المسرح السوري بين الكوميديا وأزمة التعبير

إيمان أبوزينة

مامن شك بأن الضحك في حياتنا أمر مهم لتجاوز المشاكل التي نواجهها كي نرى اختلافا يغير مانصادفه في يومنا، ومن خلال التواصل مع الآخرين تصبح الابتسامة شأنا مبهجا يبعث فينا البهجة والرغبة بالحياة.

 تاريخيا  ابتدع الانسان  النكتة المسلية والمضحكة  ليقولها أمام أصدقائه ومن حوله من خلال السهرات والاحتفالات، ثم أصبحت تقال بصوت مسموع في المسارح وأمام الجمهور من خلال طرح أحداث ومشاكل المجتمع والحياة، وقد تعارف الناس على تسمية الأعمال المسرحية والفنية التي تبعث على الضحك والابتسام بالكوميديا. فما هي الكوميديا:

هي عبارة عن كلمتين يونانيتين هما "كوموس" وتعني :موكب السكارى، و"أود" وتعني: أغنية. وعليه فكلمة كوميديا تعني: "أغنية موكب السكارى".

 وتعريف الكوميديا بشكل تفصيلي هو: " الكوميديا شكل من أشكال المسرحية، التي تتعلق بالأمور الحياتية، أكثر مما تتعلق بالمشكلات الأخلاقية المطلقة. كما تهتم بعلاقات الإنسان بالمجتمع أكثر مما تتعلق بالحقائق الثابتة والدائمة  التي تسير الأفعال فيها من التأزم والارتباك إلى حالة السعادة أو إلى الحل المرضي المريح للنفس.

يقول الفيلسوف الفرنسي "برغسون"  : «إن الشعب المولع بالنكتة هو شعب مولع بالمسرح». 

الكوميديا في سورية:

عرفت سورية المسرح في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان رائد المسرح العربي الأول "مارون النقاش" (1817-1855) قد قدم أول مسرحية باللغة العربية عام (1848) وهي كوميدية بعنوان (البخيل) ومقتبسة عن (موليير)، ثم تتالت المحاولات من قبل بعض الأشخاص والفرق السورية وخاصة في دمشق وحلب وحمص، وكان من أشهرهم على الإطلاق "أبو خليل القباني" (1836-1902) الذي قدم الكثير من المسرحيات المتنوعة فيها التمثيل والغناء والرقص والموسيقا، وكان التمثيل أشبه بما ندعوه اليوم "الميلودراما" أي خليط من التراجيديا والكوميديا، وظلّ المسرح بعد القباني، تقوم به بعض فرق الهواة وبعض الأشخاص المحبين للمسرح بين الحين والآخر حتى النصف الثاني من القرن العشرين حيث بدأ الاهتمام بالمسرح بشكل متتابع ومتلاحق من قبل الدولة كإنشاء المسرح القومي والمسرح العسكري ومسارح المنظمات الشعبية، والفرق المسرحية الخاصة كالمسرح الحر ومسرح الشوك وغيرها، وأصبحت الثقافة الفنية والمسرحية منتشرة بشكل واسع بين الناس في سورية بواسطة المجلات والكتب الفنية والأفلام السينمائية والبرامج الإذاعية والمحاضرات الفنية والتلفزيون.

وكان المرحوم "عبد اللطيف فتحي" أول من أسس فرقته المسرحية في منتصف الأربعينيات، وهو أول فنان احترف الفن بعد "أبي خليل القباني"، وكان صاحب شرف تقديم أول عرض مسرحي باللهجة الشامية  واستطاع بحق أن يؤسس الطريق الصحيح للكوميديا في سورية من خلال مسرحياته مثل: "شيخ الكتّاب، مبارك ما إجاك".

بعد ذلك ظهر كتاب مبدعون في المسرح أمثال: "سعد الله ونوس، ووليد إخلاصي، وممدوح عدوان، وفرحان بلبل، ومحمد الماغوط، وعلى عقلة عرسان، وعبد الفتاح قلعه جي، ونور الدين الهاشمي، وغيرهم ، وكان لمسرحيات "دريد لحام " أهمية كبيرة بالتأثير العام على  الناس مثل مسرحيات: "غربة، كاسك ياوطن، شقائق النعمان".

أما مسرح الفنان الكوميدي "محمود جبر" وفرقته، فكان علامة مميزة بما قدمه من مسرحيات ضاحكة مثل : "عشك يابلبل، مطلوب كذاب، صياد وصادوني"، وكذلك مسرح "الإخوة قنوع " الذي قدموا فيه مجموعة مهمة من المسرحيات الضاحكة من خلال "مسرح  دبابيس" حيث قدمت هذه الفرقة بحدود الأربعين عملاً مسرحياً خلال ثلاثين عاما.

