تأثيرات الموسيقا الشرقية في الابداع السوري

إيمان أبوزينة

إن أهم أساليب وتقنيات الابتكار هي التي تشجع على الإبداع، سواء في الفنون أو العلوم والموسيقا والآداب.

والموسيقا  هي ذلك العالم الساحر الذي يثير العواطف والخيال والمتعة، وهي هي التعبير الأسمى لللوجدانيات الإنسانية لذلك كان لها  ذلك الغزو الرائع عند كل الشعوب.

يقول الأديب الفرنسي  "بلزاك" عند حديثه عن تأثير الموسيقا في النفوس: «ان الموسيقا هي اعمق انواع الفنون واكثرها تغلغلاً في الانسان».

كانت الموسيقى في الشعر الجاهلي لا تعدو الترنّم في الشعر، أما الآلات الموسيقية فما كان لها أثرها البارز في تاريخ الموسيقى العربية في العصر الجاهلي إذ كان عربي ذلك الزمان يؤثر سماع الغناء الصوتي على العزف الآلي ليتسنى له بذلك تذوق معاني الشعر أما الآلة الموسيقية فلا مهمة لها إلا مرافقة الغناء الصوتي والتمهيد له.

الغناء العربي في العصر الجاهلي:

عرفوه أول الأمر باسم الحداء و هو على 3 أنواع: النصب و السناد و الهزج. النصب: هو غناء الركبان و الفتيان و منه أصل الحداء, السناد: هو الغناء الثقيل ذو الترجيع, الهزج: هو غناء خفيف الذي يرقص عليه

بدأت الموسيقى العربية تطورها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، خصوصا في عهد الخديوي إسماعيل الذي كلف الموسيقار الإيطالي "فردي" بتأليف أوبرا عايدة وبناء دار الأوبرا المصرية بمناسبة افتتاح قناة السويس. واحتضن الخديوي "عبده الحامولي" الذي كان يغني في القصر.

من الثابت أن جميع آلاتنا الموسيقية مصدرها الشرق، وقد انتقلت منه إلى إوربا بأكثر من طريق. والآلة الوحيدة التي كانت تعتز أوروبا بأنها من مبتكراتها هي آلة البيانو. ولكن ثبت أيضا أن هذ الآلة مصدرها عربي أندلسي.

وكان يطلق حتى القرن الرابع عشر على آلة صغيرة ذات مفاتيح سوداء فبيضاء على التوالي توضع على المنضدة أثناء العزف، وتعتبر هذه الآلة إحدى الحلقات الأولى التي تطورت منها آلة البيانو. وإذ أن هذه التسمية ليس لها نظير في المشرق العربي، فالمعتقد أنها احدى مبتكرات زرياب في الأندلس.

المقامات الموسيقية الأساسية :

المقام هو عبارة عن تتالي لعلامات موسيقية وفق أبعاد معينة وقواعد موضوعة لتصنيف اللحن الموسيقي, الأمر الذي يسهل تعامل العازف مع الآلة وبالتالي مع المقياس الموسيقي.هنالك العديد من المقامات لكن يمكن تصنيفها إلى تسعة مقامات أساسية يتم اشتقاق عدد كبير من المقامات الفرعية منها.

 

1.      مقام الراست.  2.      مقام البيات.

3.      مقام الهزام .    4.      مقام النهوند.

5.      مقام السيكاه.   6.      مقام الحجاز.

7.      مقام عجم.      8.      مقام الصبا.

9.      مقام الكرد .

و لكل مقام من هذه المقامات الأصلية غماز

و الغماز هو النغمة الشائعة الاستخدام في المسار اللحني، وتعتبر نقطة التحويل والانطلاق للأجناس الأخرى، وغالبا ما تكون هي النغمة التي يبدأ منها جنس الفرع، ونغمة الغماز تلي نغمة الأساس في الأهمية، وذلك في المسار اللحني. ولزيادة تفصيل المقامات والسلم الموسيقي ،إليكم هذه المقدمة:

