تحقيقات- مجلة الصرخة- أحمد قدامة

صدرت مجلة (الصرخة) في دمشق في 7/3/1932، وكانت مجلة أدبية فنية اجتماعية اقتصادية أسبوعية جامعة، وقد كتب فوق عنوانها (يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل)، وكانت من المجلات القليلة التي اهتمت بالاقتصاد والتجارة والزراعة، وسعت لتعريف المواطن على منتجاته الوطنية والسعي إلى ترويجها وتحسينها، وكانت تظهر للمواطن كنوز الأدب والفن في بلاده.

كانت تصدر كل يوم اثنين ضمن (20) صفحة من الحجم المتوسط، وقد اهتمت أيضا بتراجم حياة الشخصيات الفكرية والسياسية في سورية وأفردت في كل عدد عدة صفحات لذلك.

كان صاحبها ومديرها المسؤول محمد بدوي قدامه وهو والد أحمد قدامة (1911-1985) الذي ولد في دمشق وتلقى علومه الأولية فيها وعمل في الصحافة باكرا، حيث تولى رئاسة تحرير المجلة وكان سكرتير التحرير صبحي الخطيب الذي شارك في تأسيس اتحاد نقابات العمال في دمشق عام 1936 وأصدر جريدة (العمال) عام 1949.

وقد استأنف أحمد قدامة نشاطه الصحفي بعد أن توقفت مجلة (الصرخة) بسبب وفاة والده، فكان محررا في جريدة (الأيام) لصاحبها نصوح بابيل، ثم في جريدة (النضال) لصاحبها الدكتور سامي كبارة، كما عمل في جريدة (المنار) لصاحبها بشير العوف، كما أصدر في 3/10/1953 جريدة (التحرير العربي) وكان صاحبها ومديرها المسؤول ثم أصدرها عام 1954 تحت عنوان (البيان) وكانت جريدة يومية سياسية مستقلة ثم صدرت عام 1955 تحت عنوان (فداء الوطن) وكانت أيضا جريدة يومية سياسية.

ولأحمد قدامة عدة مؤلفات من أهمها رجال السياسة في الشرق والغرب والذي صدر في دمشق عام 1939 وطبع في المطبعة الهاشمية وكذلك موسوعة معالم واعلام والتي صدر منها الجزء الأول فقط عام 1965، ثم انتقل إلى الكويت وساهم في اعداد موسوعة الفقه الإسلامي ومجلة (الصرخة) هي غير مجلة الصرخة التي صدرت عام 1952 والتي أصدرها الصحافي أحمد علوش (1922-1972) والتي حولها إلى جريدة بعد عدة أعداد من صدورها.

نجد في العدد الأول من المجلة والصادر في 7 آذار عام 1932 في الصفحة التاسعة وتحت عنوان (حياتنا الاقتصادية في معاملنا الوطنية) تحقيقا عن زيارة محرر المجلة إلى معمل الكبريت السوري ومما جاء في التحقيق مايلي:

((إن الثقة عند السوريين في مصنوعاتهم الوطنية ضعيفة جدا، إذ لا ينظرون إلى ما يصنع في بلادهم نظرة احترام ويفضلون المصنوعات الأجنبية ولو كانت دون السورية اتقانا وقيمة.

ولو يعلمون بأن ضرر ذلك يعود عليهم وعلى أبنائهم الذين يعيشون في كنف هذا الوطن ويتغذون من خيراته لأقبلوا على المصنوعات الوطنية اقبالا عظيما، لأن الدرهم الذي يخرج من كف السوري إلى الوطن يرجع أيضا إلى كفه أو كف أبنائه، بخلاف الذي يخرج إلى الأجنبي فإنه لا يعود إليه، وللناس أن يقولوا بأن المصنوعات الأجنبية هي أتقن وأحسن وأجمل من المصنوعات الوطنية، أجل نوافق على بعض ذلك، ولكن المصنوعات الأجنبية لم تصل إلى هذه الدرجة من تلقاء نفسها وبإعراض الناس عنها، بل ترقت بالتدريج وبتشجيع المواطنين لها... وقد بدأنا في مجلتنا- منذ هذا العدد- في زيارة معاملنا الوطنية ودرسها درسا مستفيضا والكتابة عنها واظهار أوجه النقص حتى يتداركه أصحابها وينهضوا بها إلى أن تصل إلى درجة الكمال فتسد حاجة البلاد، وقد زرنا في هذا الأسبوع أكبر معمل عندنا وهو معمل الكبريت السوري وإلى القراء الحديث عنه:

يقع معمل الكبريت السوري في الجهة الجنوبية من دمشق بقرب قرية القدم شيد في أرض تستغرق ما يقرب من أربعين ألفا من الأمتار في بقعة جميلة من الأرض يحيط بها فلاة خصبة تكسوها الأعشاب الجميلة الخضراء وتكتنفها عن بعد الأشجار الباسقة في قرية القدم.

وقفت بنا العجلة أمام المعمل واستقبلنا مديره الفني السيد يحيى الحصري ببسمته ووداعته الجميلة وهو شاب لا يجاوز العقد الثالث من العمر طويل القامة نحيف الجسم تلوح على محياه أمارات الذكاء وفي عينيه بريق الآمال التي يكنها ضميره.

قادنا أولا إلى غرفة متوسطة معدة لقطع أخشاب الحور التي نصنع منها علب وعيدان الكبريت فرأينا كيف تقطعها المناشير الكهربائية بسرعة قطعا صغيرة بقياس معلوم، ثم انتقلنا إلى غرفة المعمل الكبيرة التي تدهشك رؤية ما فيها من الآلات وما تسمعه من دويها المزعج.

وقفنا أمام أول آلة فشرح لنا المدير عملها وهي آلة ضخمة توضع فيها الأخشاب التي قطعتها المناشير المار ذكرها فتشرحها ألواحا رقيقة لا يزيد سمكها عن ميليمتر واحد، وهذه الأخشاب الرقيقة هي التي تصنع منها علب الكبريت، ثم قادنا إلى آلة تقطع هذه الأخشاب قطعا منتظمة بقياس معلوم ثم إلى آلة ضخمة تكاد تنطح السقف بارتفاعها وهي تشبه نواعير العاصي في حماة، وهذه الآلة تدخلها قطع الخشب الصغيرة فتخرج منها علبا تامة الصنع، ثم سار بنا إلى عدة آلات تتمم صنع عيدان الكبريت وقادنا بعدها إلى الآلات التي تملأ الكبريت بالعلب عوضا عن الأيدي، وإنها لعجيبة الصنع حقا تقوم بعمل متقن جدا)).