استطاعت الكوميديا السورية أن تعبر عن هم المواطن السوري، واستمرت المحاولات الكوميدية للممثلين السوريين الذين كانوا يعملون في دمشق وحلب بآنٍ واحد واستطاع الفنان "عمر حجو" تأسيس "مسرح الشوك" في الخمسينيات  حيث كان هذا المسرح يقدم لوحات كوميدية ناقدة بمشاركة عدد من الفنانين الكبار

الفنان "عمر حجو" في لقاء معه عن "مسرح الشوك"، قال: «مسرح الشوك هو مسرح مرحلة أتت بعد الهزيمة، وقد سرى لفترة وبعدها كان يجب الانتقال إلى أفكار أخرى. وأذكر أن وزارة الثقافة وخاصة مديرية المسارح قد رأسها في تلك الفترة "حميد مرعي" والذي قال لي: «دعنا نقم بعمل شيء لمديرية المسارح كمسرح الشوك، فعملنا شيئاً اسمه المسرح الجوال، وكان أحلى من مسرح الشوك، لكنه مات في وقته، وكان ألفباء المسرح، إذ كنا نقيم عروضه للفلاحين في القرى، نجمعهم في الساحات ونتخذ جداراً ليكون منصة، ونجلب صناديق الخشب لنضع فيها الإضاءة (اللوكسات في ذاك الوقت) ليتم تسليطها على الجدار، ثم يقوم ياسين بقوش ليقول: «سوف نحكي لكم حكاية...الخ»، ومن الحكاية تتجسد شخصيات عبر الحوار لتحكي قضايا الفلاحين، فيشترك الفلاحون معنا في النقاش، وتنتهي الحكاية، ثم نصل فيما بعد بالمسرحية، إلى مرحلة إيجاد حل لتلك الأوجاع والمعاناة التي يعانيها الفلاحون. وفي إحدى المرات لازمنا التلفزيون الألماني لمدة يومين وهو يصور ما نعرضه من هموم الفلاحين ومشكلاتهم أمام أعينهم، ولذلك كان من أخطر المسارح في العالم. وبعد فترة من الزمن تغيرت إدارة مديرية المسارح، فجاء مدير آخر وقال لنا إن هذا المسرح خطير جداً وعليكم إيقافه. ولذلك كنت أتمنى أن يكون هناك إبداعات في المسرح لكي يتجدد وينمو ويتطور».

في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات استمرت الكوميديا السورية على حالها إلى حين ظهور الفنان "ياسر العظمة" والذي استمر لأكثر من عشرين عاماً بتقديم عروض مميزة من خلال المسرح والتلفزيون خاصة في مسلسله الحصري :"مرايا".

تحدث نجم الكوميديا "ياسر العظمة عن مسلسل "مرايا" فقال:

«منذ ثلاثين سنة أو أكثر اتجهت للعمل على مشروعي الكوميدي الاجتماعي، ووجدت أنه يملك هوامش وأفاقا واسعة حتى أقول رأيي، ووجدت أنه بإمكاني ذلك من خلال هذا المشروع الذي حقق طموحاتي كفنان، خاصة وأنني متمكن في الكتابة والآداء معا».  

وأضاف:«أردت أن تكون الشخصيات التي أتقمصها وسيلة تخاطب قلوب الناس، ووجدت أنني أستطيع تجسيد مختلف الأدوار، ولذلك فأنا أكتب لنفسي وإذا كنت متمكنا في الكتابة والتمثيل وغيرها فلماذا لا أستثمر في إمكاناتي، وأعتقد أنني لا أدّعي ما لا أملك، وزيادة على ذلك فأنا لا أشترك في مسلسلات كثيرة وهذا مسلسلي وأعرب من خلاله مع مجموعة من أصدقائي على أفكاري».

في بداية عام 2000 لم يكن مسلسل "بقعة ضوء" بعيداً كل البعد عن "مرايا" أو حتى عن "مسرح الشوك" إذ أن المخرج "الليث حجو"  استطاع الاستفادة من تجربة والده في مسرح الشوك وقدمها للتلفزيون بطريقة لطيفة استطاعت لفت نظر الجمهور السوري والعربي وعبرت عن واقع المجتمع بطريقة  كوميدية ناقدة.

المثل والمسرحي "فايز قزق"

وفي حديث هاتفي مع الممثل والمخرج المسرحي "فائق عرقسوسي" لدى سؤاله عن أزمة التعبير في المسرح الكوميدي في الوقت الحالي قال: «أزمة التعبير لاتنفصل في مانعيشه اليوم عما كان سابقا، فنحن اليوم نستطيع صناعة مادة مسرحية دسمة عن الكوميديا السوداء، لكن للأسف القدرة على التعبير مسدودة لأن الأحداث وقسوتها تمنع انتاج مادة فنية صالحة لمسرح كوميدي رغم حاجة الناس لضحكة "ولتكن مجلجلة" لمتابعة الحياة. 

نحن حين نريد الدخول في عالم الكوميديا فإن القدرة على الكشف تحتاج إلى تركيز عالٍ وليس إلى ردات فعل. يمكننا أن نصنع  شيئا مقاربا لمسرح الشوك يمكن مثلا أن نسميه "مسرح اللوحات" لكن ذلك يحتاج لمصداقية عالية فنحن بحاجة لنضحك من أعماقنا ومن قلوبنا بناء على ذلك الكشف.

أنا أرى أن مانعيشه من أحداث في هذه الأزمة يمكن أن يتحول إلى مادة غنية بمصداقية عالية».

لقد قفزت سورية  قفزة كبيرة هائلة في المسرح والسينما والتلفزيون، وخاصة في الكوميديا، وماقدمته خلال خمسين عاماً جعلها تواكب الدول العربية المتقدمة فنياً ، وهاهي ذي تتابع طريقها بإصرار وقوة متسلحة بالعلم والخبرة والمعرفة والتجربة.

 

المراجع:

الموسوعة العربية، نبيل الحفار -

-الأدب المسرحي: تاريخ ونصوص- نديم محمد- مديرية التدريب – وزارة التربية  دمشق 1981.

دليل المتفرج الذكي إلى المسرح- ألفريد فرج-

-موقع "اكتشف سورية"

-موقع "راديو انا"

-موقع مجلة "الباحثون"

موقع "كلنا شركاء"-

أرشيف المسلسلات السورية-