلى الفيل وفقأت له عينيه، فأصبح الفيل لا يستطيع الاهتداء إلى مكان النبع، وجعل يتخبط في الظلام الدامس بدون أن يجد طريقه الذي اعتاد السير فيه.

وكانت الضفادع أيضا علمت بما حل بالقبرة على يد الفيل فآزرت الطيور وأخذت (تنقنق) قرب هاوية، حتى يظن الفيل بأن مكان الماء قريب منها فيسقط في الهاوية... وكان الأمر.. فإن الفيل كان قد بلغ به العطش حد الموت فسارع إلى مكان صوت الضفادع... وعند ذلك سقط في الهوة متحطما...

وبعد ذلك أتت القبرة ترفرف على رأسه، وقالت له: أيها الطاغي المغتر بقوته، الذي احتقرت أمري، كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي، بالنسبة إلى عظم جثتك وصغر همتك)؟

وقدمت أيضا (أسطورة للأطفال) تحت عنوان (أثمن من الجوهر) جاء فيها مايلي:

(يحكى أن راعيا شابا كان يرعى قطيعه على مقربة من القرية، حين مر به شيخ أعمى وقال له:

-         أيها الشاب... إنني أريد منك أن تقودني إلى واحة في الصحراء، فهل تقوم بهذا العمل؟ فقال الشاب: إنني أحب أن أخدمك أيها الشيخ العجوز، ولكنني لا أستطيع أن أترك قطيعي لأن القطيع بحاجة إلى راع، ولأن الذئاب ستهاجم القطيع إذا تركته.

-         فقال الشيخ: مالك وللقطيع، دعه للذئاب وتعال معي إلى الواحة الجميلة وهناك سأقدم لك صندوقا مليئا بالجواهر الثمينة، فتصبح غنيا... وسال لعاب الراعي الشاب حين سمع بقصة الجواهر الثمينة فترك القطيع، وسار أمام الشيخ يدله على الطريق.

ومرت أيام طويلة، ومرت ليال مرعبة، وقطع الشاب والشيخ صحارى واسعة وجبال شاهقة، وسهولا شاسعة حتى وصلا إلى الواحة المنشودة، وعندما بلغا الواحة، قال الشيخ للشاب:

-         لقد أوصلتني إلى واحتي فشكرا لك يا بني، والآن عد إلى قطيعك قبل أن تأكله الذئاب، وتقضي عليه رياح الشتاء.

-         فقال الشاب: وأين صندوق الجواهر أيها الشيخ، فقال الشيخ: سأعطيك ما هو أثمن من الجواهر، فقال الراعي: وهل في الدنيا شيء أثمن من الجواهر، فقال الشيخ: أن تعيش في الواقع، ولا تتيه مع الأحلام، ولا تخدعك الآمال الكاذبة، ولا تصدق كل ما يقال، أثمن من كل ما في الدنيا من جواهر، ضحك الشاب... وفهم معنى ما قاله الشيخ، فشكره على نصيحته، وعاد إلى قريته وقطيعه، وعندما وصل إليه، لم يجد غير كلبه الأمين يبكي، فسأله: أين القطيع أيها الكلب؟

-         فأجاب الكلب: قتلت رياح الشتاء قسما منه، وأكلت الذئاب قسما، وأخذ اللصوص الباقي.

-         وسكت الكلب لحظة ثم قال:

-         وأين كنت أنت يا سيدي؟

-         فقال الراعي: كنت مع شيخ عجوز أدله على الطريق، فقال الكلب: وهل أعطاك العجوز شيئا.

-         فقال الراعي: (أعطاني شيئا أثمن من الجواهر).