تتألف الجملة الموسيقية من مجموعة متتابعة من العلامات الموسيقية والتي تفصل بينها فواصل زمنية تعرف بالسكتات. ويمكن تصنيف الجمل الموسيقية إلى مقامات، حيث يكون معيار التصنيف هو المسافات الصوتية(البُعد) بين مكونات الجملة الموسيقية. ومعلوم أن العلامات الموسيقية هي : (DO-RE-MI-FA-SOL-LA-SI) : وتكون المسافة الصوتية(البعد) بين كل علامتين متجاورتين مساوية إلى قيمة واحد (1) باستثناء علامتي (…(MI-FA)….(SI-DOضمن الأوكتاف(OCTAV) الواحد. والاوكتاف هو تتالي ثمانية علامات موسيقية متتابعة على السّلم الموسيقي, والذي يحدد قيمة العلامة الموسيقية فيزيائياً هو قيمة التردد

الموسيقا في سورية

عثر في "تل الحريري" على بعض أناشيد وقصائد غنائية هي من أقدم التراث الثقافي الإنساني، وتتطابق مع أقدم لوحة موسيقية أكدية وجدت في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وعلى جوقات من الموسيقيين منحوتة على القدور، وعلى آثار تدل على مدرسة لتعليم الموسيقا، مما يبرهن على عمق اهتمام الإنسان السوري بالغناء والموسيقا منذ عهد السومريين وحتى اليوم، أي منذ أكثر من أربعة آلاف سنة. كذلك الأمر بالنسبة للكنعانيين في أوغاريت، إذ كشفت دراسة الآثار والمدونات الموسيقية، والاطلاع على الرُّقم التي تكشفت عن تلك الحضارات من قبل المهتمين في العالم أن السلم الموسيقي والنغمات التي ظهرت في أوغاريت مدونة حسب سلم فيثاغورث بالذات، ولكنه مكتوب قبل فيثاغورث بـ 1200 سنة. وكان الإنسان الأوغاريتي إذا أراد شيئاً من الآلهة، يلجأ إلى الموسيقا باعتبارها محبوبة الآلهة.

عرف العرب في ديار الشام  الموسيقا والغناء والآلات الموسيقية في جاهليتهم، وتأثروا بموسيقا الحضارات التي سبقتهم

شهدت سورية منذ بدايات القرن العشرين نهضة موسيقية حقيقية ،  ويعد الموسيقي الراحل "شفيق شبيب" أول من أسس في دمشق نادٍ للموسيقا عام 1914 باسم "نادي الموسيقا الشرقي". وفي أعقاب الثورة السورية على المستعمر الفرنسي 1925-1927 أسس المرحوم "توفيق فتح الله الصباغ" نادياً آخر عام 1927 جمع فيه صفوف الموسيقيين، فوحد كلمتهم ودافع عن حقوقهم.

أما باقي المدن السورية فكانت تفتقر إلى أندية موسيقية تجمع شمل مبدعيها باستثناء مدينة حمص التي زهت طويلاً بناديها الشهير "دوحة الديماس" الذي دعي إلى افتتاحه في العام 1934 الشيخ "علي الدرويش"، ومدينة اللاذقية التي ترأس النادي الموسيقي فيها "محمود العجان".

جيل الأربعينيات والخمسينيات من الموسيقيين استطاع التحرر من الأساليب التركية، والتوفيق بين الموروث والتجديد.

كان واقع الغناء في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات أفضل حالاً من واقع العزف على الآلات الموسيقية.  فحافظ أقطاب الموسيقا على الموشحات والأدوار والغناء الشعبي (الفولكلور)، وعملوا في الوقت ذاته على الارتقاء بفن القصيدة.

العازف "نسيم الأمين" تحدث عن علاقته بالغناء والموسيقا وقال:«الموسيقا فن راق يلامس الروح ويداعب الأسماع، وفي الغناء يتم تذوق الكلمة عبر ترانيم عذبة وصوت شاد ليتحول العمل برمته إلى نوتات تحمل في نغماتها كل الأحاسيس والمشاعر ذات الصدى الجميل والوقع المؤثر في النفوس وهو فن يحيا ويستمر رغم الحرب والمعاناة الطويلة تحت وطأة الإرهاب».

الدكتور "غزوان الزركلي" قال: «التقاطع هام بين الفلسفة والموسيقا من حيث علاقة الإنسان مع الكون، والجسد مع الروح، والعقل مع القلب، وهنا أحب أن أشير إلى أن الفن يعكس علاقة الإنسان مع العالم المحيط من البشر والطبيعة ويعكس علاقته مع ذاته كما الفلسفة التي غيرت العالم، ومن جهة أخرى فالفن تَوْق إلى التغيير باتجاه حياة أفضل وأجمل، إضافة إلى أن الفن له تأثير كبير في ترسيخ المفاهيم عند الإنسان، حيث يتحول الأمر في الموسيقا إلى رد فعل صوتي يستعمل الأنغام ويحكي عما يعتلج في نفس الإنسان من جرّاء المواقف المختل».

العازف "جان تمزجيان"  تعلم   من موسيقا: "باخ، وبيتهوفن، وفرانز" من موسيقيي القرن التاسع عشر، ليبقى "موتزارت" سيد البيانو معلماً أبدياً، حيث قال عنه: «بقدر ما تبدو موسيقا "موزارت" بسيطة بقدر ما يكمن وراءها "معلمية" حقيقية، فـ"موزارت" لديه تأثيرات شرقية إلى حد ما وتظهر في الرتم الموسيقي له».

بين موسيقا الشرق وموسيقا الغرب هناك الإنسان، ويبدو الفصل بينهما أشبه بفصل الزيت عن وجه الماء، فقد تعلم الموسيقي "تمزجيان" العود مبكراً وقال عن ذلك: «تعلمت العزف على العود كي يدخل في خفايا الموسيقا الشرقية، وتعلمت فنون المدرسة الشامية على أصولها في العزف، وانفتحت على التراث الموسيقي السوري امتداداً لتجربة "نوري إسكندر" وآخرين، وعملية الخلط مع الموسيقا الغربية تعتمد على دمج المقامات كما فعلت في "قصيدة الشرق " مع الأوركسترا الوطنية -لم تعزف حتى الآن في "سورية"- مبنية على لحن "كلارينيت" ثقيل وبنفس الوقت متقاطعة مع مقامات شرقية مثل الرست أو ما نسميه "تشيلو" مقام رست».

وتابع: «إننا نخطئ حين نتحدث عن الموسيقا ككيان خارجي مرتبط بنخبة المجتمع، فالموسيقا قبل أن تكون ظاهرة إبداعية هي ظاهرة اجتماعية واقتصادية وإنسانية، أي تخضع كغيرها إلى المؤثرات المحيطة كالعولمة مثلاً».

فقد جرى استهلاك الموسيقا كسلعة مثل باقي الجوانب الإبداعية الإنسانية، وإن كنا نتحدث عن عقدة الموسيقا لدى عموم الناس فهذا أمر طبيعي متشابه لدى كثيرين من الناس في مناطق العالم .

 في فرنسا هناك موسيقا شعبية (غناء شعبي وتقليدي وآخر نخبوي)، في أميركا هناك موسيقا ينتجها الأغنياء وأخرى ينتجها الفقراء كالروك والجاز وغيرها، هذا التنوع أمر صحي وطبيعي، وإذا أردنا ربط الموسيقا مع الناس لدينا يجب أن نعمل على تقارب بين العمل التقني والعلوم الموسيقية ونربطها مع المنتوج الشعبي الموسيقي .

في "سورية" لدينا جيل من المؤلفين الموسيقيين مثل: "صلحي الوادي، نوري إسكندر، ضياء السكري" كمؤسسين، ولدينا جيل ثان من المؤلفين كـ"زين جبري" و"شفيع بدر الدين"، هؤلاء دليل على حيوية الموسيقا السورية وتفردها في العالم، ونحن الجيل الجديد نحاول أن نصنع علاقة جيدة مع الموسيقا ومع المستمع بالتوازي عموماً، بعد تركي للمعهد سنة /99/ اكتشفت جيلاً جديداً من الموسيقيين كانت لهم علاقة مع موسيقا الروب والروك مثل: "كنان العظمة" و"ديمة أورشو" أيضاً».

وعن تأثره بنمط موسيقا معينة تابعة لثقافة بلد معين يقول: «الموسيقا التصويرية حالة ثقافية فلسفية تعبر عن المكونات الداخلية ولها علاقة بالنفس والروح، أواكب جميع أنماط الموسيقا واختار منها ما يناسب اتجاهاتي الموسيقية، فقد تربيت على سماع عمالقة الغناء العرب والأجانب، لست متعصباً أو مقيداً بنمط موسيقي معين، خلال مسيرتي الفنية تأثرت بدرجة كبيرة بالموسيقا الكردية لكونها حضارة سورية ويوجد تماس مباشر معها وتعمقت بدراستها، بالإضافة إلى وجود حضارات متنوعة في "سورية" يمكن المزج بينها وتقديم نمط موسيقي خاص ومعين»

الموسيقي "عابد عازرية" حدثنا عن بعض تلك المكنونات التي تسكن موسيقاه، فقال:«عشقي لحضارة الشرق والحضارة الموجودة في منطقتنا بالتحديد دفعني إلى العمل على النصوص الحضارية مثل الألواح الفخارية، الكتب، الوثائق والمخطوطات، لأنها كلها شواهد على هويتنا وتراثنا، فالموسيقا فيها فكر وتفكير عميق بالحضارة التي أحاول تقديمها عبر أغانيّ، في عملي أبحث عن هوية المنطقة كلها من السومريين إلى يومنا هذا، وبآن واحد أسعى لاستعادة الشخصية الإنسانية الموجودة فينا، فمثلاً كان مدير متحف "اللوفر" في الستينيات هو الذي اكتشف "ماري" واسمه "اندريه بارو"، ويقول "أندريه" في مقدمة كتابه عن سومر وبابل إن البشرية اليوم مدينة لسورية بكل شيء، لأنها هي التي أعطت للبشرية الأبجدية والأحرف والأرقام، ونحن اليوم لا شيء، لا نعطي شيئاً، من هنا يجب أن نستعيد تلك الهوية التي ننتمي إليها، والتي جئنا منها ونكون موازين للعالم وليس أن نكون لاحقين ومقلدين، يجب أن يكون لنا أشكالنا الخاصة والمرتبطة بتراثنا وحضارتنا، لذلك في الموسيقا التي أعمل بها أحاول أن أختلق أشكالا آتية من القوالب التي دونت عن حضارة المنطقة، وهي بآن واحد قوالب مفتوحة على الموسيقا العالمية، مفتوحة على الجاز والكلاسيك وكل شيء».

 وعن "التصوف والإنشاد الديني" تحدث الباحث الأستاذ "محمد قجة"، الذي تطرق إلى نشأة الموسيقا في الفطرة الإنسانية، فقال: « كان السماع والموسيقا سمة لبعض الطرق الصوفية، في الوقت الذي رفض فيه بعض المتصوفة ذلك، بينما وفّق سواهم بين الموقفين، وقد عرف التاريخ الإسلامي عدداً كبيراً من الطرق الصوفية كـ"القادرية، الرفاعية، السهروردية، الشاذلية، البدوية، الدسوقية، المولوية، النقشبندية، البكتاشية، اليونسية"، وقد انقرض كثير من هذه الطرق وبقي بعضها حتى اليوم، وهي تختلف في نسبة استعمالها للموسيقا في أورادها وأذكارها».

لا يزال شباب سوريون، وعلى رغم محنتهم الكبيرة محافظين على صلتهم المعهودة بالإبداع الموسيقي تأليفاً وعزفاً واستماعاً. فسورية البلد الذي حفظت فيه مدينة أوغاريت   الأثرية ما يعتقد أنه أقدم تدوين موسيقي في العالم، لم توقف الأحداث العنيفة الجارية على أرضه نشاط موسيقييه، بل انتقلوا بنوطاتهم وآلاتهم إلى داخل البلاد أو خارجها بحثاً عن جو يمكنهم من متابعة ابداعهم.

 

المراجع:

الموسوعة العربية "صميم الشريف".

موقع مدونة وطن

موقع اكتشف سورية

ويكيبيديا

وكالة سانا

موقع الحياة